السبت، 1 أغسطس 2015

في ضرورة إعادة "صعدة" إلى السياسة وإعادة الاعتبار إلى البديهيات!

    إنهاء الحرب بمشروع وطني يقدِم الحقوق ويرحِل "الفراديس"
_______________________________________

   
       مساء يوم الاثنين 20 فبراير 2007 مانعت أحزاب اللقاء المشترك مسعى الرئيس السابق صالح وحلفائه، إلى خلق "إجماع وطني" بشأن حربه الثالثة في صعدة ضد الحوثيين.
الرئيس صالح وحلفاؤه أوقفوا الحرب لاحقا من دون مشروع وطني يحول دون تحويل "الحروب" إلى "أداة" عسكرية واجتماعية (وثقافية) تخدم مصالح سياسية لبعض الأطراف قدر ما تقوض المصلحة الوطنية. ولذلك اندلعت 3 حروب أخرى في صعدة، اتسع نطاق الأخيرة منها إلى عمران ومشارف صنعاء.
التاريخ لا يكرر نفسه. لكن استخلاص العبر منه يمكن أن يزود صنّاع القرار ب"وصفات وقائية" تمنع اندلاع الحروب داخل الأوطان أو بين الدول. القارة العجوز أوروبا، التي كانت مسرحا لأعظم حربين في النصف الأول من القرن العشرين، لم تحترق بالنار مجددا باستثناء الحرب ثناء الحرب في البلقان جراء انهيار المعسكر الاشتراكي، وتفكك الكيان الاتحادي ليوغوسلافيا.
بعد 4 سنوات، بالتمام، من بيان اللقاء المشترك بشأن الحرب ال3 في صعدة، اندلعت "ثورة شعبية" ضد الرئيس المحارب صالح. كانت الثورة شعبية وسلمية. وفي أسابيعها الأولى بدا وكأن الاحتكام للسلاح صار فصلا في "كتاب التاريخ" اليمني لا مكان له في مستقبل اليمنيين الذين خرجوا بصدورهم العارية يواجهون أدوات القوة العارية للنظام. لكن انشقاقا جدث في "رأس" النظام فرض مفاعيله، لاحقا، على مسار الثورة التي صار لديها "انصار ثورة" مسلحون يتحركون بمنطق حروب النظام الذي كانوا أبرز رموزه العسكرية والاجتماعية.
بعد "ربيع" يختال بوعود الديمقراطية والسلام والعدل والمواطنة، عاش اليمنيون صيفا من نار شبّت في "دار الرئاسة" أولا، ثم امتدت ألسنتها إلى أرحب وأبين والجوف ومأرب ومناطق يمنية اخرى. لكن الكلمة العليا بقيت ل"روح الثورة" السلمية بقيمها التقدمية التي كبحت "النزعات" الحربية لرجال السلطة الأوفياء وأولئك المنشقين. وقد اضطر الرئيس صالح إلى التوقيع على مبادرة خليجية تلبي جزئيا مطلب الثوار بخروجه من الرئاسة لقاء تقاسمه السلطة مع "اللقاء المشترك" و"أنصاره"، يكون على راسها رئيس جديد هو نائبه الصموت الذي تقبل به المعارضة التي كانت قد احتكرت تمثيل الثورة ونصبت نفسها ناطقا أوحد باسمها.
بدأت مرحلة انتقالية مطلع 2012. وبدأ "المحتربون" الاستعداد لحرب سابعة!
في الخريف التالي (خريف 20  مساء يوم الاثنين 20 فبراير 2007 مانعت أحزاب اللقاء المشترك مسعى الرئيس السابق صالح وحلفائه، إلى خلق "إجماع وطني" بشأن حربه الثالثة في صعدة ضد الحوثيين.
  الرئيس صالح وحلفاؤه أوقفوا الحرب لاحقا من دون مشروع وطني يحول دون تحويل "الحروب" إلى "أداة" عسكرية واجتماعية (وثقافية) تخدم مصالح سياسية لبعض الأطراف قدر ما تقوض المصلحة الوطنية. ولذلك اندلعت 3 حروب أخرى في صعدة، اتسع نطاق الأخيرة منها إلى عمران ومشارف صنعاء.
التاريخ لا يكرر نفسه. لكن استخلاص العبر منه يمكن أن يزود صنّاع القرار ب"وصفات وقائية" تمنع اندلاع الحروب داخل الأوطان أو بين الدول. القارة العجوز أوروبا، التي كانت مسرحا لأعظم حربين في النصف الأول من القرن العشرين، لم تحترق بالنار مجددا باست12) كانت فرصة الإقلاع نحو المستقبل ما تزال ماثلة. لكن الرئيس هادي وحكومة الشراكة (والحوثيين الذين انفتحت لهم جزئيا أبواب العاصمة) اختاروا متابعة الاستعداد للحرب بدلا من الاعتداد ب"روحية الثورة" السلمية. ولكم كان الأمر مثيرا إذ توافقوا جميعا على ترحيل "أولويات" الثوار وتقديم استحقاقات "السياسة" وإغراءات السلطة، السلطة التي صارت ضربا من "تسلط" جديد باسم التقاسم والشراكة والحوار. وكذلك صارت الدولة "غنيمة" يتجاذبها المتسلطون بالمبادرة والطالعون من غمار حروب صعدة ال6 الذين بدؤوا ترتيب موقفهم وتنظيم تحالفاتهم انطلاقا من مآل ثورة قبراير 2011 الذي لاح وكأنه يدر كل عوائده السياسية والعسكرية على الطرف المنشق عن الرئيس صالخ الذي صار ينتظم تحت "لواء" اتخذ له عنوانا ثوريا (أنصار الثورة).
ضدا على "انصار الثورة" صدّر الحوثيون عنوانا جديدا يتحركون سياسيا باسمه هو "أنصار الله". وبدؤوا بسج خيوط تحالف مع الرئيس السابق صالح الذي صار له "انصار شرعية" هم "رجاله الأوفياء" الذي وقفوا حتى اللحظة الأخيرة في صفه ضدا على "رجاله المنشقين".
كانت هناك فئة "أنصار" رابعة هي "أنصار الشريعة"، الفرع المحلي من تنظيم القاعدة.
بينما كانت عُرى التحالف بين "أنصار الله" و"أنصار الشرعية" تتوطد وتزداد متانة بستحث طرفيها القلق من انفراد "أنصار الثورة" بالسطة وتغلغل "أنصار الشريعة" داخل "الأرض المحرمة"، كان الرئيس هادي ومؤيدوه الحزبيون وزمرة من التكنوقراط والبيروقراطيين وممثلون منتقون لشباب الثورة والمجتمعين المدني والحقوقي، يشيدون، بالرومنسيات والتلفيقات والتهويمات والأناشيد السمجة، "دولة" يمنية جديدة يبشرون اليمنيين الطيبين بها، باسمها وبوعد تنزلها الوشيك يرجؤون كل حق، من صعدة إلى عدن، وكل استحقاق، من انتخابات هئيات الدولة (رئاسة وبرلمان ومجالس محلية) إلى مؤتمر أكبر حزب وأصغر "جمعية" وأعرق "اتحاد" وأهم "نقابة".
***
بدلا من الذهاب الى الجنوب استجابة لاستحقاقات "القضية الجنوبية" الحقوقية والسياسية والأمنية و"الهوياتية"، وبدلا من الذهاب إلى صعدة بالدولة من أجل احلال السلام الدائم والإعمار وإزالة مظاهر الانقسام في السيادة، قرر الرئيس هادي والنخبة السياسية (وبخاصة اللقاء المشترك) تحويل قضايا الناس إلى "كروت"، وقرر "انصار الله" و"أنصار الشرعية" تدشين تحالفهما على "الأرض المحرمة" أولا. ثم، تاليا، اجتاحوا عمران ثم العاصمة. وبينما كانت "دولة فندق موفنبيك" تتبعثر في الهواء ختى من قبل ان تتنزل على الأرض، كانت "دولة الغلبة" تعيد تثبيت ركائزها التقليدية وأولها المؤسستان العسكرية والأمنية اللتين صاغهما صالح على "صورته"، وغير التقليدية متمثلة في جماعة اسلامية جهادية تتدثر ب"التاريخ" وتتلفع ب"الثورة" وتتسلح ب"المظلومية" وتتذرع بها لصد أي هجوم او نقد.
والنتيجة؟
انقلاب شامل في العاصمة وحرب تسلطية إحلالية استحلالية، داخلية، بدعاوى "الثورة" و"الوحدة" و"الشرعية الثورية" و"مخرجات الحوار الوطني"، ما لبثت أن جلبت حربا من الخارج باسم "حماية الأمنين الاقليمي والوطني" وباسم "دعم الشرعية" متمثلة بالرئيس هادي وحكومة خالد بحاح.
***
هذه حرب مركبة، متعددة الاغراض. وهي حرب غير منكافئة بالتأكيد. هي الحرب الأكثر وحشية منذ قرون، ولعلها الحرب الأكثر وحشية على الاطلاق.لكنها أيضا حرب غير مقدر لها أن تنتهي برابح وحيد بالنظر إلى مسارها وطبيعة اطرافها، محليين وعرب. وهي حرب "المقامرين" الذين اختاروا "مباراة صفرية" رغم استحالة ان ينفرد طرف واحد بالسلطة ويستحوذ على الدولة مهما تكن دعاواه ومهما بلغ حبروته. وهي حرب الأنصار الذين احتربوا في العقد الأول من القرن الأول من الألفية الثالثة باسم مشاريع ترتد باليمنيين قرنا إلى الوراء على الأقل ضد "الأنصار" الذين أرادوا التسلط على اليمنيين باسم "تهويمات" أخذت اليمنيين إلى هذا "الجحيم".
***
هذه حرب مزدوجة شديدة التعقيد. ليست حربا بالسلاح فحسب. وإنما هي حرب ب"المخرجات" و"الشراكة"، وحرب باسم "شرعيات" لا يمانع بعضها من إقامة "إمارات" اسلامية او جهوية. وهي حرب تتغذى من "خرافات" الايديولجيات الدينية و"ثأرات" التاريخ، القديم والحديث، و"ثورات" الحاضر المختطفة والمزعومة.
***
للحروب منظروها ومهندسوها وتجارها وأبطالها (هل للحروب الأهلية_ الوطنية الاقليمية_ أبطال؟) وضحاياها.
وهذه الحرب ما كانت لتندلع لو ان السلطة الانتقالية التزمت بتعهداتها فاولت الحقوق والاستحقاقات العناية الواجبة.
ما كانت لتندلع لو أن الرئيس هادي وحكومة الوفاق احترموا إرادة الشعب وقدروا تضحيات الشهداء، شهداء حروب الماضي وصراعاته وشهداء الحراك الجنوبي وشهداء الثورة الشعبية).
ما كانت لتندلع لو أن "اللقاء المشترك" الذي عطّل "الإجماع الوطني" في 2007 (كما ينوه المقال الاقتتاحي الذي نشرته في "النداء") ولم يتورط في "صناعة إجماع" في موفنبيك ضدا على "أولوية النظر في المظالم" ومع "اولويات تقاسم السلطة وتقسيم كيان الدولة".
أسباب اتدلاع الحروب تتعدد وتتناسل. والأكيد أن هذه الحرب الكريهة تناسلت من أطماع المتسلطين ومن "أوهام" المؤدلجين، ومن حروب الماضي القريب، حرب 1994 وحروب صعدة.
الأكيد ان هذه الحرب ما كانت لتندلع إذا لم تتعالَ سلطة الوفاق (والنفاق والشقاق) على جراحات اليمنيين في الجنوب وصعدة.
ما كانت لتندلع لو انها احترمت البديهيات وهي تحضر ل"حوار وطني" قال كثيرون، وأبرزهم أعضاء اللجنة التحضيرية لانعقاده إنه لن ينجح في إخراج البلد إلى النور إن لم يسبقه تنفيذ 20 نقطة تتعلق بالجنوب وصعدة.
لنأمل أن تنتهي هذه الحرب بقاعدة "غير صفرية". لنأمل ان يتحلى تحالف حرب الداخل (طرفا حروب صعدة ال6) بشيء من الحكمة فيستجيب لمطالب الأطراف الداعية لإنهاء الحرب، ويمتثل لقرارات الشرعية الدولية وبالتالي الشرعية التوافقية. وان يتعلم التحالف السعودي_ الخليجي العربي من الدرسين العراقي والسوري، ف"الشرعية" التي يحتشد من أجلها، ويقصف ويسلح ويمول، لا تعني شيئا إذا ذهب "الكيان الوطني" لليمنيين إلى التقسيم وإذا سقط المجتمع اليمني في "مستنقع" الحرب الأهلية المستدامة، وإذا تشظت "الجماعة الوطنية" اليمنية إلى جماعات حوثية وغير حوثية.
طال امد هذه الحرب أم قصر فإن "الجهاد الأعظم" هو في صوغ مشروع انقاذ وطني يحقن دماء اليمنيين، ويعطل قواعد "المباراة الصفرية"، ويبني سلطة توافقية ويستنقذ الدولة من الانهيار والمجتمع من التمزق، فيقدِم الحقوق ويحترم البديهيات ويرحل "التصورات" و"الأحلام" و"الفراديس" ويجعل من هذه الحرب "نهاية التاريخ" الاحتلالي والتسلطي في "اليمن" المحزون الكان قبل قرون سعيدا!
*** ***
*** ***

هنا افتتاحية ل"النداء" أثناء الحرب الثالثة في صعدة:
في ضرورة إعادة صعدة إلى السياسة - سامي غالب
_____________________________________
______________________________________
الأربعاء , 21 فبراير 2007 م
___________________
أفسد اللقاء المشترك في بيانه الصادر الإثنين بشأن أحداث صعدة «صناعة الإجماع الوطني» التي بدا وكأنها قد دخلت دور الازدهار.

أعاد البيان، بصرف النظر عن اللغة التي اعتمدها، الاعتبار إلى السياسة، فالثابت أنه لا إجماع يمكن أن يتحقق في حرب داخلية حتى وأن كان أحد طرفيها فئة صغيرة ترفع السلاح في مواجهة الدولة.
والمؤمل في بيان المعارضة أن يعيد طرح أحداث صعدة في سياق السياسة بما هي ممكنات وتسويات ومقاربات تراعي الحساسيات والتعقيدات وتستند إلى منطق الدولة، وتقارب الأزمات بروح العصر، بدلاً من الانحدار إلى خطاب عصبوي تكفيري يشيطن «الخصم»، توطئة لاقصائه، فتجريده من انسانيته.
عوض التهوين أو التهويل من شأن أحداث صعدة وتداعياتها على النسيج الوطني، فإن أطراف المنظومة السياسية مدعوون إلى التوافق على صيغة معالجة تحفظ للدولة هيبتها بضمان حقها في احتكار وسائل القوة والإكراه المادي، وتصون دماء اليمنيين جنداً و«متمردين»، وتصد أية محاولات لتدخلات اقليمية ودولية لإستثمار أزمة تولدت عن اعتمالات محلية صرفة، وإن حفزتها متغيرات اقليمية ايديولوجية ومذهبية.
لاح بيان المعارضة في بعض فقراته وكأنه يرد على اتهامات السلطة، لكأنه يبادلها توظيف «المأساة الصَعدية» في سجالات عقيمة. ومع ذلك فإن من العدل أن يحسب للمعارضة انها سجلت موقفاً صريحاً مما يجري في بقعة غالية من الوطن. وعليها الآن أن تمتص ردود الفعل المتوقعة من أطراف داخل الحكم، وتبذل في الوقت نفسه الجهد المستطاع، وفي طاقتها الكثير مما تستطيع بذله، من أجل الإسهام في كبح جماح القوة، تمهيداً لجرها من أذنيها وإدخالها إلى حظيرة السياسة، وصولاً إلى صيغة وطنية لتحديد إقامة الأزمة الخطرة، وتحجيم آثارها، تؤسس لمعالجة حاسمة لا توقف الحرب في صعدة فحسب، بل تسد أي منفذ لاستعارها مجدداً في نسخة رابعة.

ليست هناك تعليقات: