الجمعة، 19 فبراير 2016

محمد حسنين هيكل: عروبي بعيون مصرية و"دولتي" و"مفكر استراتيجي" وصحفي حتى الرمق الأخير!

عن هيكل وجمال حمدان والمسيري ونزار قباني وروبرت فيسك و"سفاح الصعيد":
عروبي بعيون مصرية و"دولتي" و"مفكر استراتيجي" وصحفي حتى الرمق الأخير!
____________________________________________________

    
       قرأ محمد حسنين هيكل العالم العربي بعيون مصرية بينما كان صديقه ومجايله أحمد بهاءالدين يقرأ مصر بعيون عربية. لا أدري من هو صاحب هذه القراءة المتميزة لشخصيتي صحفيين وكاتبين مصريين كبيرين، من زاوية مقارباتهما لقضايا العالم العربي. ما يمكن لي أن أضيفه هنا أن هيكل كان الأقرب إلى وجدان وعقل صديقه ناصر جراء تقارب رؤيتيهما حيال الاهمية الاستراتيجية لموقع مصر في العالم العربي.

      من هذه الزاوية، زاوية المسؤوليات القيادية للموقع ومتطلباته، يمكن الإمساك بأسباب الإفتتان المتبادل بين جمال حمدان ومحمد حسنين هيكل؛ مصريان ثم قوميان عربيان (وتلك هي القومية العربية في نسختها المصرية الناصرية التي تتغاير وقومية المشرقيين، بعثيين وغير بعثيين). حمدان كان يضع هيكل في مصاف كبار الاستراتيجيين في العالم العربي. وهيكل يصف حمدان بأنه أعظم مفكر مصري في القرن ال20.

  
       كان "الأستاذ" هيكل يتعامل مع مجايله جمال حمدان الذي يصغرة ب5 سنوات بوصفه "الأستاذ" في الجغرافيا والتاريخ والموضع والموقع وكل ما يتعلق بمصر: المكان والمكانة والأهمية والأدوار والقيادة ... الخ. وهو أهدى كتابه "أكتوبر_ السلاح والسياسة"، وهو الجزء الرابع من سلسلته المهمة "حرب ال30 سنة" بين العرب واسرائيل، إلى حمدان طائر العنقاء الذي ينبعث من الرماد!

       استطرادا، فإن هيكل الذي كان رؤساء وملوك في العالم العربي والشرق والغرب يطلبون وده ولا يفوتون فرصة للجلوس معه، لم يكن سعيد الحظ دائما مع جمال حمدان. وهو زار يوما منزله بدون موعد، لكن العبقري في محرابه استثقل فتح الباب لزائر متطفل. حدث هذا في النصف الثاني من السبعينات على الأرجح. وقد لاح هيكل سويا كبيرا، متفهما سلوك صديقه المعتكف. وهو كتب، لاحقا، خطابا يقطر لطفا وعذوبة، يعتذر فيه لصديقه على ما يمكن أن يكون ازعاجا جراء طرق بابه دون سابق ميعاد، وربما في وقت غير مناسب، ولأنه سيغادر إلى اوروبا لمدة اسبوعين فإنه يأمل منه _ أي من حمدان_ أن يحدد له موعدا لزيارته بعد عودته من اوروبا.

         يخطر في البال، في مقام وداع هيكل، عبقري مصري آخر هو عبدالوهاب المسيري. في نهاية الستينات آمن هيكل (الصحفي والفنان والمفكر المتوقد) بموهبة المسيري.
 

        يقول المسيري إن هيكل الذي كان يقف على قمة "الأهرام"، احدى قلاع مصر الثقافية في الستينات، قرر_ بعد أول لقاء_ تسليمه عهدة بآلاف الجنيهات من أجل البدء بتزويد قسم خاص بدراسة "إسرائيل" في الصحيفة، والمركز التابع لها، بالكتب والأبحاث. صار المسيري أهم باحث عربي في "اليهود" "والجماعات اليهودية" و"أسرائيل".
  
        عبر هيكل تمكن الشاعر السوري الراحل نزار قباني من وضع حد للقرارت الخشنة (البوليسية) لأجهزة الرقابة المصرية المتخذه ضده بعد هزيمة 1967. وبوساطة هيكل وصلت رسالة نزار إلى جمال عبدالناصر الذي أمر بإلغاء قرارات الرقابة فورا، والترحيب بنزار في مصر العروبة في أي وقت يقرر زيارتها.
هيكل ونزار عربيان فريدان، كلاهما ظل حاضرا يستقطب اهتمام الملايين إلى الرمق الأخير.


        روبرت فيسك الصحفي البريطاني الشهير يضع هيكل ضم أعظم 3 مصريين عبر التاريخ، حسبما نقلت مواقع صحفية مصرية أمس. وهو تمنى أن يمتد العمر بهيكل عدة سنوات (تماما كما ملايين العرب).

          لا يمكن قراءة العالم العربي القرن الماضي وفهم التحولات الجارية الآن من دون متابعة ما كتبه هيكل خلال 70 عاما من الحضور والإبداع والإدهاش والإخبار والتعليم والإمتاع.

          بالمثل، لا يمكن فهم هيكل، بما هو ظاهرة فريدة ليس من المتصور تكرارها في مصر والعالم، تماما كما الأهرامات والنيل وجمال عبدالناصر وأم كلثوم وعبدالوهاب وجمال حمدان والمسيري ... إلا بفهم التحولات والمتغيرات التي شهدها النصف الأول من القرن ال20: حقبة ساكس بيكو ووعد بلفور ومحاصرة الدبابات البريطانية لرمز السيادة في مصر (قصر الملك فاروق) وقرار تقسيم فلسطين وحرب فلسطين التي صار يرمز إليها ب"النكبة".

       مصري آخر يحضرني للتو، هو الصديق الراحل خالد السرجاني، وهو عبقري من من عباقرة مصر الولادة لم يحظ بكبير نصيب من الحظ والشهرة، وسبق لي أن وصفته في تحية وداع قبل شهور، بأنه رجل "الكلمات المفاتيح"؛ كلما أشكل عليّ فهم تطور في مصر أو تفسير سلوك جماعة أو مثقف أو سياسي مصري، ألوذ بهذا المصري الجميل. في سهرة في مقهى في وسط البلد في القاهرة، سلمني خالد مفتاحا لفهم أحد أبعاد شخصية هيكل. بكلمة واحدة وصفه بأنه "دولتي"؛ أي يقارب أحداث العالم العربي وثوراته من زاوية "دولتية"، فبقاء كيان الدولة له الأولوية وهو قدس الأقداس. كذلك فإن هيكل بدا مستفزا في 2011 وهو ينحت مقولات بشأن الثورات في اليمن وسوريا وليبيا، خلاف حماسته الشديدة، بل والرومنسية، لثورة يناير المصرية حيث مصر العريقة بكيانها الوطني وحدودها السياسية الأقدم التي بالكاد تغيرت طفيفا خلال 7 ألاف سنة.

       هيكل هو أخطر استفزاز واجهه أيديولوجيو ومدرسيو (اكاديميو) العالم العربي منذ الخمسينات، وبخاصة منذ السبعينات. يصعب أن تجد ايديولوجيا (أو أكاديميا) عربيا، يساريا او قوميا أو اسلاميا، لا يشعر بتوتر حيال هذا الصحفي الفذ الذي يخوض، بجسارة ورشاقة ملاح، في الفكر والايديولوجيا والتاريخ والاستراتيجيا والأدب وعلم النفس.
في سيرتها الحزينة "المبتسرون" تستذكر الراحلة أروى صالح (وهي من شباب الغضب النبيل، اليسار خصوصا، في نهاية الستينات ومطلع السبعينات) كم كان هيكل سببا للتوتر والاستفزاز لها ولرفاقها اليساريين الذين كانوا يعدونه رجعيا وتبريريا لسياسات ناصر والسادات. لكن هيكل الرجعي واليميني هو ذاته الرجل الذي يستقطب اعجاب زعماء ومفكري اليسار في أوروبا والعالم الثالث.

       في السبعينات والثمانينات لم يكن هيكل مثار أعجاب الناصريين في مصر وخارجها. كان أحد مهندسي انقلاب مايو 1971 (ثورة مايو التصحيحية) الذي اطاح بخصوم السادات من رجال عبدالناصر.

      لم يكن هيكل عقائديا بما يكفي لانغمار الايديولوجيين الناصريين بالسلام والاطمئنان حياله.
       في الستينات والسبعينات كان هيكل عند بعثيي وماركسيي الشام والعراق، عميلا للمخابرات الاميركية.
      كل هؤلاء الايديولوجيين راجعوا وتراجعوا ثم عبدوا طرقا وشقوا قنوات وأقاموا جسورا تصلهم برجل التاريخ والاستراتيجيا والاستشراف.
       كل هؤلاء باستثناء الاخوان المسلمين في العالم العربي.
        لم يدم شهر العسل بينهم وبين هيكل إلا أسابيع بعيد انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر في اول انتخابات تنافسية وديمقراطية في تاريخ مصر.
 

        لكن هيكل الذي رحب بفوز مرسي، ودعا المصريين إلى منح الاخوان فرصة، ما لبث أن انضم إلى غالبية المصريين الذين نزلوا في 30 يونيو مطالبين باستقالة الرئيس المنتخب. يومها بدا هيكل وكأنه يدفع باتجاه تسليم الرئاسة لقائد الجيش المصري عبدالفتاح السيسي، واضعا خبرته وسحر بيانه في خدمة "الثورة على اول رئيس منتخب بعد الثورة"!
      انتهى شهر العسل بين هيكل والاخوان. وعاد هيكل مجددا إلى هيئته القديمة في أدبيات الاخوان، كصديق للعدو التاريخي ناصر.
****
         "الأستاذ" هو الجورنالجي ببساطة، وهو الجورنالجي الذي حالفه الحظ كثيرا على ما يقول هو في سياق تأويل قصة نجاحه الخيالية.
جورنالجي!
        هذه هي الصفة المحببة إلى قلبه. لا المفكر ولا المنظر ولا المؤرخ ولا "الأستاذ". بدأ مسيرته المهنية عام 1942 عندما كان في ال19 وعاش صحفيا حتى "نهاية الرحلة" وهو يدنو من ال93 (74 سنة! هذا رقم قياسي غير قابل للتحطيم في اعتقادي).


        يحضرني للتو تحقيقا كتبه عام 1945 (أي عندما كان في ال22 من عمره) عن "سفاح الصعيد". كان هيكل محررا للحوادث على ما يبدو، وقد أعادت جريدة عربية في 2005 (أي بعد 60 عاما) نشر التحقيق في صفحة متخصصة لها عن "صحافة زمان". اتذكر انطباعي يومها بعد ان انهيت قراءة القصة بسرعة خاطفة، بعينين محدقتين وأنفاس متسارعة، قلت في نفسي: الصحفي كما "الشاعر" لا "الخطيب"، يولد! (كذلك هو هيكل، صحفي بالولادة لا بالحظ وبالمراس وبالمران والمثابرة فقط)!

السبت، 30 يناير 2016

خيبات "الحوثيين" في "الشيطان الأكبر" الذي يقتل اليمنيين!


سياسات الدول الكبرى لا تقررها عوارض ولا تغيرها تباينات بين الحلفاء حول مقاربة مستجدات أو سلوك جامح لدولة كبرى أو دولة ترتبط بحلف استراتيجي مع دولة كبرى.
حكومتا الولايات المتحدة الاميركية وانجلترا مررتا مشروع القرار السعودي بشأن انقلاب الحوثيين على السلطة التوافقية في صنعاء، والتهديد الذي تمثله ميليشيا الحوثيين للأمن السعودي، وصار المشروع قرارا دوليا يحمل الرقم 2216.

حكومة روسيا الاتحادية مررت القرار لأنها امتنعت عن استخدام حقها في الاعتراض كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي. وامتناع القادر على المنع يعني صراحة، تأييد المقاربة السعودية_ وبالتالي دول التحالف العربي_ للأزمة في اليمن.
القرار الدولي 2216 صدر بعد انطلاق العاصفة السعودية، ما يعني شرعنتها وتوفير المظلة الدولية للحكومة السعودية لتواصل تدخلها العسكري في اليمن لدعم "الشرعية" أو باسم دعم هذه الشرعية!
لم يطرأ جديد في نهاية يناير 2216 يبرر نقمة الحوثيين على حكومة واشنطن التي صارت سببا لتعطيل فرص إحلال السلام في اليمن حسبما صرح قبل يومين الناطق الرسمي لجماعة الحوثيين.
الدعم العسكري والديلوماسي الدولي للسعودية قائم منذ البداية.
وما يمكن فهمه من تصريحات قيادات حوثية ومن حملات في مواقع التواصل الاجتماعي يدشنها قادة بارزون في الجماعة كرئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا" محمد علي الحوثي، تحمل ادارة اوباما مسؤولية "قتل اليمنيين"، هو أن الحوثيين وقعوا ضحية تضليل من قبل أطراف اقليمية أو دولية، او أن إدراكهم لطبيعة العلاقات الاميركية_ السعودية وأبعادها كان قاصرا، أو أن التضليل والإدراك القاصر تضافرا فانطلقت "عاصفة" أخرى في جنوب الجزيرة العربية تطلق "هاشتاجات" في مواقع التواصل الاجتماعي ضد العدو الجديد للحوثيين: اميركا!

لكن اميركا ليست "العالم الجديد" الذي يتم اكتشافه، الآن، وبعد أكثر من عقد من تأليف الوثائق التأسيسية للحوثيين: ملازم (محاضرات) المؤسس حسين بدرالدين الحوثي رحمه الله.
اميركا كانت حاضرة على الدوام في عقل الجماعة التي اشتهرت في بداياتها باسم "جماعة الشعار". والشعار المقصود هو شعار الموت لاميركا الذي يكسو العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات التي يسيطر عليها مسلحو الجماعة.

والسؤال الذي يبدر توا: هل كان الشعار محض هجوم استباقي للجماعة أم أنه أداة فرز وتصنيف في حروب داخلية؟
كما كل جماعة عقائدية، فإن من الثابت أن للشعار قدسيته لدى "مجاهدي" الجماعة الأوائل بحسبانه صيحة احتجاج في وجه "طاغية" موال ل"الشيطان الأكبر". لكنه في حركية الجماعة في سنوات لاحقة، وبخاصة بعد 2011 وقد صار "الطاغية" حليفا في أزمة داخلية، تنزل الشعار من عليائه ليبيت محض أداة تكريس حضور وانتشار وتحشيد في صراعات داخلية.
***

اليمنيون يحتربون كما في أغلب صفحات تاريخهم.
والموقف من التدخلات الخارجية، الاقليمية خصوصا، يتقرر لدى الأطراف الداخلية، سياسية واجتماعية (وجهوية من أسف)، بحسب الطرف الداخلي المستفيد من هذا التدخل. وبينما تستشرس هذه الاطراف أو العديد منها، في حروبها الداخلية الدموية والمدمرة، فإنها تظهر، على الدوام، اشارات ود وتطمين للقوى الاقليمية والدولية أملا في تكريس تسلطها على الشعب المغدور (كثوراته).

الثابت أن الحوثيين ارسلوا_ خلال السنوات الماضية وبخاصة بعد اجتياح صنعاء في 21 سبتمبر 2014_ إشارات تطمين عديدة إلى أطراف اقليمية ودولية عديدة، بينها الولايات المتحدة الاميركية. لذلك تتعاظم عندهم مشاعر الخيبة في "عدو" ينادون، ليلا نهارا، بموته، وينكلون بأي يمني يعترض على "صيحتهم" المميتة!
استطرادا، فإن من الواجب التنبيه إلى أثر السياسات الاقليمية والدولية في سلوك الفاعلين اليمنيين؛ فمقاربة اليمن بما هو موضوع الصراع الاقليمي، منذ عقود وحتى اللحظة الراهنة، وأحد مواضع تفريج التوترات بين القوى الاقليمية القاعلة، أدت إلى تكريس ثقافة "الوكيل" المحلي الذي يلعب لصالح اطراف اقليمية (وخاصة الرياض) أو دولية (اميركا منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء حقبة الحرب الباردة).
لقد حكم هذه المحدد الخارجي سلوك الطراف اليمنية من صالح إلى الاصلاح إلى الحوثيين.
من يتوسل احتكار تمثيل اليمن (الكيان والهوية والانسان) عليه أن يعمل من أجل نيل اعجاب الرياض وواشنطن، اللتين تتمايزان احيانا في الموقف من اليمن أو من يحكم اليمن.
خلال نصف القرن الماضي تعيّن اليمن [الشمالي بداية، ثم اليمن الموحد] ك"دولة حاجز" في خدمة السياسة الدفاعية السعودية.
أراد الحوثيون في لحظة شطط، الاضطلاع بهذا الدور كورثة للرئيس السابق صالح وحلفائه التقليديين، وبخاصة اللواء علي محسن الأحمر وجماعة الاخوان المسلمين_ فرع اليمن، التي ابتعدت وئيدا وئيدا، عن المحور السعودي منذ حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينات.
لكن لعب هذا الدور في قرن جديد وعصر مغاير وبيئة اقليمية تشيع فيها "الاصوليات" و"حروب الطوائف"، يقتضي ما هو أكثر من رسالات الود والتطمين والتأمين (!)، فالسباق في اليمن هو في واقع الأمر سباق على اليمن. وكذلك هي الحرب بمعزل عن دوافع المحتربين اليمنيين ونواياهم وخرافاتهم ... وخيباتهم!

أطلق الحوثيون قبل أسبوع عاصفة "هاشتاجات" في تويتر وفيسبوك ضد "الشيطان الأكبر" الذي لن ترتجف أوصاله لمرآى ضحايا غارات التحالف العربي على اليمن، ولن يطلق آوامر صارمة لحليفه التقليدي في المنطقة، الملك السعودي، بوقف الحرب فورا.
الحرب في اليمن لن تتوقف من أسف بجولات المبعوث الأممي وحفرياته الآثارية والاجتماعية في المنطقة وداخل اليمن.
اليمن بعد ثورة 2011 الشعبية السلمية لا يمكن أن يحكم بالإخضاع وبإرهاب السلاح. والحرب تتوقف، فعليا، بالعودة إلى "الشرعية التوافقية" التي لا تتأتى إلا بإنهاء مفاعيل الانقلاب الذي شهدته العاصمة اليمنية قبل عام، وبتخلي الحوثيين، و"الشرعيين" أيضا، عن الأوهام التي أخذت اليمن ب"الحوار" إلى الحرب.

الأحد، 17 يناير 2016

عن استقالة عبدالباري طاهر و"ثورجية" الحوثيين التي لا تحتمل!

      استقالة الزميل القدير الأستاذ عبدالباري طاهر نقيب الصحفيين الأسبق والباحث المرموق والمثقف الرسالي، من رئاسة الهيئة العامة للكتاب، اليوم السبت، تعني أن "ثورجية" الحوثيين في عاصمة اليمنيين لم يعد في طاقة أي يمني، مهما تجمل بالصبر وتحلى بالحكمة، التعايش مع مظاهرها ومفاعيلها.
 

      عبدالباري طاهر هو النقيب والحكيم والضمير في هذا الفصل الحزين من تاريخ اليمن.
 

      لم يكن يشغل موقعا متصلا بالأمن أو بالجيش أو بالمال العام. وهو وافق قبل 3 سنوات ونصف، على تعيينه في الموقع الثقافي والتنويري، الذي يستحيل _ في تقديري_ أن يوجد يمني أكفأ منه ليحل محله.
 

      لكن الحوثيين في "مسيرة تقويضية" للدولة والمجتمع.
     والظاهر أن مسيرتهم تشارف على بلوغ خط النهاية لذلك يرتفع منسوب توترهم وتتدنى حساسيتهم السياسية والاخلاقية وتتوسع حماقاتهم إلى "آخر المحرمات" اليمنية: أبرز معالم الثقافة وأرفع رموزها.

الثلاثاء، 12 يناير 2016

بطل فقراء القرن ال21 ليس ثوريا يساريا بل لاعب يساري!

في أرجاء "الكوكب الأزرق" يعرفون ليونيل ميسي لاعب "الكرة المستديرة" داخل "المستطيل الأخضر"!
من يعرف اسم رئيس الارجنتين الجديد؟
من يتذكر اسم الرئيسة المغادرة؟
ما هو اسم آخر زعيم ميليشياوي ارجنتيني؟
لماذا صار جيفارا رمزا فحسب لحركات الاحتجاج في العالم، مجرد ذكرى في وطنه ومحض وشم يزين سواعد أشهر نجوم الكرة هناك، وأحيانا علامة تجارية لترويج منتجات وملابس وصرعات غربية؟

ما هو "الشغف" إن لم يكن "كرة" لصق قدم "يسارية" للاعب "عديم" نصيب من الوسامة، لا يكاد طوله يلامس السنتيمتر رقم 170؟
****
بعد دي ستيفانو وماريو كيمبس ودييجو مارادونا، صار البطل، راهنا، ليونيل ميسي، وبدون "كاس عالم"!
بالامس حصد صاحب القدم اليسرى الخرافية، كرته الذهبية الخامسة كأفضل لاعب كرة قدم للعام 2015.
رقم قياسي آخر للاسطورة الحية ميسي.
رقمه القياسي الأهم الذي سيصمد عقودا في رأيي!
لا أحد بلغ هذا الرقم او دونه: لا بيليه ولا كرويف ولا مارادونا ولا فان باستن ولا زيدان.
ميسي يحلق مبتعدا عن أسلافه وعن كل مجايليه.
بطل فقراء العالم في القرن ال21 ليس قائد ثورة يساريا بل لاعب كرة قدم يساري!

الحوثي وصالح مطالبان، دوليا، بالتفاوض مع الرئيس هادي لا الملك سلمان أو نجله!

       إلحاح الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحليفه عبدالملك الحوثي منذ شهور على التفاوض مع السعودية، يؤكد أمرين:
_ أنهما يريدان لعب الدور القديم في اليمن الشمالي (ثم في ظل الجمهورية اليمنية) كمنفذين محليين لاستراتيجية سعودية تجعل من اليمن "دولة حاجز" أو "مركز حراسة حدودي متقدم" داخل الأراضي اليمنية؛
_ أنهما كحليفين حربيين داخليين، مصران على أن تمثيل اليمن محتكر لهما، أو لأحدهما. وأن أي يمني آخر من خارج عصبيتهما المزعومة _ إذ أنهما في تقديري مجرد فاعلين سياسي واجتماعي (وميليشياوي) في اليمن، لا يمثلان إلا من يلتحق بهما_ يبقي "خارجيا" ولا يحق له تمثيل "المزرعة"!
***
       محنة اليمنيين ليست فقط، في هذه الحرب الكارثية.
     محنة اليمنيين هي في "روحية" أقطاب تحالف الحرب الداخلية (من دون اسقاط مسؤولية أي طرف آخر، محلي أو اقليمي).
على الرئيس السابق صالح وحليفه قائد جماعة الحوثيين أن يمرنا نفسيهما على أن اليمن بلد كبير ومتنوع ومتعدد، وأن منصب الرئاسة متاح لأي يمني، من صعدة إلى سقطرى، بالانتخابات العامة.
عليهما الكف عن توسل التفاوض من عاصمة "العدوان"، ووقف عدوانهما الداخلي على اليمنيين، والتعامل مع آخر رئيس انتخبه اليمنيون_ بطلب من صالح نفسه_ وهو الرئيس عبدربه منصور هادي المقيم اضطراريا في عدن.

الاثنين، 4 يناير 2016

في وداع يمني استثنائي اسمه خالد الصوفي

        يمني استثنائي آخر، غادر، اليوم، دنيا اليمنيين الموحشة جراء الحروب والعصبيات، والغارقة بدماء مواطنيه.
 

     يمني لا يضاهيه أحد في كرمه وشهامته ونبله ولطفه وتوقده غادر "دنيا" اليمنيين بعد تدهور حالته الصحية مؤخرا في القاهرة، في عاصمة "ام الدنيا" التي كانت موطنه الأول مكرر، كما أغلب اليمنيين، وملاذه الأخير بعدما ضاقت "يمن" الميليشيات والعصبويات بأبنائها النجباء الأسخياء.
    

     صديق آخر، بعد الصديق والزميل فارس غانم [الذي ترجل، الصيف الماضي، في الطرف الآخر من قارة افريقيا، في كيبتاون، جنوب افريقيا] يموت بعيدا عن مسقط راسه!
المرض والحرب تضافرا ضده فصار "الحبيب القريب الذي ابتعد"!
 

      الصحفي الإنسان، المدرس في كلية الاعلام في جامعة صنعاء، الزميل خالد الصوفي غادر "دار الحرب" إلى "دار البقاء".

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

عن خصخصة "المولد النبوي" ضدا على وحدة اليمنيين!

         أخطر ما تفعله جماعات "الاسلام السياسي" في المجتمعات العربية انها تجعل من مشتركات وجوامع هذه المجتمعات، أسبابا للفرقة والفتن والحروب الداخلية من خلال "مسيراتها" الإيمانية نحو احتكار تمثيل هذه المشتركات والجوامع وكل ما هو رموز دينية للمسلمين وتحويها مناسبات للاستثمار السياسي والتحشيد الفئوي.
 

       هذه الجماعات_ على تمايز خلفياتها وظروف وملابسات نشأتها وتباين دوافعها واختلاف بيئات نشاطها وتصادم مشاريعها التي تتغذى من صراعات القرن الأول الهجري و"السقيفة" و"الفتنة" و"صفين"، لها حركيتها الفارزة في المجتمعات العربية بما ان وحدة القياس الأولى لديها هي بين "مؤمنين" و"كفار"، أو بين "مهتدين" و"ضالين". وهي في مجتمعات متعددة مذهبيا كاليمن، تصير تلقائيا جماعات ضد وطنية تعادي، بالحتم، فكرة المواطنة والدولة المدنية لأن المواطنة هي مواطنة أفراد لا جماعات عضوية وغير عضوية. ولأن الدولة المدنية قاعدتها المساواة بين المواطنين الأحرار ولا تعترف بأية امتيازات لأي فرد أو جماعة ذات منشأ عضوي (امتيازات بالولادة) أو دعاوى ايديولوجية.

         الحوثيون، بما هم أخر نسخة من الجماعات الدينية المتطرفة في مجتمع يمني ثري ومتعدد مذهبيا، يتوسلون كما أية جماعة سياسية عصبوية تتدثر بالشعارات والقيم الدينية، خصخصة اسلام اليمنيين ورموزه لتحقيق أهداف فئوية (تتعلق بهم كجماعة) ومكاسب سياسية تتصل بمشروعهم التسلطي. يكفي العنوان الذي تتخذه هذه الجماعة لنفسها، وهو "أنصار الله"، للإمساك بالركيزتين الاساسيتين للجماعة وهما "الاصطفائية" التي تتغذى من مفاهيم داخلية من شاكلة "العلم" و"الولاية" و"المسيرة القرآنية"، ما يجعل من الجماعة "فرقة ناجية" تحارب أنصار الشيطان من أبناء اليمن! والاحتكارية التي تظهر من خلال السلوك الميداني للجماعة وعبر تحويل "رموز" الدين الاسلامي إلى مناسبات للفرز بين اليمنيين على اساس "موال" للجماعة و"كاره" لها، كما حدث اليوم من تجييش واستعراضات باسم الاحتفال بمولد رسول الاسلام ونبي الرحمة.
           ***

         خطورة سلوك جماعة الحوثيين لا تكمن في كونها جماعة حملت السلاح في وجه الدولة، دفاعا عن النفس أو عدوانا على المجتمع، وإنما في القيم العليا_ المفصح عنها منذ سنوات_ التي توجه هذه الجماعة الآن، والتي تفصح عنها بالخطاب والسلوك والمناسبات (المخصخصة)، والتي تجعل من حروبها حروبا مستدامة باسم استرداد ما هو حق مغتصب من "آل البيت"، ومن الأئمة المطهرين.

        هذا السلوك والخطاب الخطران للجماعة يتكاملان مع سلوك وخطاب أعداء هذه الجماعة المذهبيين والعنصريين الذين يتساوقون و"روحية" هذه الجماعة من حيث يريدون ضربها، فهم يضعون مشتركات وجوامع وطنية يمنية في مواجهة جزء من المجتمع اليمني يتم إخراجه من تعريفاتهم الحصرية والانعزالية ل"اليمن" ول"الوطنية اليمنية".
     اليمن في حرب.
     حرب عناوينها سياسية حتى الآن، تقررها وثائق ومبادرات واتفاقيات وقرارات دولية.
 

         لكن الحوثيين وخصومهم الاسلامويين والانعزاليين يريدونها حربا مذهبية وجهوية في لحظة يصعب فيها_ بفعل حماقات وخرافات سياسيه وحزبيه تجد حاضنة اقليمية ودولية ترعاها وترفدها بخبرات من الشام والعراق_ إدراك العوازل الرقيقة بين الجهوي والمذهبي!
  

       الحوثيون يتحامقون ويعبثون بالنسيج الوطني لليمنيين ويستعجلون قيامة "آخر"هم العقائدي والماضوي في اليمن (داعش).
     

       والحكمة تلزم خصومهم السياسيين بمراجعة أية تصورات (مسودة الدستور التفتيتي لليمن) والتراجع عن أية أوهام متعلقة بشكل الدولة في اللحظة الراهنة، والامتناع عن أي خطاب اوسلوك من شأنهما تسويغ شعارات الجماعة وشرعنة مطلبها _ المفصح عنه في الوثائق وفي الحركة_ باحتكار تمثيل مناطق وفئات من اليمنيين.
 

       الصراع في اليمن هو بين "شرعية" و"تمرد".
        ومن الواجب أن يبقى كذلك من أجل اليمنيين جميعا، من صعدة إلى سقطرى. وإذا واصلت "الشرعية" التشبث بترهاتها الفدرالية فإن الصراع سيتجه، حثيثا وأكيدا، باتجاه حرب أهلية صريحة، جهوية وطائفية، بين ظلاميين باسم "أنصار شريعة" وظلاميين باسم"أنصار الله".