الأحد، 14 يونيو 2015

تمثيل "الحراك" في جنيف مؤشر على رداءة المتحاورين وانحطاطهم القيمي!


          من حسن باعوم وعلي سالم البيض وعلي ناصر محمد وحيدر ابوبكر العطاس ومحمد علي أحمد (قيادات الخارج) وهيئات الضباط الجنوبيين المسرحين قسريا (ناصر النوبة وعلي السعدي والبيشي والمعطري وعيدروس حقيس وزملائهم الذين فجروا الاحتجاجات في الجنوب في 2007) جرى اختزال "الحراك الجنوبي" في مؤتمر الحوار الوطني إلى مكون جديد برئاسة أحمد الصريمة ونيابة محمد علي احمد. حظي هذا المكون الطارئ بدعم وتأييد الرئيس هادي وكل "الرجال المحترمين" في صنعاء، وبمباركة جمال بنعمر (المبعوث الأممي السابق) وكل السفراء الرعاة للمبادرة الخليجية والعملية الانتقالية). ظنوا ان اختراع مكون جديد يقبل الانصمام إلى "السيرك الصنعائي" سيوفر حلا للقضية الجنوبية في موفنبيك أو _ على الأقل_ غطاء جنوبيا لأي حل يتم تمريره في الحوار.
            بعد شهر غادر رئيس "مؤتمر شعب الجنوب" أحمد الصريمة الفندق حيث "العروض البهلوانية" لسلطة الغدر باليمنيين ومن بارك انقلابها على الثورة والقضية الجنوبية. انسحب باكرا لأسباب لم يطلع عليها اليمنيون، لكن الذين اغتاظوا من انسحابه روجوا في المجالس والمقايل لشائعة تقول إن السلطان قابوس ضغط على الرجل (الذي يحمل الجنسيو العمانية) لمغادرة اليمن بناء على طلب من الرئيس هادي.
          بعد 4 اشهر من عروض موفنبيك، كان محمد علي أحمد الذي صار بانسحاب الصريمة، رئيسا للمكون الحراكي المشارك في الحوار الوطني، يشتبك علنا مع الرئيس هادي الذي لم يتحقق له الاشباع الرئاسي الكافي ليتعاطى مع الحراك بروحية رئيس دولة. قرر الرئيس هادي إن الملعب الجنوبي تنقصة العروض الشائقة، فغادر وقاره الرئاسي وهرع إلى الجنوب للعب في "دوري المظاليم" الذي بدأ في اعقاب حرب 94. كانت النتيجة أن الرئيس اليمني ارتطم ب"الرئيس الحراكي"، فتبادلا الطعنات السياسية. ولما كانت يد الرئيس اليمني طليقة _ كيد سلفه في الرئاسة وأكثر_ فقد استطاع ان يستميل نحو نصف عدد المكون الحراكي إلى صفه. وهكذا انتقل تمثيل الحراك الجنوبي من حراك 2012 الذي اسسه محمد علي أحمد والصريمة وقيادات حراكية وناشطون معروفون في الجنوب، إلى حراك 2013 برئاسة هادي نفسه (أحد أبطال حرب 94 التي أدت لاحقا إلى ظهور الاحتجاجات في الجنوب ضدا على نتائجها).

          في مطلع 2014 كان اعضاء منشقون من مكون محمد علي أحمد يظهرون في المشهد الختامي لعروض سيرك الحوار الوطني في فندق موفنبيك، باعتبارهم الممثل الشرعي والحصري للجنوب، مباركين المخرجات الرائعة التي ستضع حلا عادلا للقضية الجنوبية.
        كان ذلك الظهور _ بمعزل عن الرأي في اصحابه_ بمثابة الإعلان السافر للعدوان على اليمنيين جميعا والجنوبيين خصوصا، بمشاركة من كل المكونات السياسية والحزبية والشبابية والمدنية والحقوقية الحربية المشاركة في الحوار، جميعها بدءا من هادي والمبعوث الدولي وسفراء الدول الراعية وقادة أحزاب المشترك وقادة المؤتمر الشعبي.
لقد تعرض الشعب اليمني لجريمتين في موفنبيك: جريمة انتحال صفة تمثيله من قبل المشاركين الذين قرروا التمديد لهادي وللحكومة وللبرلمان، وجريمة انتحال صفة تمثيل سكان الجنوب من قبل الرئيس هادي وكل أولئك الطيبين الذين انتقلوا من عدن إلى صنعاء ثم انتقلوا من رئاسة محمد علي أحمد إلى رئاسة هادي بكل سلاسة.
في يناير 2014 كان المشهد الختامي لعروض السيرك اليمني. بعد أشهر قليلة بدأت نذر الحرب الأهلية الشاملة في الظهور. وفي يوليو اقتحم الحوثيون محافظة عمران. وفي سبتمبر اقتحموا العاصمة صنعاء ليفرضوا اتفاق سلم وشراكة كان من ضمن الموقعين عليه "حراك 2013"!
        والأن _ وفي ظل حرب داخلية كارثية_فإن حوارا أو تفاوضا أو تشاورا أو تناوشا، مقررا له أن يبدأ في جنيف غدا يضم كل المتآمرين في صنعاء منقوصا منهم "ارانب السباق" التي لا تُدعى للمشاركة في المنافسات داخل الحلبات المغلقة.
من الغباء توقع الكثير من هؤلاء المنتحلين الذين لم ينتخبهم أحد لتمثيله في أي حوار. لكنها شرعية القوة والبقية الباقية من "شرعية توافقية" أخذت وفدين إلى جنيف بناء على دعوة محترمة أخرى (!) من المجتمع الدولي.
        سيتفاوضون كقتلة، ك"حاربين" و"محروبين" _ باستعارة مفردات البردوني_ على كيفية انهاء الحرب طبق قرار مجلس الأمن 2216، وسيبحثون آليات تنفيذ هذا القرار، ويفترض أن يبحثوا مسودة اتفاق اطاري جديد يحل محل المبادرة الخليجية.
من الواضح ان المنتحلين جميعا لا يستشعروا أي مسؤولية حيال شعبهم وبلدهم. وهم _ بالخطاب والمسلك_ يفتقرون للحس السليم بالزمن وبالواقع. لذلك على المتفائلين أن يخفضوا سفوق توقعاتهم كثيرا. عليهم ان يتذكروا ان هؤلاء القتلة واللصوص والأفاكين كانوا يصلون، كتفا إلى كتق، في قاعات موفنبيك. وعندما كانت التحذيرات تصدر من أصوات مستقلة، من خطورة اخذهم "اليمن" إلى الحرب الأهلية، كانوا يردون بصور جماعية تظهر كم أنهم محبون ومتسامحون ومسالمون ومدنيون.
        من الفطنة أن يخفض اليمني توقعاته حيال ما يمكن أن ينجزه هؤلاء في جنيف، بتيسير المبعوث الأممي الجديد الذي لا يبدو أنه تعلم من جاره المغربي الدرس.
         من الضروري ألا يمر مشهد الوفدين من غير العودة إلى نقطة البداية:
من يمثل الحراك الجنوبي في جنيف؟
 

         كانت لدي، دائما، تحفظات مبدئية تتعلق بوجاهة استقدام اشخاص أو جماعات تمثل (دون أي تفويض) سكان المحافظات الجنوبية والشرقية (الجنوب السياسي سابقا)، ومع ذلك هناك مكونات وقيادات معروفة في الداخل والخارج لها حيثية تمثيلية في الشارع الجنوبي. لكن من المخزي أن تتورط "نخبة الهوان الوطني" مجددا في انتحال تمثيل هزيل للحراك الجنوبي يذكر بأسوأ عروض موفنبيك.
الحوثيون_ مثلهم مثل هادي واحزاب المشترك_ يلعبون اللعبة نفسها في الجنوب. صار لديهم "حراكيون" تحت الطلب!
        هناك دائما مسارات أكثر واقعية وعملية من اصطحاب ممثلين مزعومين لقضية وطنية (جنوبية) لن تحظى _ أبدا_ بتمثيل عادل قبل أن يحظى اليمن برجال دولة محترمين وقادة حزبيين كبار يحترمون شعبهم ويترفعون عن موائد اللئام ويأنفون من المشاركة في عروض تضليلية من شاكلة ما جرى في موفنبيك وما سيجري غدا في جنيف.

ليست هناك تعليقات: