الصفحات

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

في يوبيله الفضي: ما عاد هناك منافسون انتخابيون للإصلاح بل منافسون وجوديون!

في الذكرى ال24 لتأسيس الإصلاح وفي الذكرى ال25 أيضا:
_ تغيير معتقدات المواطنين الدينية ليست من وظائف الأحزاب
_ الإصلاحيون مطالبون بمراجعات فكرية وسياسية ليتراجعوا عن مشاريع "هندسة السكان" وإعادة تعريفهم مذهبيا
_ في ظل الدور المقرر، سعوديا، لليمن الشمالي قبل الوحدة ك"دولة حاجز" احتكر الاخوان المسلمون النشاط السياسي في المناطق الزيدية
_ بعد 2011 ما عاد هناك منافسون انتخابيون للإصلاح بل منافسون وجوديون!

_________________________________________

في الذكرى ال25
__________

   التجمع اليمني للإصلاح حزب سياسي ذو وزن ودور مهمين منذ مطلع التسعينات. وذكرى تأسيسه لا تعني قياداته وأعضاءه وجمهوره فحسب، بل تعني كل يمني متصل بالسياسة أو مشغول بتحولاتها [وبالتأكيد أي باحث او معلق أو دارس للظاهرة الحزبية والصراع السياسي في اليمن منذ منتصف القرن الماضي ].
***
قبل عام بالتمام، نشرت هذا التعليق_ كما أخطرني الفسبوك قبل قليل_ بمناسة تأسيس الإصلاح. ومن الواضح أن الحارطة الحزبية بما في ذلك أوزان الفاعلين السياسيين وأدوارهم، قد طرأ عليها تغيرات عميقة، لكن الأكيد أن مضامين هذا المنشور _ في تقديري على الأقل_ ما تزال صالحة في الذكرى السنوية ال25 لتأسيس "تجمع" يمني أسهم منذ ربع قرن (بل منذ نصف قرن بالنظر إلى كونه امتدادا لجماعة الاخوان المسلمين قبل الوحدة) في صوغ المشهد الوطني اليمني الراهن بصرف النظر عن التباينات عن طبيعة هذا الإسهام.
قبل عام أشرت، عرضا، إلى تطور خطير في الصراع السياسي في اليمن (وعلى اليمن) إذ إن تحولات العقدين الماضيين (تحولات نظام ما بعد حرب 1994) أفرزت قوى سياسية واجتماعية تنافس الإصلاح وجوديا لا انتخابيا، وتخوض ضده "حروب استرداد" أو "إحلال"، في الشمال خصوصا.
***
لا يفوتني هنا، أن اتوجه إلى التجمع اليمني للإصلاح، قيادة وأعضاء، وإلى اصدقائي الرائعين في التجمع، صحفيين وغير صحفيين، بالتهنئة في ذكرى التأسيس، آملا أن يستأنف اليمن، بعد انتهاء هذه الحرب، المسار السياسي ونرى الأحزاب والقوى السياسية، العريقة والجديدة، تتنافس بالبرامج وصناديق الاقتراع ( وفي هذا الضرب من التنافس يتميز "الإصلاح" ولا جدال) لا بالقذائف وصناديق الذخيرة.
****
     هذا منشور العام الماضي بعد تصويبات وإضافات مفردات إيضاحية لا تغيرمن المضامين، كما تجدون رابط المنشور في التعليق الأول:


   في الذكرى ال24:
____________

      [ سيحتاج التجمع اليمني للإصلاح إلى فترة طويلة ليعيد النظر في أثر "مفاخره" الحزبية على الوحدة الوطنية في اليمن الشمالي واليمن عموما.
يصعب، انسانيا واخلاقيا، مطالبة الإصلاح بمراجعة فورية لمقولاته ومسلماته المتعلقة بسلوكه السياسي خلال العقود الاخيرة. الانكشاف السياسي والانحسار الوطني لهذا الحزب في الخارطة الوطنية (الوطنية بالبداهة) يجعل من التزيد والتشفي "غلافا" لأية مطالبات (تتوجه إليه) بالمراجعة أو التراجع، بالنقد وبالتمحيص، بالتشكك في تماسك مقولاته الطائفية والوطنية من شاكلة أنه "وطد الوحدة الوطنية بنشره مذهب "السنة" في المنماطق القبلية الزيدية!
تثير الجماعات الاسلامية المنخرطة في السياسة اشكالات على مستوى التحليل السياسي، حيث تتداخل الأدوار في سلوكها بين الديني (والثقافي بما هو حق فردي أو جماعوي) والسياسي بما هي جماعات سياسية في الصميم مهما تدثرت بالدين.
الإصلاح في ذكرى تأسيسه ال24 يواجه لأول مرة، بشكل جدي وحال، أسئلة المصير. فالحزب ذو السطوة والحظوة والتأثير (السياسي) والنفوذ التقليدي، الحزب الذي تأسس، اسميا، في ذروة الموجة الاسلامية في العالم العربي، الحزب الذي مثل رديفا لنظام صالح بدءا من مطلع التسعينات بعدما كان جهازه التعبوي والايديولوجي طيلة الثمانينات، الحزب الكبير الذي تترصع واجهته ب"كرادلة" من كل صنف، يعيش راهنا مأزقه الوجودي، ويجد نفسه مقتفيا أثر حلفائه في المشترك في المناطق الشمالية (من اليمن الجمهوري في الشمال ثم اليمن الكبير بعد الوحدة).
هكذا تتأكد حقيقة موضوعية متعلقة بالنشاط الحزبي اليمني منذ انتخابات 93 وما تلاها من حرب دمرت فرص نمو النشاط السياسي في اليمني على حساب المذهبيات والمناطقيات.
بكلمة أخرى، فالإصلاح الذي بدأ ينحسر من مناطق القبيلة الزيدية بفعل ميكانيزمات "حزب السلطة" السابق الذي صار الممثل الأول للقوى التقليدية المتحالفة مع نظام صالح، ينكشف كليا هذه الأيام بفعل جاذبية حركة إحياء الزيدية لمواجهة قصور "الوطنية اليمنية" في تغطية مناطق يمنية عديدة تجد نفسها_ بفعل سياسات الإحلال في العاصمة_ في مواجهة مفتعلة مع "الوطنية" و"السياسة" وخارج أي تصور للاندماج الوطني من قبل النخب الحزبية والسياسية اليمنية.
يواجه الإصلاح (بمشايخه وجنرالاته الشماليين) حالة غضب (لا ريب في هذا) تأخذ أبعادا عصبوية ووجودية. لقد فقد الإصلاح مبررات انتشاره في الشمال لأنها مبررات ارتبطت بسلطة صالح وبسياق المواجهة مع الحركات اليسارية والقومية في المناطق الزيدية.
ما عاد هناك منافسون انتخابيون بل منافسون وجوديون!
والعلاقة بين الإصلاح (المُنذر لتغيير المعادلة المذهبية كما تصور) والحوثيون هي علاقة صفرية، علاقة إحلالية كما نلحظ في عديد المناطق الشمالية التي سيطر عليها الحوثيون خلال العام الأخير.

لماذا؟
لأن الجماعتين تتشابهان في الادوار على ما بينهما من تناقضات حادة، وبصرف النظر عن تصوراتهما لنفسيهما.
هما جماعتان فوق حزبية، دون وطنية و(لكنهما في الوقت نفسه) مرتبطتان بحركات عابرة للقوميات وللوطنيات. هما مشبعتان بالايديولوجيا الدينية ويقينياتها وتعريفاتها الحصرية لجماعة المؤمنين،

غير أن من الواجب الاستدراك هنا بأن الحوثية في معناها العميق، هي امتداد طبيعي للاصلاح بقدر ما هي رد على تكتيكاته الخرقاء في العاصمة والشمال عموما.
***

يتفذلك الاصلاحيون إذ يقدمون انفسهم باعتبارهم جماعة سياسية مدنية بالقياس الى "دينوية" الحوثيين وعصبويتهم.
يجهدون عبثا من أجل استدعاء السلفيين كمقابل (ايديولوجي) للحوثيين، وبالتالي "داعش"بما هي التعبير المسلح عن السلفية. لكن حسابات السياسة لا توفر غطاء شاملا (أو حتى كافيا) لهذه المحاولة، فالحقيقة تكمن في دور هذه الجماعة أو تلك في السياق (السياسي) الاجتماعي وليس في ما تقوله عن نفسها.
خلال العقود الأخيرة جثم الاصلاحيون على مناطق الشمال باعتبارهم الأداة السياسية الوحيدة المسموح لها بتسييس ابناء الشمال (حيث الزيدية هي المذهب المنتشر بين المواطنين منذ قرون). كان الاخوان المسلمون بمثابة "شيوعيو اسرائيل" في خمسينات وستينات القرن العشرين، الذي كانوا الممر الوحيد المتاح لعرب فلسطين المحتلة (الذين صاروا بعد 1948 عرب الداخل او أقلية في دولة اسرائيل) للولوج الى السياسة.
هكذا فإن ما يراه تجمع الاصلاح مآثرة حزبية ومفخرة وطنية لا يعدو كونه ترتيبا تسلطيا بالتفاهم مع صالح والسعودية للسيطرة على الشمال في سياق دور "الدولة الحاجز" الذي تقرر، اقليميا ودوليا، لدولة اليمن الشمالي في السبعينات والثمانينات.
كان الإصلاح جزءاً من مخطط اقليمي متعلق بقواعد الحرب الباردة في الجزيرة العربية والخليج. هذا القول لا يبرر أي مسعى لنزع اي فضل، مهما تضاءل، للإصلاح بما هو تنظيم سياسي أيضا، في الاندماج الوطني في حال صحت فرضية كهذه!
على أن الاحزاب لا تعيد تعريف السكان مذهبيا بقدر ما تنشر قيما سياسية عصرية بينهم. ومشكلة الاصلاحيين في اليمن أنهم لا يريدون التدقيق في احكام ومسلمات متصلة بمحاولتهم هندسة السكان لصالح المذهب لا السياسة (وهذا بالضبط ما يفعله الحوثيون منذ سنوات).
***

هذه أفكار سريعة أعرضها هنا لغرض المساعدة (عصف ذهني إن شئتم!) في فهم ما يجري في اليمن في السنوات الأخيرة (العقدين الأخيرين)، وتحفيز نقاشات تضع الظاهرة الحوثية في سياق وطني موضوعي، سياسي واجتماعي وهوياتي، بدلا من التحليق وراء نظريات مؤامرة أو القعود عن التحليل المتوقد والخلاق والابداعي، بذريعة أن هناك مطامع فارسية في اليمن، وكفى!]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق