الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

عن صالحة البان بما هي "اليمن" المُسقط من حسابات الكائنات الفندقية!

      من المرجح ان ينضم مئات الضحايا في هذه الحرب (المستعرة والمسعورة) إلى قوائم المختفين قسريا في اليمن.
       لا توجد تقديرات ذات قيمة بشأن اعداد المختفين قسريا في اليمن. وإذا أردت أن أجازف فإن عددهم لا يقل عن 5 الاف بدءا من نهاية الستينات من القرن الماضي.
في 22 مايو 1990 قامت الجمهورية اليمنية. في مثل هذا اليوم، ولكن قبل 18 سنة من الوحدة (أو 43 سنة من كتابة هذا المنشور) انقطع أي تواصل بين الشابة صالحة البان وزوجها وابنها البكر وآخرين من اسرتها.
       بعبارة أكثر تكثيفا لحالة صالحة فإنها أمضت 15 سنة رفقة شريكها وثلاثة اضعاف هذه الفترة في انتظاره.
        على الجملة فإنها أمضت ثلثي عمرها تقريبا تنتظر رفيقها وابنها وشقيقها وصهرها. لكنها لم تتلق أي بلاغ بشأنهم حتى اللحظة.
ليت هذا فحسب!
       المخزي ان صالحة لم يتح لها قط أن تبوح بمأساتها.
       لم تحظ قط بالتفاتة من أية ناشطة نسوية.     

        لم تكلف أية منظمة حقوقية أو نسوية نفسها عناء الذهاب في رحلة سياحية إلى بير جابر أو الحمراء في لحج، وعلى هامشها يتم الاستماع إلى هذه المرأة، او حتى التدقيق في قسماتها وما حفرته الخيانات والخيبات من اخاديد في وجهها.
      

      صالحة البان هي "اليمن" المغدور والمخذول والمعذب والمنسي في قاعات الفنادق وفي منصات العرض وفي ساحات القتال وفي "حسابات" الكائنات الحقوقية الفندقية.
***

        لقد عنى 22 مايو الكثير لأسر المختفين قسريا في شظري اليمن، خصوصا وانه اطلق وعود الديموقراطية وحترام حقوق الإنسان. لكن الرجلين الذين قررا الوحدة رفضا فتح ملفات الماضي التي يجب ان تنفتح. وقد كانت الذريعة الرومنسية هي أن "الوحدة تجُب ما قبلها". لكن ما قبل الوحدة لم يكن محض ملفات ومؤامرات ومخططات وحروب همجية. كان هناك الآلاف من الزوجات والأمهات والآباء والأبناء يعولون على هذه الوحدة في الشمال والجنوب. لكن الحكام والوحدويين الفوريين قرروا أن 22 مايو هو بداية التاريخ اليمني.
       الحق انهم لم يغلقوا ملفات الماضي بل تركوها فاغرة في انتظار جولة صراع أخرى. كذلك اندلعت حرب 1994، وكذلك اكتملت دورة جديدة في التاريخ اليمني في ظرف 4 سنوات فقد خرج المنتصر من الحرب ليعلن أن يوم 7 يوليو 1994 هو "نهاية التاريخ" اليمني.
       

      في كل حرب في صعدة شهدنا مقاربات سلطوية وميليشياوية مماثلة.  
      في فبراير 2011 انخرط الآلاف من أقارب المختفين قسريا في ساحات الثورة. تجددت آمالهم في كشف مصائر ذويهم. وفي 2012 بدأ اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام لعبة مساومات بشأن الماضي. وقد أدت المساومات إلى تعطيل أية فرصة لمعالجة قضايا المختفين قسريا بروحية "ثورة فبراير". وبدلا من ذلك انتج الحوار الوطني نصوصا أخرى تتعلق بضحايا صراعات الماضي، وفي الأثناء كان المتحاورون يستعدون لجولة حرب جديدة في نهاية "الرحلة الترفيهية" التي احتضنها "كوكب" موفنبيك. تلك الرحلة التي نظمتها الأمم المتحدة ومولتها الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، وشارك فيها الذئاب والثعالب والظباع، ومعهم عينة منتقاه من الحملان والأرانب وكائنات لطيفة اخرى.
***
      في 2012 وما بعده رفض هادي والنخبة الصاعدة إلى السلطة مجددا مثل الاصلاح والاشتراكي والناصري وأحزاب أخرى، التعاطي الجاد مع ملف المختفين قسريا. لقد تواطئوا ضد الضحايا ومن اجل السلطة. وها إن الغموض يلف مصائر قيادات كبيرة في الدولة أحدهم شقيق الرئيس نفسه، وقياديين بارزين في الأحزاب أشهرهم الأستاذ محمد قجطان (القيادي في الإصلاح)، ومئات آخرين (على الأقل) سياسيين وعسكريين ومقاتلين في صفوف ميليشيات ومقاومات.
***
       هناك جراح تتعفن في اليمن. وإن لم يبادر العقلاء في هذا البلد إلى التحرك ضد أولويات القتلة واللصوص والمهربين ومحترفي التعذيب في السلطات المتعاقبة والميليشيات، فإن الغرغرينا ستجتاح الجسد اليمني من أقصاء إلى أقصاه.

___________________
. في التعليقين الأول والثاني تجدون رابطين: الأول وفيه اغلب مواد ملق المختفين قسريا الذي نشرته النداء في صيف 2007، والآخر يضم ورقة قدمتها إلى ندوة حول الملف في 2008. من أسف فإن الصور لا تظهر في الرابطين لأسباب فنية متصلة بتعطيل موقع صحيفة النداء في الانترنب. https://www.facebook.com/sami.ghaleb/posts/10153805827490312?notif_t=like

ليست هناك تعليقات: