الجمعة، 4 سبتمبر 2015

أدار هادي الدولة بنهج سلفه فازدهرت النزعة "التبشيرية" وانتشرت فرقة "المرجئة"

اندحار الحوثيين من عدن لا يعني عودة الشرعية إلى عاصمتها المؤقتة

أدار هادي الدولة بنهج سلفه فازدهرت "التبشيرية" وانتشرت فرقة "المرجئة"

______________________________________________

أراد تحالف الحوثي_ صالح فرض حقائق سياسية على اليمنيين بالقوة فكانت هذه الحرب الأهلية اليمنية الاقليمية.
وأية محاولة من الخارج لفرض حقائق سياسية على اليمنيين باستغلال مشاعر السخط ضد تحالف الحرب الداخلية يعني تهيئة اليمن لحروب أهلية أشد بدائية لن تتوفر لها حتى "العناوين السياسية والوطنية" التي يحتشد اليمنيون، بالحق وبالإكراه، وراءها.
المؤمل أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن، بالسياسة، أساسا، إن أدت جهود المبعوث الدولي إلى إقناع الحوثيين وحليفهم الاضطراري (أو الاختياري) صالح بالالتزام بالقرار الدولي 2216. والبديل هو أن يتابع المحتربون، اليمنيون والفاعلون الاقليميون، مباراتهم الصفرية التي تجري لصالح "الشرعية" و"التحالف" لكن من دون معالم على امكان مشاهدة "بطل" يمني أو سعودي، مكلل بالغار في القريب.
اليمن ليس "ارخبيل" في عمق المحيط الهندي يستطيع طرف (محلي) أو تحالف اقليمي أن يعيد صوغه ب"الفهلوة" أو ب"الغطرسة". وخلال العامين الماضيين سقطت، تباعا، "فهلوة" الرئيس هادي وجماعة العصبويين والمنتفعين الذين يتحلقون حوله و"غطرسة" تحالف الحرب الاستحلالية الاستحواذية الإخضاعية التي توسل بطلاها _ ولكل دوافعه_ تحويل الفاقد من الدولة و"الثورة" جراء الاعيب "الفهلوية" إلى ركائز ل"شركة مساهمة" يتحكمان وحدهما بها ويتكرمان بتوزيع حصص من أسهمها على من يرغب بالالتحاق بهما باسم "حزب" أو "منطقة".
لكل حرب مقدماتها وسياقها وبيئتها الوطنية والاقليمية.
لكل محارب دوافعه وحوافزه وغاياته.
والثابت أن لهذه الحرب المستعرة في اليمن (وعليه) مقدماتها التي ظهرت منذ خريف 2012 عندما توهمت سلطة انتقالية جاءت بها ثورة شعبية أن بوسعها أن تتسلط على اليمنيين لمجرد أن "الشيطان" الذي خرج من الرئاسة يتوثب من اجل العودة ويوسوس في "صدور الناس"، حوثيين وغير حوثيين، الذين يقلقهم بروز "الاخوان المسلمين" في واجهة النظام الجديد.
في ذلك الخريف مانع الرئيس هادي وحكومة الوفاق، اتخاذ أية اجراءات بناء ثقة (وهي على أية حال واجبات والتزامات دستورية أكثر منها اجراءات اختيارية) في الجنوب وصعدة.
قررت السلطة الانتقالية (وأطرافها) أن مشكلة اليمنيين ليست في سلوك الرئيس السابق الذي استأثر بالسلطة وشن الحروب ورعا شبكة فساد خلال سني حكمه لتكريس دولة "غلبة" و"امتيازات" تدر على الأقرباء والمقربين بالامتيازات. وكان مؤدى هذا التوجه أمران: أن ثورة فبراير _ ومن قبلها الاحتجاجات الشعبية في الجنوب_ لم تكن مبررة فالنظام الجديد الذي أفرزته طبق المبادرة الخليجية لا يفعل شيئا لمعالجة المظالم ورد الحقوق بما يوحي أن لتضحيات شباب الثورة والحراك الجنوبي مفاعيلها بعد إزاحة صالح من الرئاسة؛ وان النظام (بمنظريه التبشيريين) مضطر إلى اختراع ذرائع جديدة (إرجائية) لتبرير المحاصصة والتقاسم المخزي للإدارة والموارد ولتسويغ تلكؤه في انهاء المظالم ورد الحقوق للمظلومين.
كذلك التفت الرئيس هادي ومستشاروه عن مهام المرحلة الانتقالية المقررة في المبادرة الخليجية، وانغمسوا في الترويج لمهام جديدة قالوا إن تحقيقها سيأخذ اليمنيين إلى جنات النعيم في "العربية السعيدة". هذا الانقلاب استوجب لاحقا جلب "شكل الدولة" إلى طاولة الحوار السياسية (أو الوطني) حيث ينظر في قضايا اصلاح النظام السياسي والبنية التشريعية.
على الدولة "الغنيمة" تكالب هادي وبطانته من قادة الأحزاب والأفاكين الذين يعيدون تكييف مواقفهم وضبط "ايقاعهم" مع قدوم حاكم جديد، تماما كما فعل الرئيس السابق. وفي الموازاة علت موجة عارمة من التبشير بدولة "عادلة" تنتظر اليمنيين عند نهاية "حوار وطني".
إلى التبشير، جرى تكريس خطاب إرجائي يمهل "الفاسدين" ويعد "الطيبين" الصابرين ب6 فراديس تتنزل على اليمن.
لا عجب!
إذا كانت مشكلة اليمنيين تتلخص في شكل الدولة وفي طبيعة النظام السياسي وفي نوعية النظام الانتخابي فلماذا يُصار إلى تحميل الرئيس السابق ونظامه وشبكة المصالح التي رعاها، مسؤولية معاناة اليمنيين وحرمانهم من حقوقهم؟
إذا كانت مشكلة اليمنيين هي في "شكل الدولة" وفي طبيعة "النظام السياسي" وفي نوعية "النظام الانتخابي" فبأي جرم يحرم الرئيس السابق من المشاركة في السلطة ومن المساهمة في صوغ مشروع دولة جديدة للمستقبل؟
إذا كانت المشكلة في الدستور النافذ فماذا هو جرم الرئيس السابق الذي يبرر الثورة عليه؟
***
لم يكن رجال السلطة الانتقالية محض حملان ساقها الغباء إلى براثن "الوحش" المزدوج: صالح والحوثي.
الثابت أنهم، في أغلبهم، رجال السلطة السابقة. وكثيرون منهم كانوا رموز "فساد" السلطة التي ثار عليها الشعب. وعديدون كانوا شركاء في جرائم العهد السابق (وما قبله من عهود). ومنهم من قتل بيده أو تواطأ على جرائم يندي لها جبين أي ثائر.
ليسوا محض بشر طيبين هؤلاء الذين انتقلوا بعد خراب "صنعاء" و"عدن" إلى الرياض السعودية بعد ان تبخرت "الفراديس اليمنية" بحرائق الحرب!
فالثابت أن أبرزهم كانوا من "فرسان" حرب 1994. واغلبهم تمتع بمغانم اجتياح عدن في 7 يوليو 1994، ومنهم من وضع يده على أملاك وعقارات للدولة وللحزب الاشتراكي وللمجتمع المدني وللمبادرات الأهلية (التعاونيات مثلا) وللمواطنين.
لم يقطنوا أبدا ضفة "الأخيار". فعلى مدى عقود في الخدمة العامة، مدنية أو عسكرية، راكموا ثروات واستفادوا من مكرمات (رئاسية او أميرية او ملكية) وتمتعوا بامتيازات "الغلبة" التي قهرت مواطنيهم.
من كان سجله عامر بالغزوات (الوطنية) وبالفتوحات في خزائن الدولة لا ينتظر منه الانتصار ل"سيادة القانون" ومبادئ "العدالة الاجتماعية".
من كان سجله مرصع بجماجم الشهداء و"عذابات" المختفين قسريا واسرهم، لا يقيم عدالة، لا جنائية ولا انتقالية.
من عمل في خدمة الرئيس السابق صالح عقودا مديدة، مشاركا في الفساد ومتصدرا في الحروب ومبادرا إلى قمع المعارضين ومنمقا للعبث بالدستور ومباركا لتزوير الانتخابات، لا يؤتمن على "ُورة" بلّك ان يكون رائدا لها أو إبنها البار!
الثابت أن الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي لم يكن سيئ التقدير عندما رفض بعنت وكبر تنفيذ النقاط ال20 اللازمة لإنجاح أي "حوار وطني" في اليمن بعد ثورة 2011.
الثابت أن اغلب مستشاريه وكثيرين من مساعديه وبعض المعارضين الطائرئين لصالح الذين عادوا إلى السلطة من على موجتي الثورة الشعبية والحراك الجنوبي، كانوا في عهد "صالح" من "الصحابة الأولين" أو من "المؤلفة قلوبهم". ويمكن حصر أملاك هؤلاء في عدن بعد 94 لمعرفة أسباب توافقهم على رفض تنفيذ "بديهيات" تتعلق بممتلكات منهوبة وحقوق مواطنين مسلوبة.
***
استنقع الرئيس هادي وأغلب رجال المرحلة الانتقالية في الفساد، وجعلوا من دماء الشهداء والجرحى وتضحيات الشعب اليمني خلال العقدين الماضيين "حاملا"، اخلاقيا ثوريا، لارتكاب الموبقات.
شاع الفساد، متسربلا بالثورة المغدور بها من رجال صالح ومعارضية في السلطة الانتقالية، فعلت موجة التبشير بدولة أخرى من فراديس (6 او أقل)، وازدهرت فرقة "المرجئة" في يمن القرن ال21، ذلك أن الفراديس المنتظرة تستلزم الصبر على فساد هادي وعدم جدارته، وطول البال على "الموبقات" التي تحدث في عهد ما بعد الثورة، وتفهم التقاعس الرئاسي والحكومي في الاقتصاص لمرتكبي الجرائم المشهودة والمروعة في قلب العاصمة وفي الحواضر اليمنية الغارقة في العنف. [للتمثيل يمكن استدعاء حالة الشهيدين الخطيب وأمان اللذين اهدر حقهما في القصاص من القتلة بمناورات من الرئيس هادي ومساعديه وبرطانات وطنية صدرت من اعضاء "هيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني"]
***
من صعدة إلى عدن اعتمدت السلطة الانتقالية منهج الرئيس السابق في إدارة الدولة بالامتيازات وبرعاية شبكات فساد محلية من دون أن يؤدي ذلك إلى تعديل حقيقي في اوزان الفاعلين لصالح "الرئيس الهادي" ومستشاره "المحسن" ضدا على "الرئيس الصالح".
في موازاة الإفساد، شاعت النزعة التبشيرية خصوصا بين قادة أحزاب المشترك وأولئك "الطحلبيين" الذين صدرتهم ساحات الثورة إلى قصور السلطة وفنادق السياسة.
وإلى التبشيرية، انتشرت فرقة "المرجئة" التي تمارس الوعظ في الفضائيات والمجالس داعية الشعب إلى الصبر والثبات والصلاة إلى أن تقوم "الدولة الفدرالية" التي ستعيد لكل ذي حق حقه، فيصير الناس شركاء في السلطة والثروة.
***
بالفساد والتبشير والإرجاء سقط اليمن في "الحرب".
والآن، فإن فراديس هادي وشلة المبشرين في الرياض (وبخاصة أنصار هادي)، غير مقدر لها أبدا أن تتنزل على "اليمن الديمقراطي والموحد والمستقر".
وما يجري في عدن (العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية) يؤشر على حقيقة صادمة: إن الأسباب التي أدت إلى سقوط العاصمة صنعاء في قبضة الجوثيين ماثلة الآن في عدن التي باتت بعد دحر الحوثيين، تحت رحمة "مقاومات" وتهديد "ميليشيات" مسلحة كالقاعدة.
وليس مفاجئا _ لي على الأقل_ أن الرئيس هادي على عهده قبل انتقاله إلى الرياض، متقاعسا ورتيبا وضحلا. مثلما أنه ليس من المدهش أن يعاود التبشيريون التبشير والإرجائيون الإرجاء بينما الحرب تذيب جلود اليمنيين وتمزق نسيجهم الوطني وتحرق "الوعود" التي انتظروها في عدن، بعد صنعاء، وتبخرت في "الرياض".
***
هناك أخطاء فادحة ارتكبها المبشرون (هادي وقادة المشترك) في مستهل المرحلة الانتقالية أدت إلى هدر فرص انتقال اليمن إلى حالة دستورية مستقرة.
قدم هذه الأخطاء لا يجعل منها حقائق.
وهناك فرصة أخرى سانحة لإعادة تصميم مرحلة انتقالية (جديدة) على ضوء المرجعيات الوطنية والاقليمية والدولية، ويما يعيد ل"البديهيات" اعتبارها (وأهم هذه البديهيات استنقاذ الدولة من التفكك والمجتمع من الفوضى أولا قبل أية تهويمات تتعلق بتصورات مستقبلية) وبما يساعد على الحد من الجماعات والفرق الهدامة، التبشيرية والإرجائية والأنصارية، وبخاصة المسلحة منها.
انهاء الحرب اولا.
توافق على سلطة توافقية لمرحلة انتقالية جديدة ينظمها اتفاق إطاري بضمانات دولية وعربية.
إعادة بناء أجهزة السلطة وأدواتها في العاصمة والوحدات المحلية.
بناء مؤسستي الجيش والأمن بمقتضى معايير وطنية.
حل المظالم ورد الحقوق والإعمار.
ثم حوار على المستقبل يوفر لليمنيين فرصة تصميم مشروع توافقي للمستقبل، مشروع دولة مواطنة وسيادة قانون، دولة لليمنيين لا دويلات عليهم، دولة تصون كرامة كل يمني وكفل توزيعا واقعيا _ لا تبشيريا_ للسلطة في المركز وفي المحافظات (او الاقاليم)، دولة مزايا (اليمن العريق المتنوع المتماوج المتناغم) لا دولة امتيازات (موروثة من حقبة صالح) ولا دويلات عصبوية (يبشر بها هادي) تجعل من اليمنيين أقليات على أرضهم، اقليات مهمشة مستلبة الحقوق ومنتقصة الكرامة.

ليست هناك تعليقات: