الأحد، 11 سبتمبر 2011

الحل جنوبي - سامي غالب
الخميس , 13 سبتمبر 2007 م
طباعة أرسل الخبر
يمكن قراءة الاجراءات القمعية التي اعتمدتها السلطات في الأيام الماضية، للتعامل مع «المسألة الجنوبية»، على أنها إشارة يأس.
عندما تستنزف أية سلطة الوسائل السلمية لاحتواء مطالب فئوية أو شعبية، تلجأ إلى إعمال أدواتها الإكراهية. ولا جدال في قدرة الحكم على إلحاق أكبر قدر من الأذى المادي والمعنوي برموز الحركة الاحتجاجية المتنامية في المحافظات الجنوبية والشرقية.
يومي السبت والأحد (1، 2 سبتمبر) ظهرت هذه القدرة سافرة، في مدينتي عدن والمكلا. واعتقلت قوات الأمن معارضين بارزين واقتادتهم من منازلهم إلى ظلمات الزنازين.
ولئن عُلمت الوجهة التي اقتيد إليها المعتقلون، فليس بوسع أحد، بالنظر إلى المعطيات المتاحة والمنحى التصاعدي للاحتجاجات، أن يقطع بالوجهة التي يسير إليها البلد. وليس هناك ما هو أخطر على مصائر المجتمعات من شيوع «اللايقين» في أوساط نخبها السياسية، في الحكم والمعارضة.
والشاهد فيما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية هو ذاك التداخل في الصور، في منظار الحكم، في قضايا تقع في صميم الأمن القومي.
والأكيد أن الالتفات عن مطالب الناس المعلنة منذ سنوات في هذه المحافظات، واعتماد خطاب تهويني حيال معاناتهم، مقابل التهويل من مؤامرات خارجية ودعوات شطرية، هو الوسيلة المثلى لتفخيخ أية محاولات لتدارك الانحدار في العلاقة بين السلطة وسكان المحافظات الجنوبية والشرقية.
أياً تكن دوافع الحكومة والسلطات المحلية لإعمال أدوات الإكراه المادي ضد مواطنين عزل ومسالمين، فمن الثابت أنها بذلك تقوِّض فكرة الدولة من وجدانهم ، وتكرِّس البعد الجنوبي، بمعنييه الثقافي والجغرافي، كبعد حاكم وحاسم في حركة الاحتجاجات المستمرة، خصوصاً وأن أحد أسوأ تداعيات حرب 1994، أنها ألحقت تشوهات عميقة في الخارطة الديموغرافية للجيش والأمن، ما يجعل أي خروج لقوات الأمن والشرطة والجيش لمواجهة شارع يغلي و«يكاد يَنفضُ عنه كل الزراكش الوحدوية والوطنية»، محض مواجهة بين الشمال المستكبر بالقوة العارية والجنوب المستضعف بالحرب الإقصائية.
 حان الوقت لتستجيب النخبة السياسية في الحكم للتحدي الجنوبي، ليس بالقمع ولا بالاستعلاء ولا بالتهوين أو بالتعامي بعزو الالتهاب الحاد في الوجدان الوطني إلى محض مشاريع صغيرة لمعارضين موتورين أو مندسين مرتبطين بدوائر خارجية. كلا، بل بالاعتراف بالظلم الذي وقع على المحافظات الجنوبية والشرقية جراء حرب 94، والتعاطي بالحساسية الفائقة والحس السليم، مع مطالب شعبية، أثبتت تطورات الأسابيع الأخيرة إنها تمثِّل قطاعات عريضة من سكان هذه المحافظات.
إن القسر والترويع ليس من شأنهما إلا أن يراكما مخزون الغضب لدى المحتجين. وإن كان لا مناص من استدعاء مشهد دخول «قوات الشرعية» إلى مدينتي عدن والمكلا قبل 13 سنة، فلغرض استيعاب الدرس جيداً، فالقوة التي استخدمت سنتذاك كانت مموهة بمطالب وحدوية تحظى بتأييد قطاعات واسعة من السكان، ومع ذلك فإن مستخدميها أساءوا إدراك حدودها، فراكموا سنة تلو سنة، الأخطاء، ليجردوا القوة من كل شعار، وها إنها تظهر في مدينتي عدن والمكلا عارية من أي دثار.
تحول 7 يوليو في دوائر القرار وملحقاتها الى مبتدأ الوحدة (التي تعمدت بالدم) ونهاية التاريخ. في هذا «اليوم الأغر» استطاب الحكم السكنى، وبروحية الجماعة المنتصرة تحول الجنوب إلى «أرض أحلام» الفاسدين، وموضع تنافس النافذين، وموئل الباحثين عن النفوذ والامتيازات، فاستحالت الوحدة الى مجرد تمدد وتوسع لاقطاعية الحاكم، على حد تعبير مبكِّر لعبدالله البردوني.
ومُذ تسيدت هذه الروحية، فرَضَ السلاح نفسه كأداة أساسية، وأحياناً وحيدة، في التعامل مع المطالب المتراكمة (قديمها وجديدها). وحيال أية دعاوى أو احتجاجات، كان رد المقيمين في سدرة المنتهى نغمة وحيدة: «ما بوسع هؤلاء أن يفعلوا وقد عجز من كان بحوزته صواريخ سكود وطائرات ميج29؟».
باسم الثوابت تم تمثيل الطرف المهزوم على هوى المنتصر، وأعيد تعريفه، وتأويل خطابه مراراً، بقصد طمس أية خصوصية يتدرع بها. وعوض المسارعة إلى تعويض الانكشاف السياسي الناجم عن إقصاء الاشتراكي من الحكم، فاض مخزون العصبية والفساد لملء كل شاغر خلَّفه الطرف المهزوم. وفي الموازاة تم تنميط انبعاثات «المسألة الجنوبية» باعتبارها محض ظاهرة احتجاجية اعتيادية شهدتها مناطق يمنية أخرى. هذا الميل إلى تنميط الظواهر الاجتماعية سائد لدى النخب السياسية والثقافية اليمنية التي نشأت في عوالم التجريد، وما تزال تستنكف الاشتباك بالعالم الحقيقي.
ولأن التجريد سيد العنف، فقد تضافر الخطاب التجريدي والقوة المجردة لنزع الخصوصية عن الجنوب: المكان والبشر (الجغرافيا والتاريخ). وما كان لهذا إلا أن يعزِّز الخصوصية ويطبعها بالحدة، ويعمِّم الشعور بالإقصاء إلى شرائح عريضة من السكان. وبدلاً من الشراكة التي طلبها الاشتراكي وحلفاؤه، جرى إشراك قيادات اشتراكية سابقة (وبينهم بعض من تحمسوا للانفصال) في مواقع هامشية توفِّر لأصحابها امتيازات صغيرة. فضلاً عن ذلك فقد باءت بالفشل كل المحاولات لتوليد نخب جنوبية جديدة تؤدي في مناطقها وظائف مماثلة لتلك التي يؤديها منذ مطلع القرن العشرين الوكلاء المحليون للسلطة في المحافظات الشمالية والغربية.
استطراداً، فإن السعي الحثيث (والمحمود) للسلطة لتوكيد شرعيتها بالانتخابات، لم يرتِّب تغييراً ملحوظاً في المزاج الجنوبي. فعلاوة على الإحباط المتنامي بين اليمنيين عموماً من نجاعة الانتخابات كمدخل للتغيير الديمقراطي، تموضعت الانتخابات -جنوباً- بوصفها عملية إجرائية لتثبيت الأمر الواقع الذي صنعته الحرب. على أن هذا الموقف الدوغمائي من الانتخابات توارى أحياناً في واقع يفرض على الجميع، بمن فيهم تيار إصلاح مسار الوحدة (الاشتراكي) التكيف مع حركيته وقوانينه وتحدياته اليومية. كذلك فإن النخبة التي تقود الاحتجاجات وتبلور مطالبها بالتجريب وردات الفعل، حتى وهي تقولب شعاراها ومقولاتها، راحت تطور آليات تكيف مع افرازاته. يمكن التقاط هذا التكيف الاضطراري في تصريحات الرموز الحركية للمتقاعدين، والتي تتعمد تحييد ممثلي دوائر الجنوب في البرلمان والمجالس المحلية. ما قد يعني أن هؤلاء «الحكماء» يراهنون على اصطفاف جنوبي يمهِّد سلمياً لمضاعفة الحظوظ عند أي حوار مع الحكم، بلوغاً في نهاية المطاف إلى المواطنة المتساوية في ظل الدولة الواحدة.
عند هذا الحد يمكن تأويل النزعة الجنوبية الجامحة لدى ناصر النوبة وحسن باعوم ومسدوس وآخرين، على أنها محاولة مستميتة لاظهار «النقاء الجنوبي» تمييزاً (وليس فصلاً) للمسألة الجنوبية عن أية أزمات أخرى. للدقة هي هجوم مضاد لتظهير «الخصوصية الجنوبية» في وجه من يريد طمسها.
ولئن بدا هؤلاء «الحكماء» حفنة حالمين (وأحياناً مجانين) في عدسات النخبة الحاكمة وغالبية المعارضة، فإن الضفة الأخرى تعجُّ بالحمقى الذين يتوسلون تعويض مطلب «المواطنة المتساوية» بالطنطنة اللفظية عن الوطن النهائي. وإذ يصدرون من مفهوم مثالي (غيبي) للوطن بما هو جوهر، لا يتورعون عن تصدير مشاريع قوانين لحمايته، في تراجع فوري دال على هشاشة معتقداتهم.
إن الدولة المستبدة المرتكزة على العصبية والغلبة، كانت على الدوام أكبر عامل تحريف للوطنية اليمنية وأخطر تهديد للوحدة الوطنية، ولشد ما يمقت اليمنيون «الدولة الغالبة» حتى وهم يتباهون بيمنيتهم ويعتمدون تعريفاً حصرياً (بدائياً وعنصرياً) للجماعة اليمنية.
الشاهد، فيما يجري جنوباً، هو إمكان تنزيل الوحدة الوطنية من عليائها إلى تفاصيل الحياة اليومية لليمنيين عموماً، والجنوبيين على وجه الخصوص. وإلا هل كان بمقدور أحد في العاصمة أن يتصور فداحة المأساة التي دُفع إليها عشرات الألوف من المتقاعدين (والمنقطعين) الأمنيين والعسكريين والمدنيين، لولا أنهم بادروا إلى تنظيم أنفسهم ذاتياً؟
عدا هذا، وبمعزل عن أية أحكام قيمة بشأن ما يصدر من شعارات حادة وتصريحات خشنة، عن رموز حركة الاحتجاج، فإن لهذه الحركة «منافع للناس» اليمنيين، أولاها أنها ارتكازاً على تفاصيل (وليس مجردات!) من آثار حرب 1994 الفادحة، أعادت طرح الأسئلة الكبرى (الكلِّيات) بالصيغة التي تساعد على إدارة حوار حقيقي حولها. فإلى «الوحدة الوطنية» المتصدعة بالعنف والقسر والترويع والإرهاب و(أخيراً) بمشروع قانون فاشي، استجلبت إلى الواجهة النقاش حول أبنية المؤسستين العسكرية والأمنية ووظائفهما، وفرضت على الجميع بحث استحقاقات المستقبل، بإجلاء المخاطر المترتبة على اهتراء النسيج الاجتماعي، وتآكل التجانس البشري، وبخاصة إهدار إمكانات التنمية، وتفويت أية فرصة لاستثمار المزايا النسبية لليمن (وهي في اللحظة الراهنة جنوبية في غالبها) في البيئتين الاقليمية والدولية. بل إن الانفكاك من «حالة الدوار» الجغرافي التي تطبع السياسة الخارجية لليمن رهن بالطريقة التي ستُعالج بها آثار حرب 1994.
إلى ذلك، فإن الحركة الاحتجاجية الجنوبية من شأنها في حال حافظت على ملمحها السلمي، أن تشكِّل نقطة قطع في التاريخ اليمني المرصَّع بالحروب الداخلية الدامية والانقلابات العسكرية وحركات التمرد المسلحة.
بكلمة واحدة؛ لا يمكن تصور مخرج لليمن من أزماتها الطاحنة، إلا بتقليل أثر امتيازات الوحدة بالحرب، وتعظيم حضور مزايا المحافظات الجنوبية والشرقية في بنية النظام السياسي ذاته.
 بالتخلص من امتيازات بعض الشمال، والتشبث بمزايا كل الجنوب، يمكن لليمنيين الإمساك بمستقبلهم.
حانت ساعة الاعتراف. وبعد الاعتراف فإن الحظ قد يحالف النخبة الحاكمة ومعارضيها، فيهتدون إلى سبل تجاوز المحنة المقيمة، والخروج بالوطن إلى دولة الحق والمواطنة، إلى المستقبل الذي لا طريق إليه إلا بهذه المحافظات وعبرها.
Samighalib1@hotmail.com
اليمن وألمانيا: لمَ لا يكون الجنوب شرقاً؟ 2 - أشجار وضرائب.. وكلاب - سامي غالب
الأربعاء , 28 نوفمبر 2007 م
طباعة أرسل الخبر
الوحدة هناك حلم صغير وفرصة عمل ونزهة مسائية رفقة كلب ذي ظهر مستقيم، فيما الوحدة هنا «صنم» يستدعي تملقه والتمسح به، وإرضاءه بالأضاحي كل موسم.
الحديث عن الفجوات بين الشرق والغرب الألمانيين يبدأ بالاقتصاد، ويعرِّج على الثقافة، بلوغاً إلى الكلاب.
نعم. الكلاب التي تباينت في السمات والملامح بفعل 4 عقود من التشطير، فصارت أحد ينابيع السجال ما بعد الوحدوي بين الشرقيين والغربيين.
«كلبنا يتمتع بظهر أكثر استقامة، ما يجعله أقل عرضةً لمشاكل الورك التي قد تقضي على سلالته»، قالت البرلينية الشرقية غيرليند شولتز لوكالة أسوشيتد برس.
شولتز التي تعمل في حقل تربية الكلاب منذ20 عاماً، أضافت باعتداد: كلابنا تتمتع بصحة وشخصية أفضل، وكل ما يميِّز الكلاب الغربية المهجنة بإفراط، هو المظهر الحسن».
المظهر الحسن! إنه الاستعلاء الغربي مرة أخرى. يظهر هذا جلياً في تعليق غروبيه، وهو برليني غربي محب لكلاب الشيبرد. قال: كلابنا أجمل. في الشرق لم يكن مسموحاً لها بمغادرة دولتها، أما في الغرب فكان لدينا سوق مفتوحة، وهذا مطلوب للتوالد الناجح».
الكلاب مفخرة قومية ألمانية أخرى، والسجال حول «أيُّها الأفضل» ليس مجرد خلاف بين المربين، بل تنازع على التفوق الخلاَّق بين الشرق والغرب، حسب مراسل الوكالة الامريكية.
***
في هامبورج بدت الكلاب المتأنقة و«المتدلعة» نجوماً سينمائية في ضاحية هوليودية. والحق أنها لاحت مبدعة في مدينة الفنانين والمسرحيين والموسيقيين. كانت تنازعهم مكانتهم.
عند ضفاف البحيرة التي تتوسط المدينة كانت تزاحم البشر. وكان يصعب على أي صحفي عربي أعتاد أن يرى وجوه السياسيين فقط، أن يميِّز الشرقي منها عن الغربي. حتى نورين زميلتنا البحرينية المولعة بهم، اكتفت بالتقاط صور تذكارية معهم كأي معجبة بنجم سينمائي، ولا أظنها تجازف بالحكم أيها أفضل الشرقي أم الغربي، رغم يقينها بأن حكمها لن يُعد تدخلاً في الشؤون الداخلية للوطن الألماني الواحد!.
مخلفات تشطيرية
في 19 نوفمبر1999 سأل مذيع ألماني الرئيس علي عبدالله صالح عن أهم المشاكل التي تواجهها الوحدة اليمنية، وذلك بعدما قدَّم لسؤاله بإشارة إلى أن ألمانيا ذاتها تعاني من مخلفات التشطير. قدَّم الرئيس تهانيه للشعب الالماني بمناسبة احتفالات الوحدة الألمانية، قبل أن يجيب عن السؤال بالقول: مهما كان هناك من صعوبات تعاني منها الوحدة الألمانية أو اليمنية فلن يكون ذلك أسوأ من التشطير الذي كان قائماً... صعوبات التشطير أصعب من مخلفات التشطير والإرث الماركسي والإرث المناطقي». ثم استطرد: الوحدة أكبر وأسمى من أي مخلفات تركها عهد التشطير.
***
المحقق أن مخلفات التشطير ما تزال ماثلة في ألمانيا رغم مرور17 عاماً على وحدتها. الذكرى السنوية لإعادة التوحيد، وإزالة جدار برلين، مناسبة مفضلة لوسائل الاعلام الألمانية ومراكز البحوث لإجراء الاستطلاعات وجلب المعلقين والمؤرخين للحديث عن المصاعب التي تواجه الوحدة الألمانية، بخاصة الفجوة الاقتصادية بين الغرب (صاحب المعجزة الاقتصادية قبل الوحدة)، والشرق.
***
قبل سنوات كاشف المستشار السابق شرودر مؤتمر حزبه الاشتراكي بأن ألمانيا بالكاد بلغت نصف الطريق لإعادة التوازن بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، وقدرها كي تؤمن المساواة أن تستأنف رحلتها الوحدوية. «انتهينا من نصف المسيرة... دعونا ننجز النصف الآخر»، قال شرودر الذي خسر حزبه الانتخابات قبل عامين، وحلت مكانه ميركل كأول شرقية تتبوأ المستشارية في ظل الوحدة المباركة!
 
ردم الفجوات
في العام الأول للوحدة (هناك) كانت حصة المواطن الذي يقطن ولاية غربية من الناتج القومي المحلي تبلغ أكثر من ضعفي شقيقه الشرقي.
في العام الـــ15 للوحدة كانت الفجوة قد ضاقت كثيراً، وبلغت حصة الشرقي نحو 80٪ من حصة الغربي. خلال الفترة ذاتها أنفق الغرب على الشرق نحو 80 مليار يورو سنوياً. أي ما كان يوازي ثلث الناتج القومي المحلي للولايات الشرقية الخمس سنوياً.
ببساطة فإن الألمان يضخون عشرات المليارات من اليورو سنوياً لرفع مستوى المعيشة في الشرق.
حتى نهاية 1994 بلغ حجم الأموال الحكومية المحولة إلى الشرق 640 مليار مارك. وفي العام ذاته كانت الخزينة اليمنية فارغة جراء الحرب.
في عام 1995 تم تحويل 185 مليار مارك إلى الشرق. سنتذاك حققت الولايات الشرقية أعلى معدل نمو اقتصادي في أوروبا 7.3٪. وبدءاً من يناير 1995 فرضت الحكومة ضريبة إضافية على مواطنيها أطلقت عليها ضريبة التضامن مع شرق ألمانيا، وقدرها 7.5٪ من ضريبة الدخل والأجور.
غرت هاملر الألماني الشرقي، وهو المترجم واسع الاطلاع الذي حاضر في الاشتراكية العلمية في عدن في الثمانينات، يدفع، حسبما قال لي، 1٪ من دخله كضريبة تضامن. «إنها ضريبة المواطنة المتساوية»، قال.
 وعندما تحدث الرئيس صالح إلى التلفزيون الألماني عن مخلفات التشطير دون تفصيل، كان الأصدقاء الألمان وفي طليعتهم شرودر يحللون هذه المخلفات إلى أدق التفاصيل، وهم ما يزالون حائرين إزاء معدلات البطالة المرتفعة في الشرق (20٪). وتواجه ميركل ذات التوجه الـــ«تاتشري» انتقادات مستمرة جراء سياساتها التحريرية والضريبية التي لاتساعد علي خفض معدلات البطالة.
***
لا محرمات في ألمانيا. وإذاً لا محظورات في طرح الأسئلة الوحدوية (= الانفصالية). كذلك يتم تفكيك الوحدة (هناك) إلى عناصرها الأولية دون حرج من المساس بـــ«المقدس».
الوحدة على الطراز الألماني ليست حاصل جمع (= ضم) جغرافيتين، بل تركيبة معقدة من شخصيتين اقليميتين: لكل سكانها واقتصادها وعاداتها وسماتها وتطلعاتها ووعودها وألعابها... وكلابها أيضاً.
عاصمة منزوعة السلاح
الثقل التاريخي لبرلين كثيف الحضور في عاصمة الوحدة. فإلى السور، الذي صار جزء منه معروضاً في متحف أفتتح مؤخراً، ودور الأوبرا والمتاحف وبوابة دخول الغزاة ودحرهم، وإلى قصور القياصرة، يوجد البرلمان الذي أعيد تصميمه مع الاحتفاظ بآثار الغابرين، وفيها عبارات نقشها ضباط سوفييت علي الجدران.
 التصميم الجديد للبوند ستاج(البرلمان) أبقى على قاعة التأمل!
لدى الألمان نواب يتأملون ولا يحسنون «البصم» على مشاريع الحكومة وموازناتها واعتماداتها الإضافية وحساباتها الختامية. القاعة مفتوحة للنواب الكاثوليك والبروتستانت. بعض هؤلاء يزورها مطلع الأسبوع لغرض التأمل. وفيها رموز مسيحية وصلبان ومعدات صلب أيضاً. والأخيرة قد تجدي نفعاً في مقر البرلمان (هنا).
ماذا عن النواب المسلمين، أليس من حقهم التأمل؟.
«يوجد 6 نواب أتراك لكنهم لم يجربوا هذا القاعة»، قالت كايتا رايسنر، الموظفه في العلاقات العامة في البوند ستاج. شعرت كايتا بالحرج، وقد اجتهدت من أجل إنقاذ سمعة علمانية ألمانيا، وهي تدلنا على إتجاه القبلة: هناك حيث الدرج. وبنبرة اعتذارية أردفت: «عندما أعيد بناء البوند ستاج لم يكن الصراع بين الحضارات سؤالاً ماثلاً».
أمضينا نهاراً كاملاً في البرلمان. التقينا بنواب ومسؤولي علاقات، تجولنا في ردهاته وممراته. وتناولنا الغداء مع سيغموند إيرمان نائب رئيس اللجنة البرلمانية للثقافة والاعلام. ثم التقينا غيدو هانين مدير الصحافة والاتصالات،41 سنه، وهو صحفي سابق، درس اللاهوت الكاثوليكي (ثلث الألمان كاثوليك)، ودرس تالياً القانون والفلسفة.
إلى الأعمال الروتينية وأهمها صوغ خطابات رئيس البرلمان، يقوم هانين بدور الوسيط بين البرلمان والرأي العام. «نتلقى سنوياً في المتوسط 9 آلاف استفساراً من المواطنين حول أنشطة البرلمان، مهمتنا الرد عليها». أضاف: بعض الأسئلة عجيب، ولا يتصل بأجندة البرلمان أو مواقف الكتل النيابية، بل يتصل بتصميم البوابة وشكل القبة وارتفاعها وحجم العلم الاتحادي الذي يزيِّن سطح المبنى...الخ». تابع: «نرد على أي سؤال حتى وإنْ بدا لكم سخيفاً». ( لعل نوابنا هنا يغبطون المواطنين الألمان، إذ لا أحد يلتفت إلى أسئلتهم الموجهة إلى الوزراء).
ينتخب البرلمان المستشار فقط، وتوصف المانيا بأنها دولة مستشارية. ويجتمع ممثلو الشعب لفترة تقارب 23 أسبوعاً خلال السنة.
في القاعة يخصص لكل كتلة حزبية صفوف متجاورة من المقاعد. وللبرلمان صلاحيات تشريعية واسعة، لكن هذه الصلاحيات لا تشمل الحقوق الأساسية المنصوص عليها في القانون الأساسي (الدستور)، وأهمها احترام كرامة الانسان وحمايتها، وحق الفرد بتنمية شخصيته بحرية، وحرية الاعتقاد الديني، وحرية الصحافة. وتتولى برلمانات الولايات التشريع في مجالات التعليم والاعلام والشرطة والصحة..الخ.
إلى الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، يدير الألمان شؤون مناطقهم من خلال حكم محلي (إدارة ذاتيه) واسع الصلاحيات. وعلى الجملة فإن الألمان ينعمون بـــ«وطن كبير مهاب، ووطن صغير سعيد»، على حد تعبير المفكر الفرنسي الكسيس دو تكفيل.
 
قُبَّة وقِبْلة
التصميم الجديد للبرلمان الذي تم الانتهاء من تنفيذه عام 1999، حوَّل السلطة التشريعية إلى قِبْلَة للمواطنين. على سطح الِقبْلَة قبة ساحرة يرتادها المئات من فئات اجتماعية وعمرية مختلفة، كل مساء. ومن أعلى القبة يمكن للزائر أن يشاهد أبرز معالم برلين.
وإلى القُبة، تُنظِّم المدارس والجامعات زيارات لطلابها إلى قاعة البرلمان وقاعات اللجان ليتشربوا الديمقراطية.
دخلنا القاعة الكبرى بكاميراتنا، نحن الصحفيين العشرة الذين غالباً، ما نُصد عند أبواب الثكنات البرلمانية المزنَّرة بالأسلحة في بلداننا، وإذا سُمِح لنا بالدخول فمنزوعي السلاح: لا يُسمَح لمندوبي الصحافة اليمنية في البرلمان اليمني الدخول بكاميراتهم إلى شرفة الصحافة. ولا يُسمَح للصحفي تصوير قاعة البرلمان نهائياً، ومصدر الصحافة المستقلة والمعارضة الوحيد لصور اجتماعات البرلمان هو المؤسسات الاعلامية الحكومية كوكالة سبأ أو التوجيه المعنوي.
لم نكن وحدنا في القاعة عند الخامسة مساء، إذ لفت انتباهنا وجود المئات من الأطفال والمراهقين والمراهقات، جالسين على الشرفات المخصصة للمواطنين. جاءوا مسلحين بكاميرات تصوير!
 
عاصمة محددة الإقامة
التوصيف الأكثر دلالة لجمهورية المانيا الاتحادية هي أنها دولة مركزية إلى حد كبير تشريعياً ودولة فيدرالية إلى حد كبير تنفيذياً.
الثقل التاريخي للعاصمة برلين الذي يعود إلى القرون الوسطى، لم يمنحها ميزة تفضيلية في المجالات الأخرى. للدقة، هي عاصمة محددة الإقامة، محدودة التأثير. للتمثيل فإن الثقل التجاري والاعلامي والفني يظهر جلياً في هامبورج ثاني مدنية من حيث السكان (1.7 مليون نسمة)، وفيها أهم مرفأ تجاري، وأكبر الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات توزيعاً، وبين هذه المجلات دير شبيجل. ويوجد في هامبورغ (وليس برلين) مكاتب تمثيل للمئات من الشركات الاوروبية والشرق أسيوية والاميركية.
إلى ذلك، فإن هامبورج أجمل المدن الكبرى، أجمل المدن الكبرى فحسب. ومُذ تحمست لهذه المدينة المطرزة بالخضرة (نصف مساحتها مغروس فيما المعمور مطوَّق بالخضرة حيث وقعت عيناك)، فقد اضطر اصدقاؤنا الألمان إلى تصويب الحكم الحماسي الذي اطلقته: هامبورج الأجمل بين المدن الكبرى، وهناك العديد من المدن الصغرى التي تفوقها جمالاً.
إليكم بيانات إضافية: 28٪ من مساحة هامبورج محميات طبيعية، وفيها 120 حديقة، وأكثر من 200 ألف شجرة على ضفاف وجزر الشوارع الرئيسية والفرعية.
***
فرانكفورت هي العاصمة المالية لألمانيا، بالتالي لأوروبا. وفيها المقار الرئيسية لأكبر البنوك في ألمانيا والاتحاد الأوروبي. وفيها المعرض السنوي الأشهر للكتاب في العالم. وفيها المطار الذي أذاع شهرتها في الأرجاء.
«كثيرون من ركاب الطائرات التي تهبط في مطارنا لا يدرون أية متعة يفوتونها لعدم دخولهم مدينتنا»، قالت الحلوة!
دولتشيك كانت المكلفة بتعريفنا على المدينة مساء الخميس 25 أكتوبر الماضي. اسمها إيطالي. وحسب مترجمنا واسع المعارف، فإنه يعني الحلوة.
«المقرات الرئيسية لكل البنوك في المانيا تقع هنا»، تباهت. ثم استطردت: «الأنشطة المالية في فرانكفورت تعود إلى 600 سنة». وكمن يريد سد أية منافذ للتشكيك في روايته، رفعت يدها، وإشارت بإصبعها نحو مبنى فريد: هذا دار البلدية وعمره الآن 500سنة». كنا ساعتها نقف في مركز المدينة.
 جعبة الحلوة ملآي بالأعاجيب لكأنها «جعبة حاو».
«في الحرب الثانية دُمِّرت وأُحرقت كل المباني ونجا دار البلدية والكنيسة»، قالت.
«في مدينتنا ذات التقاليد الليبرالية الراسخة يعيش 650 ألفاً، ربعهم من الأجانب الذين قدموا من 181 دولة. أردفت : «الجو هنا ليبرالي، تعرفون أن المال ليس له وطن».
جعبتها لم تفرغ بعد: لدينا دائرة خاصة بالأقليات. نحن المدينة الوحيدة التي لها دائرة كهذه. عمدتنا إمرأة من الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة ميركل)، ورئيسة برلماننا إمرأة من حزب الخضر».
أشارت إلى بقايا أثرية من العهد الروماني، وقالت : «هنا أقام الملك شارل (فرانك) (القرن التاسع الميلادي)، وإليه تنتسب مدينتنا».
هل ترون برج الكنيسة؟ تأملنا البرج المعمَّر (600 سنة) فيما الصوت البهيج يواصل شدوه: كان الامبراطور ينصَّبُ هنا.
 
شارع الأكل المسرف
قرعت إجراس الكنيسة مؤذنة باكتمال الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي. كان ذلك بمثابة المحفِّز لشهية الأكل عند الزوار ودليلتهم. وهي تقدمتنا باتجاه شارع «الأكل الكثير» أو «الإسراف في الأكل»، كذلك ترجم غرت اسم الشارع.
 أخرجت الدليلة ذات الهوى الإيطالي المتوسطي آخر ما في جعبتها من أعاجيب؛ اختارت مطعماً صاخباً، يديره جزائريون، يؤدون عملهم باستمتاع، ويقابلون زبائنهم بحميمية، لكأنهم أصدقاء.
كان المطعم مزدحماً. الألمان، حسب الدليلة، يحبون ارتياده لأنه مغاير في صخبه وحفاوة أصحابه.
 أكثرنا من الأكل. ومن عجب فإن مرافقينا الألمان، المنظمين جيداً، أكلوا حد التخمة، مايفيد بأن لكل ألماني يرتاد مطعماً عربياً في فرانكفورت من اسم شارعه نصيب!
اليمن وألمانيا: لمَ لا يكون الجنوب شرقاً؟ 1 - جندرمه ومرسيدس وشوكولاتا - سامي غالب
الأربعاء , 21 نوفمبر 2007 م
طباعة أرسل الخبر
ما يزال كارل ماركس حاضراً في برلين عاصمة ألمانيا الاتحادية، لكن لا علامات ظاهرة على وجود ستالين، الزعيم السوفيتي الذي أوقف التوسع الألماني (النازي) عند مشارف موسكو، وزحفت قواته إلى برلين لتشارك مع قوات الحلفاء في اجتثاث النازية من معقلها في قلب أوروبا، قبل أن تجثم 5 عقود في الجزء الشرقي منها.
في الساعتين اليتيمتين اللتين خصصتا لصحفيين عرب مشاركين في برنامج مكتظ (21-26 أكتوبر الماضي) للتجول في العاصمة، مررنا في شارع كارل ماركس. كان أول شارع أعيد بناؤه بعد الحرب الثانية، آخذاً اسم ستالين.
لم يصمد ستالين طويلاً، فبعد أقل من عقدين على الحرب، وتماشياً مع المركز في موسكو حيث يقود خروتشوف حملة تطهير من الستالينية، قرَّر الالمان الشرقيون اطلاق اسم كارل ماركس على الشارع.
غير بعيد من كارل ماركس، يقع المركز الرئيسي لــ«سوني» في أوروبا، وهو أحد أبرز معالم برلين. ثم أشار الدليل إلى أحد المتاجر على الضفة اليمني من الطريق، وقال متفاخراً بأحد رموز ألمانيا الموحدة: هنا يوجد أشهر متجر شوكولاتا في برلين، حيث بوسعكم تناول 284 صنفاً من الشوكولاته. وفي قلب برلين تشهق كاتدرائية صممت على النمط الايطالي في عهد فريدريك الثاني الذي أرسل مهندسه المعماري إلى روما، مركز الكاثوليكية، لاتقان النمط الايطالي في تشييد الكنائس. بالقرب من الكاتدرائية توجد كنيسة لوثرية بناها البروتستانت الفرنسيون الذين فروا إلى برلين في القرن الــــ 17. تقع الكنيسة في ميدان جان درمه. «جانه درمة؟»، أوضح الدليل السياحي للضيوف الذين يعرفون الجندرمة جيداً(!)، بأن الفرنسيين هم الذين أطلقوا الاسم على الميدان. والكلمة بالفرنسية تعني الرجال المسلحون أو «رجال السلاح». وقد علَّق المترجم الذي يتقن العربية جيداً، بأن الفرنسيين ربما نقلوا الكلمة من أصدقائهم الأتراك في تلك الحقبة الدموية.
***
الأتراك أصدقاء ألمانيا في الوقت الراهن. وفي برلين توجد «استانبول الصغرى». كذلك يسمي الألمان الحي الذي يفيض بالاتراك، ونسبة كبيرة من هؤلاء أكراد، وهم قدموا إلى ألمانيا لأسباب محض اقتصادية خلال عقود ما بعد الحرب الثانية، وما يزالون يفدون إليها. والجيل الحالي من الأتراك فاعل و لديه 3 نواب في البرلمان.
التاريخ يطرَّز برلين من دون أن يثقلها. تهتدي به من دون أن يأسرها. تاريخها «معالم على الطريق» من دون تكفير أو هجرة. وعلى الطريق من جزئها الشرقي إلى الغربي يظهر ما تبقى من جدارها الشهير على الإسفلت في شكل سلسلة نقاط بيضاء متقطعة، لكأنها محض علامات مرورية.
من الباص حدَّق عشرة عرب في الاسفلت لخزن آثار أشهر جدار فصل بين جزئي أوروبا في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، فيما هم يستدعون جدراناً ترتفع على حدودهم وداخل مدنهم في غير مكان.
 لا علامات على حضور عربي في قلب القارة العجوز، اللهم إلاّ محطة القطار القديمة، قطار الشرق السريع: نقطة انطلاق البضائع والمبعوثين والجواسيس والمستشرقين والمغامرين إلى بلاد الشرق في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
لم يكن أي منا، نحن الصحفيين والصحفيات العشرة المبشرين بالعودة إلى الجحيم، سورياً أو عراقياً، كيما يستقل قطار الشرق السريع غادياً إلى دمشق أو بغداد. بقينا لصق مقاعدنا في الباص الذي خصص للمنتخب الياباني في كاس العالم العام الماضي 2006.
كان علينا أن نعاتب الأصدقاء الألمان، لأنهم لم يخصصوا لنا الباص الذي استخدمه المنتخب الأيطالي (بطل العالم) بدلاً من باص المنتخب الذي غادر البطولة في الدور الأول!
جدير بي أن أصارحكم، فعلى مدى الأيام الست التي أمضيتها في ألمانيا متنقلاً بين ثلاث من كبريات مدنها، وداخل هده المدن، لم تسنح لي قط فرصة ركوب سيارة مرسيدس. في بلدٍ يستقطر كل ذرة من أرضة وثمرة من أعنابه وخلية من أدمغة مواطنيه، طلباً للرفاه، في بلدٍ الاستثمار لا التكديس، لا مجال للعبث بالمال العام، وإذاً لا سيارات مرسيدس في خدمة ضيوف ألمانيا. استطراداً، لا تكاد ترى سيارات فارهة تتبختر في الشوارع.
والحاصل أن ألمانيا الدولة المصدرة رقم 1 في العالم، تحسن تسويق منتجاتها، وحسب أرقام 2004، فإن صادرات مرسيدس وحدها قُدرت بــــ142 مليار يورو! (أنا أيضاً لا أصدق).
***
تابعنا الجولة المسائية القصيرة بعد 3 أيام مضنية أمضيناها في حلقات نقاش وزيارات ميدانية إلى البرلمان والخارجية ومؤسسات إعلامية. وقد مررنا «تحت ظلال الزيزفون»: الشارع الذي كان يعبره ملك بروسيا عند خروجه من مقره لممارسة هواية الصيد خارج المدينة. وبلغنا بوابة النصر التي بنيت أواخر القرن الثامن عشر، ومنها خرج الجيش الفرنسي مدحوراً، على يد الجيش البروسي.
بروسيا؟ لم يبق من الاسم المتخم بالدلالات سوى الِعبَر. أمَّا بسمارك موحِّد ألمانيا في القرن الـــ19، بسمارك الذي ألهم القوميين العرب على امتداد القرن العشرين، فإنه لا يحضر كثيراً في ألمانيا، وكذلك بروسيا التي لم تعد حاضرة في السجلات الرسمية، لأن اسمها محمل بالدلالات السلبية كالنزعة التوسعية والمركزية والعسكرية.
عند بوابة النصر كان على «نايلة» أن تبتهج. فالصحفية الفلسطينية الناقمة على السياسات الاميركية وجدت أخيراً حلفاء حقيقيين في أوروبا. كان نفر قليل من المتظاهرين يقفون بالقرب من البوابة حاملين لافتات وملصقات منددة بالرئيس بوش الإبن وبالحرب على العراق.
انفكَّت نايلة من الدائرة العربية، وهرعت باتجاه مناهضي الحرب الأوروبيين، لتعبرِّ لهم عن امتنانها. كان «الشال» الفلسطيني مبعث فخار لها، وهي وقفت بعد يومين فقط أمام متجر ملابس في مركز العاصمة المالية لألمانيا فرانكفورت، لنلتقط صوراً لها. لكن بهجتها بالوجود الرمزي الفلسطيني لم تطل، فالشال لم يكن سوى صرعة (موضة) تستهوي المراهقين والمراهقات الألمان، ففي «اليوم التالي» كانت تشتبك في سجال حاد مع كريستيان روسلر - هانس المحرر السياسي في جريدة «فرانكفورتر الغمانيه زايتونج» إحدى كبريات الصحف اليومية. تحدث المسؤول في الصحيفة من دون أن يتفذلك شارحاً لنا السياسة التحريرية لصحيفته تجاه قضايا الشرق الأوسط، وبخاصة الصراع العربي الاسرائيلي. وهو أشار إلى وجود مراسلين للصحيفة في اسرائيل وتركيا فقط. هذان المراسلان يتوليان أيضاً تغطية القضايا في الدول الأخرى حين اللزوم.
سُئِل عمَّا إذا كانت تغطية الشأن الفلسطيني والعربي من قلب العدو الوجودي لــــ«نايلة» منصفاً، فأجاب من دون مواربة: نعم، ففي اسرائيل يمكن للصحفي أن يتحرك بحرية، وهناك حيوية سياسية لأن اسرائيل من وجهة نظري الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
لم تتحمل «نايلة» مفرداته اليقينية، هي التي كابدت كثيراً قبل أيام في الحواجز الاسرائيلة داخل الضفة الغربية وصولاً إلى عمان محطة سفرها جواً إلى برلين. احتدت وهي تشرح عنصرية اسرائيل، وهمجية الجدار العازل: جدار القرن الحادي والعشرين الذي يذكِّر أنصار القضية الفلسطينية بسلفه جدار برلين. القضية الفلسطينية وجدت في مقر الصحيفة الألمانية مناصرين لها، من أقصى المشرق وأقصى الجنوب: موريتانيا واليمن. لكن الصحفي الألماني كان قد أعد نفسه جيداً للقاء صحفيين عرب. وهو قال إن انحياز صحيفته لاسرائيل لا ينطلق فقط من عقدة تاريخية (يقصد الهولوكوست)، ولكن أيضاً بسبب الإرهاب الفلسطيني والعمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين. (يمكن عزو الانحياز إلى تضافر عقدتين: «الهولوكوست» و«الإرهاب».
لم يكن الغرض من اللقاء إجراء منازلة حاسمة تقرِّر مسار الصراع الممتد في فلسطين بين المستوطنين والسكان الأصليين. وقد سُئل المضيف الصريح عن درجة اهتمام الصحيفة بالتحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط وتطلعات شعوب المنطقة، على اعتبار أن من الظلم اختزال المنطقة في تغطية أحادية للصراعات الملتهبة في فلسطين والعراق.
 كان لديه ما يفاخر به: نشرنا تقريراً عن منع السعوديات من قيادة السيارات، وآخر عن القات في اليمن. وكان على اليمني الوحيد في المكان أن يتجاهل عدسات اشقائه العرب التي تركزت عليه لالتقاط ردة فعله على الكرم الألماني.
***
إلى القات الذي وعدت منسق الفريق، الصحفي الحر ويليام بولوس، بجلسة شرقية باهرة في صنعاء القديمة التي سمع عنها، يحضر الاختطاف. ومعلوم أن النصيب الألماني من ظاهرة الاختطاف في اليمن كان وافراً. وقد أسهب مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية الألمانية الذي لم يزر اليمن قط، غزلاً في اليمن، متكئاً على شهادات أصدقائه الذين عملوا فيها، وبينهم سفراء سابقون.
عدا ذلك يطرح الألمان سؤال الوحدة على طريقتهم. وفي حفل استقبال الصحفيين العرب في اليوم الأول لوصولهم، تدخلت الأقدار الوحدوية، فخُصص لليمني مكان بين إثنين: ميشائيل غراو رئيس شعبة العلاقات الثقافية والاعلامية مع بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الألمانية وغيرت هاملر المترجم الألماني. والأخير يعرف اليمن جيداً، وسبق أن عمل أستاذاً زائراً في جامعة عدن قبل الوحدة، علاوة على زيارات أخرى إلى صنعاء وتعز وحضرموت كمترجم لوفود سياسية واقتصادية. وهو ذكرني بعرض الرئيس صالح الشهير غداة الوحدة اليمنية بتزويد «أصدقائنا الألمان» بخبراء يمنيين للمساعدة في تأسيس الدولة الألمانية الجديدة.
توحد اليمن في 22 مايو 1990. بعد 5 أشهر توحد الألمان. وقد صدر العرض الرئاسي اليمني في لحظة رومانسية (خاطفة)، كانت مطبوعة بالفخار اليمني بإنجاز وحدة سلمية بين اليمنيين. والآن فإن اليمنيين غارقون في ضرب من «الواقعية السفلية»، حيث الغرائز طالعة من كل مافي تاريخنا من فظاعات.
ابتسمت فيما يشبه الاحتواء المزدوج لكل من المترجم والدبلوماسي. لكن الاحتواء المزدوج سياسة ثبت فشلها في غير منطقة. وقد ابتدرني الدبلوماسي (هذه المرة) سائلاً عن إمكان انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي. أجبت باقتضاب: أمر مستبعد في ظرف السنوات القليلة القادمة.
***
قبل توسل الانضمام إلى المجلس الخليجي يحتاج الوحدويون اليمنيون (أصحاب عروض تزويد الألمان بالخبرة، ومعارضيهم) إلى التدثر بالتواضع أولاً، ثم التفكير جدياً باستقدام خبراء ألمان يساعدونهم في تقويض جدران التشطير النفسي والثقافي والاجتماعي التي قامت بعد 22 مايو 1990، وتعالت بعد حرب 1994. وربما توجب أن يكون الدرس الأول مكرساً لــــ«فن تفادي كوارث الماضي».
شيوخ على رأس هرم فتي.. (ملف خاص عن المؤتمر الرابع للإصلاح)
الأربعاء , 28 فبراير 2007 م
طباعة أرسل الخبر
يُعد الهرم التنظيمي للتجمع اليمني للإصلاح فتياً في البعد العمري. ما يزال الاصلاح الحركة السياسية الأقدر على جذب الشباب إلى عضويته. وهو حافظ منذ الثمانينات على حضور قوي ومستمر وسط فئة الطلاب. ولعله من حيث العضوية الأقرب إلى الهرم السكاني لليمنيين.
حسناً فإن هذه الميزة النسبية التي تثير غبطة أنصار الإصلاح وأغلب حلفائه في اللقاءالمشترك، تغيب من الحسابات المعقدة لقادة الإصلاح.
مسح سريع لأعمار أبرز القيادات التي أفرزها المؤتمر الرابع يقدم الإصلاح كحركة شاخت، خلاف الواقع.
- رئيس الإصلاح، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر 73 سنة.
- نائب الرئيس، محمد اليدومي 60.
- رئيس مجلس الشورى، محمد علي عجلان 61.
- النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، غالب القرشي 60.
- سليمان الأهدل، رئيس الهيئة القضائية 64.
- عبدالوهاب الآنسي، الأمين العام 63.

***

توزيع طبيعي خليق بحزب محكم التنظيم
-  سامي غالب
أخذ توزيع الأصوات داخل مجلس الشورى الجديد لأكبر أحزاب المعارضة اليمنية، شكل التوزيع الطبيعي المتطاول، حيث اتجاهات التصويت لدى أعضاء المؤتمر تمثِّل قدراً معتبراً من الانسجام، وإلا فإنه الانضباط الذي أملى على الأعضاء اعتماد صيغة مقررة سلفاً.
حاز الناخب حميد الأحمر على 3419 صوتاً (من أصل 3552صوتاً) فتصدر قائمة الفائزين بعضوية المجلس. فيما حصد آخر الفائزين النائب منصور عزيز الزنداني استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء 1728 صوتاً (نصف أصوات المتصدر). وداخل القائمة تدرجت أصوات الـ128 عضواً بطريقة اعتيادية لا تخلو من رتابة، حيث يحل في المنتصف (المرتبة 65) عبدالله قشوة بـ2707 أصوات.
إلى نتيجة حميد الأحمر بدلالاتها الداخلية (الحزبية) والخارجية (السياسية)، لا يستلفت الإنتباه في الأعضاء الثلاثين الذين حلوا بعده، إلا 3 أسماء، هي: أمة السلام علي رجاء رئيسة المكتب النسوي في الإصلاح (المرتبة 10)، ومحمد ناجي علاو، المحامي والناشط الحقوقي المعروف (المرتبة 12)، وسعيد ثابت سعيد وكيل أول نقابة الصحفيين (المرتبة 29).
تضم قائمة المجلس (اللجنة المركزية) 13 امرأة، وتوجد 5 نساء في قائمة الاحتياط التي تضم 20 إسماً. فقد تصدرت قائمة الاحتياط توكل عبدالسلام كرمان رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود وأبنة أحد أبرز مؤسسي الاخوان (1390 صوتاً)، وهويدا عباس همت الناشطة الاصلاحية العدنية (المرتبة 139)، ونسيبة ياسين عبدالعزيز كريمة المراقب السابق (وربما الحالي) للإخوان المسلمين في اليمن (المرتبة 142)، ونجاة عبدالرحمن البنا رئيسه القطاع النسوي في العاصمة (148)، وخديجة عبدالملك داود (150). وقد يتعين على هؤلاء الخمس البدء بالاهتمام بالتواريخ الصحية للذكور المسنين المقيمين داخل قائمة الفائزين.
لا تبدو المرتبة 132 مريحة للشيخ عبدالرحمن الخميسي (المدرس في جامعة الإيمان) صاحب الموقف غير المؤيد لإقحام «القوارير» في الشأن العام، وبات مطوقاً الآن بأسمائهن من كل الجهات.
قائمة الاحتياط تضم أيضاً محمد أحمد الأفندي استاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء ووزير التجارة الأسبق ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية (المرتبة 134)، وهزاع المسوري عضو مجلس النواب والخطيب الشهير في العاصمة، وفؤاد دحابة عضو مجلس النواب، وجمال محمد أنعم مدير تحرير «الصحوة» سابقاً، وأبرز كتابها حالياً.
وكما أي حزب عقائدي خبر العمل السري طويلاً قبل أن يخرج إلى نور العلنية، واصل الإصلاح تكيفه المحسوب بدقة مع متطلبات الحركة في ظل نظام سياسي يقوم على التعددية الحزبية. والحاصل أن البيئة السياسية التي ينشط فيها الإصلاح لا تساعده على التخفف من حمولات السرية.
وللدقة، فإن البيئة المحفوفة بالخطر تكرِّس سلطة «الأوليجارشية» (الأقلية المهيمنة على القرار والمحتكرة للمعلومات والحارسة لوحدة التنظيم وسلامته) بقدر ما تفتك بدعوات التجديد وتلزم أصحابها البقاء في الظل.
أثر البيئة يتلاقى مع سطوة «المصطفين» المستوين على السدة، السطوة التي تستزيد من ثقافة سياسية داخلية تعتمد الولاء والتوقير والأسبقية في تقرير المراتب والمقامات.
كذلك تجري الأمور بدقة وسلاسة في الدورات الانتخابية، آخذة شكل العلاقة الطردية بين الهرم التنظيمي للجماعة والهامش المتروك لخيارات الأعضاء المخلصين. يضيق الهامش كلما اقتربت العملية الانتخابية من قمة الهرم. وعند مشارف القمة لا يعود هناك هامش، إذ لا مجال للعب أو الرهان على الحظوظ، لتأخذ عملية توزيع المقاعد طابع التزكية حتى وإن تطوع أحدٌ لدواع فنية وبوازع من التضحية في سبيل الجماعة، فرشح نفسه في مواجهة «أخ» تقرر سلفاً نجاحه.
هذه لعبة معروفة في الجماعات العقائدية، إسلامية وعلمانية. وقد كانت قواعد اللعبة حاضرة لدى أغلبية ساحقة من أعضاء مؤتمر الاصلاح الرابع، يؤشر عليها ذلك الزهد المعمم داخل القاعة. إذ من أصل 4000 مشارك، لم يتقدم للترشح إلى مجلس الشورى سوى 192 عضواً تنافسوا على شغل 130 مقعداً.
عكس الزهد (أو الانصياع) نفسه في عدم تشتت الأصوات. فآخر الفائزين حصد 1728 صوتاً مبتعداً بنحو 400 صوت عن أول الخاسرين.
وعلى الجملة فإن التجمع اليمني للإصلاح بما هو الفصيل الذي يتحمل عبء ضخ الحيوية في العملية السياسية في اليمن، كشف في مؤتمره العام عن قدرة تنظيمية فائقة، وأبان عن مركزية مؤسسيه وبنائيه وحارسيه الذين حافظوا، طيلة عقود، خلاف أشباههم في الأحزاب الأخرى، على منسوب اعتراف قاعدتهم الحزبية بجدارتهم القيادية. إنه انجاز يثير الإعجاب أولاً، بقدر ما يبعث على الإشفاق تالياً.
***
بيان في حجم عائلي يرضي كل الأذواق
- سامي غالب

خرج البيان الختامي لمؤتمر الاصلاح على صورة المشهد الافتتاحي في قاعة أبولو. جملة من التسويات والاسترضاءات والتطمينات احتواها البيان الذي صاغته أرواح ممسوسة بخطر التشرذم، لكأنها خرجت تواً من ثنايا كلمة الشيخ ياسين عبدالعزيز في جلسة الافتتاح، الذي أحسن من موقعه المرجعي مخاطبة جمهور داخلي يتوزع على تيارات تلتزم مبدأ حسن الجوار تحت مظلة التجمع.
بعد مقدمة تعبوية متطاولة البنيان، قصدت إجلاء الجوهر العقيدي للتجمع، يرد بند في المحور التنظيمي من البيان يوصي فيه المؤتمر العام جهة ما، لم يسمِّها (وربما المستهدف جميع الأعضاء) بإعطاء اهتمام أكبر «للجوانب الايمانية والتربوية، وتوثيق الصلة بالله في الصف والمجتمع».
المؤتمر أوصى في بند سابق باستمرار اللقاءات التي تجمع القيادات بقواعد الاصلاح «والنزول الميداني للإسهام في تنمية الوعي السياسي وتفعيل العمل الاجتماعي». وفي بندٍ لاحق «ببذل جهد أكبر في التوعية التنظيمية والسياسية ونشر وتوزيع أدبيات الاصلاح على جميع أعضاء الاصلاح ومناصريه». ثم لا يفوت المؤتمر (الذي تعبِّر عنه لجنة الصياغة كما في أي تنظيم سياسي عقائدي) أن يقدر عالياً قيادات الإصلاح في الفترة الماضية، آملاً «أن يستمر عطاؤهم في المواقع الجديدة التي ستوكل إليهم»، ما يفيد بأن الصفة القيادية محصنة من فعل قانون الزمن أو من مترتبات تبدل المواقع في حزب اعتيادي.
على أن الحفاظ على روح الجماعة ووحدتها يقتضي استحياء مطالب من حقبتها الرومنسية، كما في البند 5 في محور الإعلام، الذي يؤكد على ضرورة ترشيد ما يعرض في القناة الفضائية اليمنية «ووضع حد لكل ما يتعارض مع قيم الانتماء الإخلاقي لليمن واليمنيين».
وبفقرات صريحة الدلالات، عبَّر المؤتمر عن تضامنه مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني في مواجهة وزارة الخزانة الأمريكية وتهمها الباطلة له بتمويل الإرهاب، التي تستهدف «أحد رجالات العلم والدعوة بهدف تحجيم دور العلماء ومنعهم من الصدع بكلمة الحق». وإذ يؤكد على قيادة الإصلاح استمرار جهودها في مؤازرته (لكأن القيادة لم تتغير!) يدعو الحكومة إلى «العمل الجاد والمعلن من أجل شطب اسمه من قائمة مجلس الأمن».
النص أعلاه يسترضي الشيخ عبدالمجيد ومحبيه إذ يحمل في طيه نقداً لتراخي قيادة الإصلاح في الذود عنه، بقدر ما يتصدى بقوة لمحاولات حكومية للعب ورقة مجلس الأمن لإثارة الشقاق داخل الإصلاح.
يقع البيان الختامي في نحو 7000 كلمة، ما يعني إمكان إرضاء كل الأذواق. والأكيد أن لجنة الصياغة برعت في القفز على الأشراك، كما في محور المرأة، فبعد مقدمة تعرِّض بالسياسات الخاطئة في إدارة البلاد (فيما يتصل بالمرأة) والموروث من العادات والتقاليد التي لا تنسجم مع مبادئ الاسلام الحنيف، وبعد توصيات اجتماعية وتعليمية وتوعوية، يؤكد البيان على توسيع مشاركة المرأة في اتخاذ القرار السياسي داخل هيئات ومؤسسات الاصلاح. ثم يشدِّد على ضرورة «تمكين المرأة من ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية»، مطالباً الدولة بالقيام بتهيئة الأجواء والمناخات المناسبة التي تشجع المرأة على ذلك.
طبق قراءة «إصلاحي» للبيان، فإن عبارة «تمكين المرأة من ممارسة حقوقها السياسية»، تفيد حقها في الترشح للهيئات العامة في الدولة. هذا فتحٌ مبين تعززه دعوة البيان -في موضع آخر- اعضاء الاصلاح وأنصارهم وحلفائهم لأنْ يكونوا في طليعة المدافعين عن الحقوق والحريات التي أعلتها الشريعة الاسلامية وكفلها الدستور والمواثيق الدولية. ثم تثمين البيان للاتفاق بشأن الاصلاح الانتخابي الذي رعاه الاتحاد الأوروبي، وفيه فقرة تؤكد على مشاركة المرأة اليمنية. وإذاً، فإن البيان ترجم موقف الأغلبية الكاسحة في المؤتمر، المؤيدة لمشاركة المرأة، بهدوء ومن دون استفزاز الأقلية.
البيان الختامي للاصلاح، إلى ذلك، مدهش في شموليته وعصريته في عديد من المحاور. فقد اهتم بمعاناة اللاجئين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والبيئة. وفصَّل في موضوع إصلاح النظام الاعلامي وتحسين بيئة عمل الصحفيين، ما يظهر بصمة الزميل سعيد ثابت عضو لجنة الصياغة (وكيل أول نقابة الصحفيين).
وتوسعت لجنة الصياغة في محور التعليم حيث الضرر الواقع على ناشطي اللقاء المشترك، وبخاصة الاصلاحيون، الذين دفعوا ضريبة فادحة جراء اختياراتهم السياسية.
وعلى النقيض من مألوف العادة فيما يخص المحور التعليمي في خطاب الاصلاحيين في حقبة ما قبل المشترك، حرص البيان على اعتماد لغة هادئة بشأن المناهج التعليمية راعى فيها الوحدة الوطنية.
كذلك استفادت لجنة الصياغة من بيان اللقاء المشترك حيال أحداث صعدة، حيث تسامى البيان على الخوض في الصراع المذهبي، متكئاً في مواضع أخرى على أخطاره على الأمتين العربية والاسلامية، كما هو الحال في العراق ولبنان.
على أن لجنة الصياغة اعتمدت خطاباً تبسيطياً يشبع مشاعر الحنين لدى اسلاميي اليمن، عند التطرق إلى الشيشان والافغان والسودان والصومال. وهو إشباع لا يرتب على «الإصلاح» أية التزامات مادية.
وخلافاً للمقدمة المغمَّسة باليقينيات والحماسيات يتراءى «الاصلاح» في المحور الاقتصادي، حزباً ليبرالياً شديد التكيف مع متطلبات العولمة ومطالب المنظمات الدولية.إذ ينحاز البيان إلى القطاع الخاص، مطالباً بمعاملة متساوية وتكافؤ فرص وشفافية في اجراءات ومنح الامتيازات والأراضي والحقوق الاستثمارية والاقتصادية. كما يشدِّد على منع التمييز بين أفراد القطاع الخاص، ومنع الابتزاز السياسي لهم الذي يؤثر سلباً على الاستثمار، وإشراك القطاع الخاص في صنع السياسات الاقتصادية المؤثرة في اتجاه الاستثمار والتنمية.

***
"الإصلاح" يوسع مساحة الافتراق عن السلطة

- محمد الغباري
شكلت التغييرات التي أدخلت على المواقع القيادية في التجمع اليمني للإصلاح، رغم محدوديتها، رسالة تطمين واضحة الاهداف لشركاء الحزب في اللقاء المشترك بعد أن احتفظت معظم القيادات الداعمة لتعزيز تجربته بالمواقع البارزة في التجمع، وتكايد نتائج انتخابات مجلس الشورى على تحجيم نفوذ العناصر التي عرف عنها الميول للتعايش مع السلطة او الحنين لتجربة التحالف الطويلة التي جمعت الاصلاح بالرئيس علي عبد الله صالح.
النتائج التي خرج بها أربعة آلاف مندوب وحتى مساء الاثنين بقدر ما أنها جاءت متوافقة وما كان متوقعاً، إلا أنها عكست مخاوف داخلية متجذرة في التجمع المحمل بموروث القمع الذي عاشته حركة الاخوان المسلمون من أي تغيير غير محسوب العواقب قد يوجد مبررا للسلطات لضرب بنيته الداخلية خصوصا بعد أن أضحى هذا الحزب واحداً من الأحزاب الإسلامية القليلة في المنطقة التي كسرت خشية الداخل ومخاوف الخارج من مشاركتها في الحياة السياسية.
وإذا تأكد مغادرة الداعية المعروف عبد المجيد الزنداني رئاسة مجلس شورى الحزب فإن شخصية من سيخلفه في الموقع وشخصية الامين العام والامين المساعد هو ما من سيؤكد الوجهة التي اختارت قيادة التجمع أن تذهب إليها.
وفي حال تحقق الاتجاه نحو اختيار قيادات داعمة لتجربة اللقاء المشترك فإن باستطاعة ذلك تعزيز التحالف القائم اليوم مع شركاء ساءهم موقف الاحمر والزنداني أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كما انها تحمل رسالة تطمين اخرى للولايات المتحدة والغرب على جدية نهج الاعتدال الذي بشر به الحزب منذ ما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر.
ومع الاقرار بأن التمديد للأحمر قد شكل هزيمة لدعاة التغيير والمطالبين بتحديد فترة تولي المواقع الهامة في الدولة والأحزاب، على اعتبار أن هذا الإجراء قد يبرر للسلطة القيام بإجراء مشابه يقود إلى تمديد فترة بقاء الرئيس صالح في موقعه، إلا أن المرحلية في إبعاد حلفاء الرئيس اعتبرت تأكيدا للناخبين على أن الحزب يواصل نهج التخلص من أعباء التحالف مع الرئيس وانه يعد العدة ليكون بديلا للسلطة لا تابع لها.
 ومع أن الشيخ الأحمر انضم للحملة الانتخابية للرئيس صالح وتم اعادة انتخابه بالمخالفة لنصوص اللوائح الداخلية للحزب. إلا أن قياديين في الحزب يردون هذا الأمر إلى ما قالوا إنها اعتبارات اجتماعية بحتة لأن رئاسة الحزب الفعلية ستكون في يد نائبه ولأنه لا يمثل تياراً في التجمع خلافاً للزنداني المدعوم من المجاميع السلفية داخل الحزب وخارجه.
 وإذ بدا واضحا أن الرئيس صالح كان يفضل بقاء الزنداني في موقعه كقيادي داخل الإصلاح لأن مواقفه غير المؤيدة للتقارب الحاصل مع الاشتراكي والناصري واتحاد القوى الشعبية وهو عادة ما يثير حفيظة المعارضة إلا أنه وعلى الجانب الآخر كان الرجل يتمنى إبعاد اليدومي و الآنسي بسبب مواقفهما المعارضة بشدة لأداء الحزب الحاكم ولتحمسهما الشديد لتجربة اللقاء المشترك.
وكان لافتاً أنه وخلال الجلسة المخصصة لانتخاب قيادة جديدة للحزب تسرب منشور الى قاعة المؤتمر يدعو لإسقاط الرجلين بعد أن اتهمها بتسخير الحزب لمصالحهما الشخصية. وهو منشور اتهم جهاز الأمن السياسي بتبنيه بهدف خلق انقسام في صفوف المؤتمرين. وقد بدا ضيق اليدومي بما صدر حين أمسك بميكرفون القاعة مخاطباً الحضور بلغة حادة قال فيها: "نحن لا نخاف. لقد قلناها للسّلال والإرياني وقلناها للحمدي صراحة وقلناها لعلي عبد الله صالح شفافة.
على أن نتائج انتخاب مجلس الشورى قد أظهرت ان تيار الزنداني قد مني بهزيمة كبيرة حيث وصلت اثنتا عشرة امراة إلى عضوية المجلس، خلافاً للموقف المتشدد الذي أعلنه الزنداني خارج القاعة ورفيقه في ذات الموقف محمد الصادق الذي رد بعنف على مقترح بصدور قرار يبيح للمرأة حق الترشح في الأنتخابات النيابية والمحلية، وقال في مداخلة داخل قاعة المؤتمر: "ان مكان المرأة بيتها ويجب ألا تخرج منه" وأبدى استياءه مما قال انه "التساهل" الذي يبديه الإصلاح في هذا الجانب. وانتقد مشاركة كم كبير من النساء كمندوبات إلى المؤتمر العام كما احتج على تضمين البرنامج الاحتفالي مقطوعات إنشادية ووصفها "بالمخالفة الشرعية لاحتوائها على أدوات موسيقية محرمة ".
كلام الصادق الذي عرف بمعارضته مشاركة المرأة وعملها أغضب القطاع النسائي، إذ ردت عليه إحدى المندوبات بوجوب مشاركة المرأة في مختلف مفاصل الحياة. وما أن انتهت من حديثها حتى ضجت القاعة بالتصفيق والتكبير وهو أمر استهجنه عبدالرحمن الخميسي الذي اعتبر التصفيق والتكبير "عدم رضا عن رأى الصادق وتأييداً لما ذكرته المتحدثة".
وفي واقع يعكس حالة الانتصار الذي بات يشكله التيار الذي يقوده اليدومي فقد صبت معظم ملاحظات الاعضاء على التقرير باتجاه نقد الشيخ الاحمر والزنداني بسبب مواقفهما من الانتخابات الرئاسية والمطالبة بمحاسبتهما على تلك المواقف.
***
30 وجها جديدا أغلبهم من رموز النخبة الحاكمة، والاحتياجات المسبقة
تتحكم في قوائم التنافس، وتذكر بيمنية الاصلاح..
 الإصلاح.. قاعدة شابة وقيادة متجانسة.. ترتيب قوة التنظيم للنضال بعد هزيمة الانتخابات المحلية
- نبيل الصوفي
أظهرت نتائج المؤتمر العام الرابع للتجمع اليمني للإصلاح توجهاً إصلاحياً للعودة لمناطق القوة التنظيمية التي خرج بها للعلنية في 1990م، والتي تأثرت بعوامل عدة انتجت فشلاً إصلاحياً ذريعاً في آخر انتخابات محلية خاضها التنظيم.
التعديلات التي خرجت بها قيادة الإصلاح من المؤتمر، نقلت رجل التنظيم القوي "محمد اليدومي" إلى الهيئة العليا، بعد أن أفسح له المجال "أستاذه" كما يصفه هو، ياسين عبدالعزيز الذي يمثل وجهة نظر مناقضة لرفيقه عبدالمجيد الزنداني. يحافظ "الأستاذ" ياسين على قناعته بالرؤية الإخوانية التي تفضل "قوة تنظيمية خاصة" على "نشاط جماهيري واسع" التي يتبناها "الشيخ" الزنداني.
انتقال اليدومي للهيئة العليا، لتقوية الحضور التنظيمي في المكتب السياسي الإصلاحي، مهد له بمقايضة أقصت الشيخ والأستاذ هذه المرة، خلافا لذهاب الزنداني وحده كما حدث أوائل الثمانينات، حيث حل ياسين حينها، بدلا عن الزنداني الذي تحول للعمل العام عبر هيئة الإعجاز العلمي في المملكة العربية السعودية، ولم يعد إلى اليمن إلا بعد قيام الوحدة.
وتواصلت ذات التغييرات، إلى مختلف الهيئات.
لمجلس الشورى، انتخب المؤتمر العام 130 عضوا، 100 منهم ضمتهم قائمة متعارف على توزيعها كل دورة انتخابية، وفقا لاتفاق مسبق بين القيادات الإصلاحية بمختلف توجهاتها وبحسب رؤيتها لمستقبل التنظيم واحتياجاته، وتوسعه الجغرافي، والتي توكل لرئاسة المؤتمر تمريرها ديمقراطيا بين الموثوقين من الـ4000 عضو. فيما ترك للحرية 30عضواًً.
(اقرأ القوائم الأربع لمجلس شورى الإصلاح).
ومع أن ذلك لا رابط بينه وبين التجديد، إذ ضمت المائة المقترحة من القيادة المؤسسة وجوها جديدة، فإن الرقم 30 هو بالضبط عدد الذين انتخبوا للمجلس للمرة الأولى بينهم أربع نساء، مقابل 29 منتخبا للمرة الثانية بينهم 9 نساء، و25 للمرة الثالثة، و46 للمرة الرابعة.
وباستثناء عدد لايتجاوز الأربع شخصيات، فإن الـ25 المنتخبين للمرة الأولى هم من الناشطين الإصلاحيين منذ تأسيس التجمع، كالكاتب الصحفي سيعد ثابت، والأستاذ في جامعة الإيمان حيدر الصافح، ورئيس الدائرة السياسية في فرع الحزب بمحافظة حجة عبدالوهاب المؤيد، والقيادي في حزب النهضة الذي اندمج في الإصلاح سالم خوري، والنائب السابق أحمد عبدالملك المقرمي، ومحسن بن شملان الوكيل السابق في محافظة حضرموت، وأمين المكتب التنفيذي بأمانة العاصمة أحمد محرم، ورئيس المكتب التنفيذي في الجوف الحسن أبكر.
غير أن ذات نسبة التجديد تعكس تناميا لمطالب التغيير وتوقعاته لدى القاعدة الإصلاحية، ومع تأكيدات بـ"تغيير واسع في قوائم المندوبين" للمؤتمر، فإن "نيوزيمن" لم يتمكن من الحصول على جداول المندوبين لمقارنة نسبة التجديد فيها.
وتظهر قراءة قوائم المجلس الأربع الذين انتخبتهم المؤتمرات العامة الأربعة للإصلاح، سيطرة مركزية غير معلنة تتحكم بقوائم الفوز، حيث يتم ضبط الترشح حسب احتياجات التنظيم وهو ما تعوضه الانتخابات الديمقراطية بتقوية النشاط السياسي العام للحزب، بدلا من توفير التناغم في الأداء الفني.
منذ المؤتمر العام الأول تظهر أسماء وتختفي من معركة الانتخاب لمجلس الشورى، وفقا للقدرة الاستيعابية للهيئات الإصلاحية المختلفة، فالذي يتفق –مسبقا- على توليته منصب ما، لايخوض التنافس الانتخابي للمجلس من أساسه، كالأمين العام والأمين العام المساعد الحاليين والسابقين، وأعضاء الهيئة العليا السابقين، وحتى رؤساء دوائر الأمانة العامة السابقين والحاليين.
ولعل هذه الطريقة حتى وإن كانت تبقي الديمقراطية الإصلاحية في مستويات محددة للتنظيم فإنها تبقي المجلس الإصلاحي متنوعا، حيث يفوز له محمد الصادق الرافض لخروج المرأة من البيت مع 13 امرأة، وتجمع –بفوارق قليلة- المحاميين محمد ناجي علاو ومحمد فرحان اللذين وقفا وجهاً لوجه في المحاكم بشأن ما تسمى محنة الصحافة اليمنية مع الرسوم الدنمركية، حيث تولى فرحان دعوى الحسبة ودافع علاو عن الصحفيين. كما يفوز للمجلس أبناء وأقارب شخصيات مختلفة بمجرد غيابها، محافظة على التأثير الاجتماعي، كما حدث مع القيادي الإصلاحي السابق علي وهبان العليي الذي بمجرد وفاته قبيل المؤتمر العام الثالث فقد ورثه إبنه ربيش في الدورتين الثالثة والرابعة. علماً بأن إصلاحيين كباراً لا يتمكنون من دخول هذا المجلس.
وتاليا، انتخب الفائزون الـ130 هيئة لمجلسهم، تؤكد ذات التوجه المشار له منذ السطر الأول. فقد عاد عبدالرحمن العماد إلى هيئة مجلس الشورى، كنائب للنائب السابق الذي صار رئيسا هذه المرة (محمد علي عجلان)، وكلاهما من مؤسسي تنظيم الإخوان المسلمين منذ سبعينيات القرن الماضي، ويتميزان بالعلاقات الاجتماعية الواسعة، وبكونهما مراكز قوى في محيطيهما المختلفين، العماد في المناطق الوسطى وعجلان في الساحل الشرقي. ومعهما "فقيه التنظيم" د.غالب القرشي، القادم –أوائل الثمانينات- من المملكة العربية السعودية لإثراء فكر الإخوان، حسب احتياجات التنظيم.
ومع إعلان عبدالوهاب الآنسي كأمين عام، فإن انتخاب محمد السعدي مساعدا له، بانتظار تعديلات لائحية تتيح انتخاب أمين ثان، حسب قرارات المؤتمر، جاء لتأكيد رغبة القيادة الإصلاحية إعادة ترتيب البيت الداخلي اعتمادا على القوة التنظيمية وليس الجماهيرية. بما عنى أن الاهتمامات الإصلاحية الجماهيرية لم تتمكن من تقديم أدلة تقنع بها القيادات التاريخية أنها تحقق للإصلاح نتائج تذكر، بل ولاحتى تحافظ على ما قد تحقق.
يعد السعدي من صف الإخوان الأول، أما عبدالوهاب الآنسي فإنه من القيادات التي لم تعد للنشاط التنظيمي الإصلاحي إلا مع قيام التجمع اليمني للإصلاح وعودة الشيخ الزنداني الذي يعد من المقربين له، ويتبادلان التأثير بينهما، مع أنه من الجيل الأول.
ومع انتقال اليدومي للهيئة العليا، فإن الإصلاح سيعيد ترتيب أوراق مكتبه السياسي، الذي كان منذ المؤتمر العام الأول، مكانا يشبه مجلس شورى الدولة، حيث يعين فيه شخصيات إصلاحية لها علاقات عامة ومجالات نشاط لكنها غير مرتبطة بالأداء التنظيمي للحزب.
ولعل ذلك سيساعد الإصلاح على العمل بغرفتين: الأمانة العامة التي اتفق على اختيارات لرؤسائها بمايؤهلها للعمل غير السياسي، والهيئة العليا التي يعد الأمين العام ونائبه أعضاء فيها لائحيا.
هذه النتيجة الإصلاحية تأتي لتأكيد أن الشعار الإصلاحي (النضال السلمي من أجل الإصلاح الشامل)، صار مشروعا تنظيميا أكثر من كونه مجر شعار سياسي، وهو ما اقتضى إعادة ترتيب البيت.
ويعزز هذا قرار الأمين العام السابق ونائب رئيس الهيئة العليا الحالي محمد اليدومي، والذي تولى إدارة المؤتمر العام الرابع، عقد جلسة المؤتمر الثانية في ساحة عامة لـ"عدم استلام الأمن لقاعة المؤتمر"، واتهامه "الأمن" بتوزيع منشورات في محيط المؤتمر تضمنت انتقادات سياسية له ولعدد من القيادات المعارضة. وهو ما قوبل برفض الأمين العام المرشح –حينها- عبدالوهاب الآنسي، أن لايتعجل أعضاء المؤتمر الرابع اتهام الأمن أو أي جهة أخرى.
وهذا يخالف منهج اليدومي الدائم في منع أي احتكاكات أو حتى صراع في المشروعيات بين الحركة الإسلامية اليمنية والمؤسسات الرسمية طيلة عقود العمل السري ومن ثم العلني، باستثناء أيام الانتخابات (كان هو أيضا المسؤول الأول عن إدارة مشاركة الإصلاح فنيا فيها)، من انتخابات اتحاد الطلاب وحتى البرلمانية، مرورا بالمحليات (الرئاسية أديرت جماعيا من قبل أحزاب المشترك). علما بأن النزاهة المالية الصارمة التي يحكم بها اليدومي حياته الشخصية، تجعله أقرب للثورية لو أنه خاض في هذا النضال.
ومع أن شعار النضال السلمي، يؤكد أن الإصلاح لن يصادم هذه المؤسسات جماهيريا، فإن الصراع الأهم ليس الصراع المادي، بل الصدام النظري الذي تظهر مؤشراته في حديث الإصلاحيين عن "لا شرعية حكم الرئيس صالح الحالي"، سواء بسبب "اغتصابه السلطة" كما يقول مرشح الإصلاح للانتخابات الرئاسية الأخيرة فيصل بن شملان، أو بسبب "الخروقات والمخالفات" حسب خطاب المؤتمر العام.
ومع أن شخصيات كرئيس مجلس الشورى الحالي "محمد عجلان"، ونائبه "غالب القرشي"، والأمين العام "عبدالوهاب الآنسي"، تعد من أنصار الحوار الدائم مع مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، والسلطة على رأسها، فإن أداء الإصلاح المستقبلي الذي صار اليوم مؤهلا لانسجامية أكبر، سيحدده الطرف الذي سيتولى الدفة هل الهيئة العليا أم الأمانة العامة. وذلك مستقبل لايسهل الخوض فيه.
كما أن ثمة ترتيبات قادمة في كل المحافظات اليمنية، حيث سيعقد الاصلاحيون مؤاتمراتهم المحلية، وهي المؤتمرات التي تعد لائحيا "مستقلة" باعتبار التنظيمات المحلية الاصلاحية مناظرة للامانة العامة وليست تابعة لها. غير انه وطالما أن الهيئة العليا تسعى لتقوية نشاطها من أجل "النضال" فإن علينا انتظار ما سيقرره الإصلاحيون في اليمن المحلي.
وأياً ما سيكون فإن المؤتمر الرابع من الناحية التنظيمية يشير إلى أنه مفترق طرق ليس للإصلاح وحسب ولكن للعمل السياسي في اليمن برمته.
وستقول لنا الأيام في أي طريق سيسلك وما النتائج التي سنحصدها أجمعين.
***
امرأة ضمن العشرة الأوائل.. عن جلسة سجال بين شيخين وثلاث نساء
- علي الضبيبي
قبل قليل من اشتباك ثلاث إصلاحيات من المؤتمرين، بالشيخ الصادق، كان ياسين عبدالعزيز قد خصص عشرين دقيقة للحديث عن الاخوة باعتبارها «أحد الإشعاعات الإيمانية».
الجلسة كانت ساخنة قبل أن يأتي دور الصادق. لكن اليدومي كان يديرها، وياسين بجواره.
بدأ أربعة أعضاء ملاحظاتهم اللاذعة على تقرير رئيس الهيئة العليا. حتى جاء دور محمد الصادق في الكلام، أخذت المناقشات اتجاهاً آخر. وقبل أن يتوجه الأخير لاستلام «الميكرفون» نبه اليدومي مخاطباً الجميع: «نرجو من الاخوان الإختصار في ملاحظاتهم».
بدا الصادق متماسكاً وواثقاً من نفسه وفيها شيء على التقرير. «من قراءتي لهذا التقرير اجد أنه لا يعبر عنَّا تعبيراً كاملاً كحركة اسلامية»؛ معتبراً خلوه من الآيات القرآنية والأحاديث إحدى أهم مآخذه عليه. وأيضاً: «المرأة مهمتها في البيت». وتساءل -وعن شماله ما يقرب من 700 عضوة اصلاحية تشرئب أعناقهن للترشح الساعات القادمة، وعلى المنصة واحد نادراً ما تراه مبتسماً: «إذا خرج الرجل والمرأة إلى السياسة فمن للبيت؟!» متعجباً. وأنهى كلامه تجاه المرأة بنقد الموسيقى التي حضرت بالأمس في جلسة الإفتتاح، مع الأناشيد.
اروى، هند، ونجاة، كُن في منتصف خط الدفاع، وعلى أهبة الاستعداد لصد الهجمات، معززات بعديد تصفيقات حارة هزت أرجاء «أبولّو»، وبعض تكبيرات أيضاً.
أولاهن: «نريد مشاركة سياسية أكبر عن طريق منحنا فرصة الترشح...». والثانية (هند العبيدي) في ذات الموضوع رداً على الصادق: «المنظمات ستأتي بنفسها وتجتمع إذا لم ندخل نحن ونقتحم». لكن لم تحظ بتصفيقات كأروى، وإن انتزعت ثلاث تكبيرات عالية بعد أن طلب اليدومي من المؤتمرين وهو يشاهد الحماس يزداد: «أرجوكم استبدلوا التصفيق بالتكبير» وقاد موجة تكبير هو بنفسه، الأمر الذي أعاد لبعض المشائخ الثقة بإسلاموية الهتاف.
لكن الميكرفون ما يزال في حوزة النساء غير أنه هذه المرة في يد قيادية مخضرمة (نجاة البنا) حاولت اقتباس شيء من برنامج الحزب: «نحن نقرأ في البرنامج السياسي ان التجمع لن يسير إلا بالرجل والمرأة على السواء...» وفقط مكتفية، وبذكاء، عادت، بصورة غير مباشرة، للانتباه إلى قضايا هي اكثر أهمية عند الأعضاء، كمن يحاول الخروج من دوامة جدل قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه. «أين الدائرة الاقتصادية في التقرير؟!»، تساءلت، ودحرجتهم إلى التفكير في مشروعات صغيرة «نستثمر فيها تتبناها الدائرة»، مطالبة الاصلاحيين وقيادتهم بضرورة المواكبة الحقيقية لمستجدات العصر.
انتهت المداخلات النسائية الثلاث، وعاد النقاش إلى التقرير. لكن الدكتور عبدالرحمن الخميسي الذي لم يعد قادراً على امتصاص حنقه، طلب التعقيب، ومباشرةً صوْب احداهن والقاعة: «ما رأيت عالماً من علماء الأمة يقول كلمة حق ويصفق هكذا ضده فرحاً». واسترسل في لومه الجميع وبالذات المتحدثات: «نحن تربينا على احترام العلماء»، قاصداً الصادق، ومؤيداً له في فتواه، «نعم المرأة محلها البيت. مكانها البيت». وفي هذه الاثناء أُطلقت تكبيرة (واحدة) من وسط القاعة لكن خانها المدد.
وكما انتقد الشيخ الصادق الموسيقى والدف، بدا الخميس أيضاً في غرابة؛ «لا أرى شعاراً اسلامياً في هذه القاعة». وزاد عليها في استياء ملفوظ: «الشيخ الأحمر كلنا نحبه ونحترمه لكن لا يصل حبه إلى درجة التعظيم (أن محاسنه لا تُعد!)».
هذه الجلسة السجالية والأكثر شفافية والتي كان الحاضر الأبرز فيها موضوع المرأة حُسمت في نهايتها بتأصيل شرعي لياسين عبدالعزيز نائب رئيس الهيئة العليا رئيس الجلسة؛ إذ أفصح بوضوح عن موقفه في المرأة كناخبة ومنتخبة في جو غاية في الهدوء والإنضباط لـ(4296) مندوباً. وقال بعد مداخلتين للديلمي وحسن الأهدل، وكلتاهما مرنتان إلا أن مداخلة الأخير أكثر، قال ياسين في تعقيبه الذي اسماه بـ«الملاحظة الخفيفة» أن الذكور والإناث مشتركون في الحقوق والواجبات. وأضاف متعمقاً في ثبوتيات اصولية: «هذه الواجبات حددها الكتاب والسنة». مضيفاً: «هناك خصوصيات للذكور والإناث محددة ايضاً، وفي خصوصيات وبعض المشتركات هي محل إختلاف العلماء». وفيما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية، أكد: «ليس مندوباً على الإناث ولكن واجب».
بالطبع، كانت القاعة تبتسم، وكان اليدومي سبق بعبارة: «أيها الاخوة بالنسبة لقضية المرأة هي حسمت منذ سنوات ولكن الاخوة لهم اجتهادهم».
وبالفعل فليس ما يشير إلىاحتمالية بقاء هذه القضية مطروحة في أي مؤتمر قادم.
ففي صبيحة اليوم التالي (الإثنين) أعلنت لجنة الانتخابات فوز (13) امرأة اصلاحية بعضوية مجلس الشورى، وحازت أولاهن على الترتيب العاشر كما ومتقدمات على شخصيات قيادية ومشايخية معروفة.
إذ ترشحت للعضوية (27) امرأة، حالف الحظ النصف منهن، والبعض فزن بالاحتياط. في حين سقطت قيادات ذكورية كبيرة، بعضهم كان عضواً في المجلس السابق، وآخرون في مجلس النواب، وأمناء أو رؤساء دوائر في المكاتب التنفيذية بالمحافظات.
***
أصواته، فاقت ذوي السطوة!
- محمد العلائي
حيازة حميد الأحمر 3419، كأعلى رقم من الاصوات، وكما فاق رئيس مجلس الشورى السابق عبدالمجيد الزنداني، عتبة تستحضر حال قراءة المتن الاصلاحي المتشكل.
يقترح، هذا الرجحان الطام، حزمة مفاتيح لاستنطاق المغزى والدلالة، والمترتبات، إن أمكن.
لا بد أن من البداهة القول: إن حميد، يعيش أقداره وأقدار أبيه. وبالطبع، يؤول هذا القول بزوغه المباغت والتماع نجمه السياسي بعد الاقتصادي، بأية حال.
أما أنه ناله طيفاً، ليس بالسير، من أضواء «الشيخ الوالد» التاريخية الاجتماعية والسياسية، فهذا مما لا جدال فيه، ولا من إدهاش في الأمر، فأنجال الرموز، لا بد، بل محتم، ويقتاتون من الخزينة الرمزية والنفوذية لآبائهم، ليس من شك.
وأما أنه يعيش أقداره، أياً كانت، تجارية، سياسية، اجتماعية فممكن الافتراض، نزوعه المبكر وبالانفراد، خلافاً لإخوانه بوجاهة ومكانة مرموقتين ومغذاتين، كما اسلفت، بمخزون وافر، أضفاه، كونه نجل الشيخ الأحمر، بما لهكذا صفة من ثقل لدى العامة والخاصة في آن.
هو، إضافة لكونه وُلد شيخاً، انخرط في صفوف الاصلاح وتزعمه في عمران، قافزاً بذلك على التراتبية التنظيمية ومتطلباتها. علاوة على أنه أدار رأس مال ليس هيناً، ونماه حثيثاً، وبالتالي حجز مكاناً مرموقاً بوصفه رجل أعمال، شركاته تخطت الحدود.
بالواقع، وبالنظر للمآلات السابقة، ما أنفك، أناس عاديون وغير عاديين، يعتبرونه الرجل القوي بين أولاد الشيخ. وعليه، فهو خلفه الأكيد. وهو أيضاً، لسمات شخصية واعتبارات موضوعية، من سيملأ فراغ والده. الفراغ هنا بما هو سياسي، اجتماعي، فضلاً عن التجاري.
تصدى حميد في انتخابات العام المنقضي، لمهام جماهيرية، وضعته وجهاً لوجه، مع الرئيس علي عبدالله صالح. التموقع ذاك سيدفع فاتورته الأولى بأبهظ ما يمكن من الأثمان.
معركته السياسية أذاً، خيضت، بتعبير سياسي جريء وقاس بالنسبة لمرشح والده. وهنا تنتفي امكانية رأب الشقاق المنبثق منها. إذ لأن الرئيس لم يعهد هذا من قبل.
على أية حال، لعلنا لم نجدف بعيداً. فوشائج قرائية يسع أي أحد، بسطها أمامه، لخطة تملي اسرار تصدر حميد داخل الاصلاح بأعلى الأصوات فاقت عتاولة التنظيم بل مؤسسيه، وذوي السطوة الروحية الفتاكة.
إلى ما سبق، أقصد، فكرة ان نفوذية حميد الاجتماعية متأتية من كونه ابن الشيخ، وفكرة انه خاضة مواجهة شرسة مع حليف والده ويسدد الآن أقساط فاتورة تلك المواجهة. هذا «السداد» أدر عليه حنواً وجدانياً من افراد الاصلاح. إضافة إلى تمتين الثقة التي كان سقمها آتٍ من اعتبار أن آل الأحمر يعملون في صدد أجندة أسرية متآلفة.
العرقلات والمضايقات التي يكابدها الرجل تمس زعامته، كل زعامته. وهي أغرت لمزيد من الاحتشاد (شعبياً إصلاحياً) إلى جانبه. وكانت النتيجة التي حصدها مؤدى منطقي لما كان يظنه النظام سبيل خسران.
مهما يكن، لم يعد الاصلاح محتمياً بالشيخ وآله كما يعتقد البعض. وبالمقابل، الأخيرون، ليسو في الآن محتمين تماماً بالاصلاح، فالحقيقة أن كلا الطرفين باتا متكئين كلٌ إلى الآخر، في توازن لم يوجد من قبل.

***

إنتخبه الموت بعد الاقتراع

- محمد العلائي
الثانية، فجر الأثنين، أيقضتْ محمد الأسلمي، عضو مؤتمر عام الاصلاح، رؤيا مريعة. لحظتها شعر بآلام حادة لم يدر أحد مصدرها.
شكا، لزوجته، وهي بدورها أبلغت الأقارب ونقل إثر ذلك إلىالمستشفى وهناك مات لتوه.
محمد، بلغ 40 عاماً، وزوجته آمنة الاسلمي عضوة مجلس شورى الاصلاح والناشطة النسوية البارزة في محافظة حجة. هما، شكلا ثنائياً إصلاحياً متميزاً، هكذا وصفهم محازبوهم.
لم يكن فرداً عادياً ضمن الاعضاء الآتين من حجة، فهو الى جانب كونه يشترك مع زوجته في رئاسة المكتب النسوي للاصلاح في المحافظة هو ايضاً ذو مرتبة تنظيمية رفيعة.
الجمعة، كان يوزع بطائق المشاركين، ومخصصاتهم المالية، بدماثة عالية ودفء متنامٍ. وصباح السبت راح، بشغف، يشارك في فعاليات مؤتمر حزبه.
أدرك التزكية، الاحد، وغادر القاعة مرهقاً، قبل الاقتراع. زوجته كانت مرشحة للشورى. لكنه لم ينتخبها؛ إذ أن الموت انتخبه دونما سابق إشارة عدا ملاريا طفيفة، لم يكترث لها كثيراً كما يبدو. تخطاها كيما لا يفوته المؤتمر.
21 سبتمبر من العام المنقضي كان محمد الأسلمي مرشحاً لمجلس المحافظة ممتلأً لحزبه. إلا أن الفوز لم يحالفه.
هو، علاوة على كونه قيادياً اصلاحياً، تربوي عريق. بمؤهل بكالوريوس، شغل وظائف عدة في هذا المجال، منها مدير معهد الفلاح، ومدير المركز التعليمي في مديرية حجة، وقبل ذلك كان قد عمل ادارياً لحساب معاهد صحية في امانة العاصمة.
الأسلمي، عائل 5 أبناء: 3 بنات، وولدين، اكتنف حياته الخاصة نوع من الانسجام والتكامل العائلي الهادئ.
أثار خبر موته، ذعراً طاماً لدى زوجته وأولاده. فجائي، وصاعق بالفعل. فإضافة لكونه بالكاد بلغ الاربعين ه لم يمرض حقاً.
عاش وزوجته حايتهما، بالتزام دقيق، واستقرار محروس من مكانة اجتماعية وتنظيمية حضيا بهاجميعاً.
لا يتوانى في خدمة أيٍّ كان. واستخرج لمنطقته مشاريع خدمية، وأسهم في تمكين المرأة داخل الاصلاح.

***
التغيير في الإصلاح تغيير في المجتمع

- محمد محمد المقالح
هل كان من الأفضل أن يلتزم أعضاء مؤتمر الإصلاح بلوائح "التجمع" وان يمتنعوا وفقا لذلك عن منح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر تفويضا جديدا لتولي دورة رئاسية رابعة فوق الدورات الثلاث التي شغلها في هذا المنصب منذ سبتمبر 1990م!؟
المسالة من الناحية السياسية تقديرية وتتعلق بدرجة رئيسة بطرفي معادلة التجديد للشيخ, أي أعضاء المؤتمر العام الرابع من ناحية، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من ناحية أخرى. ويبدو أن الطرفين قد قررا أن المصلحة السياسية للطرفين تقتضي تفويضا جديدا للشيخ عبد الله، وهذا ما حصل والبقية تفاصيل بما في ذلك تعديل النص اللائحي الخاص بهذا الموضوع.
تلك إذا هي تقديرات أعضاء المؤتمر العام الرابع للتجمع اليمني للإصلاح وهو في كل الأحوال قرار حزبي داخلي يخصهم هم, وليس لنا إلا أن نحترمه ونتفهم دوافعه.
أما نحن وحين ننظر إلى موضوع قرار التفويض من زاوية أخرى ومن خارج المشهد الإصلاحي "الداخلي" وبعيدا عن تكتيكات السياسة اليومية وهواجسها لدى "حراس المعبد" والذين يعتقدون ولأسباب كثيرة أن كل خطوة في التغيير تعتبر "خطوة في المجهول " فإن التقدير سيختلف كثيرا والمسالة هنا لا تتعلق فقط بأن قرار التفويض الإضافي للشيخ يضع وبصورة تلقائية أهم واكبر الأحزاب اليمنية على محك الالتزام بنصوص لوائحه الداخلية كتعبير طبيعي لمدى جدية هذا الحزب في الالتزام بدستور الدولة التي ينشدها خارج الحزب وعلى مستوى المجتمع الذي يعيد تقديم نفسه إليه بالسلوك والممارسة, ولكنه -وهذا هو الأهم- يضرب المعنى العميق لفكرة"التغيير" الأساسية التي يطرحها الإصلاح وحلفاؤه في أحزاب اللقاء المشترك.
لقد كان على أعضاء المؤتمر العام الرابع للإصلاح أن يتنبهوا وهوم يتخذون قرار التفويض الرئاسي للشيخ إلى أن إحدى اخطر المشكلات العربية هي مشكلة تأبيد السلطة أولا ومن ثم توريثها ثانيا, فهذه المشكلة السياسية التي تحولت مع الزمن إلى مشكلة فكرية وقيمية هي التي جمدت الحياة العربية في كل مساراتها وهي التي قتلت في الفرد العربي روح التغيير والإبداع والطموح والتفوق، وكرست بدلا عنها ثقافة الاتكالية والخمول والتسليم بكل شيء وأي شيء،على قاعدة "ليس بالامكان أفضل مما كان أو مما هو كائن "وهذا "التابو" أو الخوف من التغيير هو بالضبط ما كان ينبغي أن يكسر في ثقافة القيادة الجديدة للإصلاح.
التغيير كبير ولكن ...
تبقى في هذا الموضوع ملاحظتان سريعتان هما:
- إن التمديد لرئاسة الشيخ عبد الله لا يعني أن الإصلاح لم يحدث أي تغيير في هذا المؤتمر أبدا؛ فقد كانت مساحة التغيير في القيادة والسياسة كبيرة وكبيرة جدا، وأنا شخصيا لو خيرت بين التغيير في موقع رئاسة الهيئة العليا ورئاسة مجلس الشورى لفضلت نفس الخيار الذي انحاز إليه أعضاء المؤتمر العام الرابع. ذلك أن الإصلاح والتغيير في هذا الموقع هو تغيير في عمق الثقافة "الأبوية" التي لا تقبل سوى أن نكون جميعا "أبناء"صالحين ومطيعين" لا يأكلون ولا يشربون ولا يعصون الحاكم بأمر التنظيم طرفة عين" أما وقد حدث هذا التغيير في شورى الحزب وفي مواقع قيادية أخرى كثيرة منها الأمانة العامة والهيئة العليا فان الرهان على الإصلاح كرافعة للتغيير الديمقراطي داخل الدولة والمجتمع وعلى مستوى الفكر والسياسة يبقى رهانا قائما وفاعلا أيضا.
- إن تغيير الأشخاص يعني تغيير السياسات وقد تغير الإصلاح في سياسته الداخلية والخارجية كثيرا، إلا أن موقفه من الحرب في صعدة يبقى بدون تغيير كبير, ومع أن بيان المؤتمر الرابع بهذا الخصوص لم يختلف كثيرا عن بيان أحزاب اللقاء المشترك في الموضوع نفسه، إلا أن هذين الموقفين قد تحكمت بهما أيديولوجية الإصلاح تجاه الحوثي من ناحية،ومناكفاته تجاه الرئيس من ناحية أخرى دون أن يقدم رؤية واضحة للحل.
لقد انتقد الإصلاح حمل السلاح من قبل أنصار الحوثي ضد الدولة وهذا موقف صحيح، وانتقد استخدام القوة من قبل الجيش لمعالجة القضايا الوطنية والسياسية وهذا صحيح أيضا، والشيء غير الصحيح هو أن يبدو الإصلاح وتبدو المعارضة وكأنها تسجل مواقف للتاريخ ليس إلا، وكأن الوطن ودماء أبنائه ووحدة نسيجه الاجتماعي التي تمزقها الحرب، ملك للحوثي والرئيس ولهما وحدهما الحق بالتصرف بها متى وكيف ما يشاءون.
والمعنى هو أن تقدم المعارضة مبادرة لوقف الحرب وتلزم بها الطرفين ومن يدري فقد يكون كل منهما يبحث عن حل, وعن مخرج كريم أيضا.
***
الإصلاحيون وقد شحذوا هممهم للتغيير
- عبدالحكيم هلال
كانت تساؤلات الإصلاحيين، من أعضاء المؤتمر العام الرابع، تتقافز في قاعة " أبوللو"، تبحث عن إجابات، حاولوا تقديرها مسبقا، على ما بدت عليه لدى الكثير منهم كأحجار الشطرنج..!!
في ما عدى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – الذي كانت قناعات مسبقة لدى الأعضاء بوجوب إبقائه رئيسا للحزب،عبر إحداث تعديل بسيط يستثنيه من مغادرة موقعه – فقد كانت بقية المواقع القيادية تنتقل من تقدير الى آخر، محاولة الإجابة على سؤال: من سيخلف من؟
"مجرد تخمينات"، كانت هذه العبارة خاتمة التقديرات للمتحدثين، إجابة على التساؤلات الثلاثة الكبرى (نائب رئيس الهيئة، رئيس مجلس الشورى، الأمين العام) وفي بعض التخمينات كانت تصل الى تقدير من سيكون الأمين العام المساعد، ورئيس الدائرة السياسية..!!
والواضح أن تلك التساؤلات لم تكن تشكل معضلة هناك بقدر ما كانت تبدو كأحجية، يتباهى الأعضاء بحلها فيما بينهم، وأحيانا كانت تنتهي بعبارة: "وأنتم سترون صحة تقديراتي".
هذا ما كان يدور بين الأعضاء، الذين بدى واضحا – على الأقل عند من دخلت معهم في نقاشات - أنهم حضروا الى هنا شاحذين أذهانهم بفكرة "ضرورة التغير"، تطبيقا وتنفيذا للوائح الناظمة لتولي المناصب القيادية في الحزب.
بخصوص الرئيس، حُسم اختياره، بحسب مقترح تقدم به مجلس الشورى، للمؤتمر العام، باستثنائه من أحكام المادة (73) وهي المادة التي حددت مدة الاستمرارية والتداول للمواقع القيادية الهامة، وبعد عرض المقترح على القاعة بالاستثناء لدورة واحدة، تمت الموافقة عليه جماعيا، برفع اليد، ومن ثم التصويت على اختياره أيضا برفع اليد مرة أخرى. وأما نائبه، فقد اقترح ياسين عبد العزيز - النائب المنتهي ولايته – أن يكون محمد اليدومي خلفا له، وهو ما استحسنته القاعة بـ "التكبير"، وديمقراطيا فقد عرض المقترح للتصويت، وبالطبع كانت الأكف كلها قد ارتفعت عاليا بالموافقة.
وهو ما كشف عن أن تلك الأذهان التي حضرت وهي مشحوذة للتغيير، كانت تضع هدفها أمامها، كهدف حقيقي، لكنها كما بدت مما سبق لم تكن قد قررت الأمر الأهم: من سيخلف من؟ لتتخلص بكل سهولة من هذه المعضلة باستحسان الحسم بهذه الطريقة، وهي طريقة لا غبار عليها طالما وأنها أتت على الهدف التغييري، وطبقت فيها القوانين واللوائح الناظمة. ومثلها لم تكن لتنجح في حزب أو جماعة مليئة بالأحقاد وتضارب المصالح، ومؤجلة الانشقاقات. لكنها تكون فاعلة في حزب أو جماعة حريصة على وحدة الصف، خالية الحساسيات. هذا ما يراه أبناؤها. بيد أن هناك الآخرين من يرون بعين مغايرة، حين يعتقدون أن التجديد أمر ضروري، لاستمرار الحياة، كما أنه قد تظهر قيادات أخرى ربما كانت أقدر وأفهم من سلفها. هؤلاء يتحدثون –حسب نقاشاتي معهم– عن القدرة على الاستمرار عبر صناعة القيادات الجديدة، وكيف أن شخصا -مغمورا كان أو متمرسا على العمل القيادي الثانوي- يبدع أكثر، ويقدر أكثر، حين يمنح الثقة.
ربما ما ذهب إليه، هؤلاء – من أنصار فكرة " تسليم الرايات " كسنة للتجدد والاستمرار – هو أمر منطقي، لكنه قد لا يكون مثمرا تحت ظروف معينة، وهو حتما لا منطقي حين يراد لفكرة التجديد، أن تنسل جذريا، عن القديم المتدفق الذي لا مناص من إكمال دوره، سيما إن كان هذا القديم ذا دور أكثر إلحاحا من ضرورة التجريب، والقياس، والأهم من ذلك كله إن كان هذا القديم يعمل على الفكرة ولكن بطريقة التلقيم والتطعيم، والتجديد الجزئي، وهي الأكثر فاعلية من مجرد تنفيذ فكرة دون التمعن بكلية المصالح والمفاسد، المرافقة للتنفيذ.
وفي نظري فقد كان مجلس الشورى هو الجزء الأكثر إسهاما لتنفيذ فكرة التغيير بنسبة بلغت (70 %) حسب تصريح الدكتور محمد السعدي لقناة الجزيرة. ومن خلال دراسة الأسماء التي لم يحالفها الحظ، بالبقاء في عضوية المجلس أو بعض من حاولوا أن يكونوا أعضاء جدداً في المجلس ولم يفلحوا. فإننا سنجد بينهم شخصيات قديمة قيادية ومعروفة، وأعضاء مجلس نواب، كما أن من بينهم من هم الآن على رأس نقابات ومنظمات مدنية كبيرة، نجحوا هناك، وفشلوا هنا.. بل أن الأمر الأكثر إشراقا أن شخصيات شابة وجديدة صعدت وثبتت على حساب تلك الشخصيات القيادية التي لم يحالفها الحظ.
أعرف أن هناك من يجب أن نحترم آراءهم، بخصوص ما أبدوه من امتعاض، لإعادة ترشيح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.. وكانوا حريصين على تنفيذ اللوائح الداخلية للإصلاح، كحزب معارض، يطلب من الآخرين تطبيقها ويبحث لنفسه عن مبررات لتخطيها. وهو رأي أحترمه وأقدره من أصدقاء – لا ينتمون للإصلاح – لكنهم يناصرونه بحكم أنه الحزب الأقوى في مواجهة فساد الدولة، ومناصرة الفقراء والضعفاء..
لكننا أيضا وبشكل أكثر إلحاحا يجب علينا أن نحترم، أكثر من (4000) عضو، هم قوام المؤتمر العام الرابع، انتدبهم، أكثر من مليون وأربعمائة ألف عضو، لتنظيم وتقرير مصالحهم، عبر اتخاذ التعديلات والقرارات المناسبة التي هم مخولون بموجب النظام الأساسي، تقريرها كيفما يشاءون متوخين المصلحة العامة للوطن أولاً والحزب ثانياً.
وهو الأمر الذي حدث بشكل طبيعي، إذ خول النظام الأساسي واللوائح المنظمة للحزب، أعضاء المؤتمر العام اتخاذ القرارات المصيرية والتعديل والحذف والإضافة، دون أن يحدد ذلك بزمن دورة دون أخرى.
ومن حيث الواقع الذي تمر به البلاد فإن هذا القرار، يخدم حزب الإصلاح، أكثر مما قد يعتقد البعض أنه يضره، وبالتالي وقياساً على هذه المصلحة، فإن بقاء الإصلاح، على تشكيلته النهائية التي فرزها المؤتمر العام، تساعده على البقاء قوياً في المعارضة بقوة تلك الشخصيات التي عرف عنها مواقفها، والتي يكفيها اتخاذها قرار المنافسة الجادة في الانتخابات الرئاسية، وكسر الصنمية والجمود، بل اتخاذها عدة قرارات سابقة كانت تحرص في كل مرة على الحفاظ على الوطن قبل الحزب. وإجمالا فإن بقاء الإصلاح بقوته وزخمه سيساعد على استكمال مشروع "معارضة قوية" مع أحزاب اللقاء المشترك، ستكون قادرة على حماية المواطن وإنقاذ الوطن من المخاطر التي تكالبت عليه بفعل حزب حاكم، ظل مستعدا لتكبيد البلاد موازنات طائلة في كل مرة من أجل إضعاف المعارضة، حتى لا تقوم بدورها على أكمل وجه.
 وأخيراً أريد أن أوضح أنني لست مع بعض التصرفات التنظيمية الجامدة، التي أعتقد – من وجهة نظري على الأقل – أنها غير سليمة، إلا أنني معني بالإشارة الى نقطة هامة، تضمنها البيان الختامي للمؤتمر العام الرابع، في النقطة رقم (5) من الفقرة الأولى "المحور التنظيمي" والتي أشارت الى تكيلف المؤتمر العام لهيئات الإصلاح القيادية بإعداد مشروع تعديل شامل لأنظمة الإصلاح ولوائحه بحيث يتضمن ذلك تطوير الهياكل والأطر في ضوء التجربة العملية السابقة.
وهذه النقطة في رأيي هي النقطة الأهم التي يجب التركيز عليها، كونها تصب في النظام والمنهج واللوائح، والتي إن عدلت في ضوء التجربة العملية السابقة، وخلصت الى تجاوز الكثير من المعيقات الفكرية (ذات السعة الاجتهادية)، والثقافية، والتنظيمية الراكدة والقديمة جدا، خلال الفترة القيادية المقبلة، فإنه سيكون قد وضع يده تماما في المكان المناسب. وهو مازال مطالبا حتى اليوم بحسم الكثير من تلك النقاط، ليتعدى تأثيره الأماكن المحددة له منذ أكثر من (15) عام من بعد إعلان التعددية الحزبية، في 22 مايو 1990م.
***
هل ترغم نساء الإصلاح شيوخه على القبول بهن كمرشحات!!

منى صفوان
كان جزء مما طالبت به كلمة أمه السلام رجاء رئيسه القطاع النسائي في التجمع اليمني للإصلاح في افتتاحية مؤتمر حزبها الرابع, توسيع مستوى المشاركة للمرأة الإصلاحية, ليس فقط كناخبةبل أيضا كمرشحة, وألاّ تكون مشاركتها مجرد ديكور بل مشاركة حقيقية نابعة من"القناعة الأصلية". ودعوتها هذه لا تبدو محض اختيار من قبل قادة الإصلاح الذين عليهم عدم تجاهل الأمر طويلا. فالإصلاح اتُهم كثير في الانتخابات الأخيرة بوصفه مستغلاً للمرأة التي يقبل بها كناخبة للمرشحين الرجال ويرفض ترشحها باسمه.
وعدم اعتراف الاصلاحيون بالمرأة كشريكة لهم لها حق قيادة الحزب معهم والترشح باسمه في الانتخابات المحلية والنيابية, يعني أن الحزب يأخذ موقفاً معادياً للمرأة, وعليه أن يثبت عكس ذلك بأن يتضمن خطابه الجديد عكس ذلك. وإن استطاع الإصلاح الإفلات من الخلاف الداخلي الدائر حول هذه القضية والتي تأخذ بعداً وجدلاً فقهياً, فإنه يستطيع أن يقدم نفسه بصورة أفضل كحركة سياسية إسلامية متنورة.
فوقوف القيادية الإصلاحية أمة السلام رجاء أمام شيوخ وقادة الإصلاح وأمام عدسات الفضائيات, في مؤتمر الحزب ومطالبتهم بتوسيع المشاركة, لا يعني أكثر من أن هذا الأمر لم يعد يناقش في الردهات الداخلية للحزب، وأنه أصبح أمراً مصرحاً أن تطالب به الإصلاحيات أمام الجميع. فما من أحد يستطيع إرغام شيوخ الإصلاح وقادته على تغيير موقفهم إلا الإصلاحيات أنفسهن, خاصة وأن الإصلاح يمتلك أنشط قاعدة نسائية, وتفعيل دورها تفعيل لدور المشاركة النسائية العامة.
وإن افترضنا مجازاً أن هذه القاعدة النسائية قد بدأت فعلا بالضغط على قادة حزبها فهذا يجعل الأمر أشبه بالتفاؤل الإصلاح سيخلع قريباً رداءة الديني المتشدد, ويتصرف بحسابات سياسية حرة بعيدة عن القوى الرجعية التي تحكمه طالما وأنه لن يخالف الشريعة بما سيدخله في حساباته الجديدة.
حدوث ذلك يعني زيادة في حراك الحركة النسائية العامة المطالبة بزيادة حصة النساء في المشاركة العامة. فالإصلاح هو الوحيد القادر على جعل المؤتمر الشعبي العام يرفع حصة نسائه في البرلمان والمحليات وربما في المقاعد الوزارية, إن نافسه الإصلاح بمرشحات يضمن فوزهن في البرلمان القادم.
قيام الإصلاح بخطوة كهذه يعني استقطابه لعدد أكبر من النساء الناشطات، خاصة إن أبعد عنه تهمة التشدد والانغلاق على فئة بعينها.
ويدعم ذلك ظهور وجوه إصلاحية نسائية شابة, كالإصلاحية النشطة مدنياً، توكل كرمان، التي تحدثت باسم منظمتها وباسم حزبها. فالقبول بها كواحدة من ممثلات الحزب الذي ترتدي غالبية قواعده النسائية -إن لم يكن كلها- النقاب, مؤشر يبدو إيجابياً وفي مصلحة الإصلاح نفسه الذي يقدم نفسه كحركة سياسية غير متشددة دينياً. ولإثبات توازنه السياسي وعدم أخذه موقفاً متشدداً من مشاركة المرأة، على الإصلاح إثبات حسن النوايا عملياً.

***

هدية.. في خاطرة وأمنية..

< بمناسبة انعقاد المؤتمر العام الإصلاحي الرابع.. لا أملك ما أهديه لكم إلا هذه الكليمات:
إن قوة الإصلاح الحقيقية تكمن في:
- تحرره من أسر الحالة الصنمية المدمرة.
- إيمانه العميق بالرسالة.
- تماسك أعضائه.
- الاحترام و الحب غير المفتون لقادة النصر فيه.
- تمتين المشترك.
- صناعة الفرحة الحياتية للناس.
- تسريع التمكين.
< إلى جانب أعلاه فالتمكين الحياتي المبين للإصلاح سيكون بأقل التكاليف و في وقت قياسي (بإذن الله)حين:
- تشيع في أعضاء الإصلاح ثقافة المشروع.
- يُشيع الأعضاء هذه الثقافة في الناس.
- يمتلك الكثيرون من الأعضاء كل منهم مشروعه الخاص المتميز.
< سؤال:
لقد حان أن يسأل كل منا نفسه..(أنه إلى جانب مشاركاتي ودوري التنظيمي التقليدي المألوف):
- ما هو أدائي الحياتي المتميز الذي لا مثيل له؟
- ما هو مشروعي الخاص المتميز الذي أترجم به إيماني بالرسالة وأعزز به انتمائي الإصلاحي، انتمائي للمشترك، انتمائي الوطني، انتمائي الإسلامي، انتمائي الإنساني، واصنع به الفرحة الحياتية المتميزة في ساحتي، وأسهم به في تسريع نهوض الأمة؟؟
< أمنيتي الخاصة:
- أن يجتمع أربعة آلاف مشروع في الدورة القادمة للمؤتمر العام الرابع (إنشاء الله).
اللهم ألهم كل عضو إصلاحي وكل أعضاء المشترك وكل مواطن يمني وكل مسلم وكل إنسان حر أن يكتشف مشروعه الخاص المتميز الذي أودعت سره فيه لتنهض بهم الأمة و ليكونوا من صناع الفرحة الحياتية للبشر لتتسع ساحة التمكين الحياتي للإسلام، لينالوا يذلك رضاك والجنة.
أخوكم ومحبكم في الله..
أحمد قائد الأسودي
(عضو المؤتمر العام)
ahmed_q_alaswadi@yahoo.com
تكريم «النداء» في يوم العدالة العالمي
الخميس , 19 يوليو 2007 م
طباعة أرسل الخبر
سامي غالب: محكومون بالدفاع عن حقوق الإنسان.. عن انفسنا

إذ أشكر نيابة عن زميلاتي وزملائي في أسرة «النداء» هذه الالتفاتة الكريمة من منتدى الشقائق، يجدر بي القول بأنها ليست الالتفاتة الأولى، ففي رحلة «النداء» الشاقة ولكن الشائقة، القصيرة المعسرة كانت «النداء» موضع التفاتة المنتدى مرات عدة، وأحياناً كانت موضع وجهته.
في مقام الانصاف هذا هل يسعني نسيان دور المنتدى في مساعدة «النداء» في إبراز معاناة ضحايا الحرب في صعدة، وبخاصة الأطفال والنسوة.
كان المنتدى حاضراً في «النداء» وقت فتحنا ملف اللاجئين الصوماليين، وقد استعنا بأوراق الندوة التي نظمها المنتدى قبل 4 سنوات.
ولكم كان الأمر دالاً إذ شرعت «النداء» في فتح ملف المختفين قسرياً في الوقت الذي كان المنتدى يحضر لعقد أول ندوة في الأقليم عن العدالة الانتقالية. (ما أجمل اللقيا بلا ميعاد).
على أننا إذْ نلتقي فعلى الوجع والألم والمكابدة، والصبر... الصبر الطويل. وعلى المجازفة بالدنو من ملفات مفخخة بالحزن والإ فبالمتفجرات من كل صنف، في عصر رواج صناعة العصبيات الطائفية والمذهبية والعنصرية.
لكن المنتدى، وأية مؤسسة مثله، كيلا يضام أحد، مجال نشاطه حقوق الانسان فيما «النداء» صحيفة سياسية مستقلة على ما يرد في خط إصدارها أدنى ترويسة صفتحها الأولى.
وإلى منتدى الشقائق، أتوجه بالتحية إلى الأخت العزيزة سميرة داؤود رئيسة ملتقى 17 يوليو لأسر وأطفال السجناء المعسرين، وإلى زوجها السجين السابق حسن الهتاري. لقد بذلا جهداً كبيراً في مساعدة الصحيفة، وكانا يتواصلان باستمرار مع الصحيفة، وأحياناً بشكل يومي، من أجل الإسهام في وضع حد لمعاناة الضحايا وأسرهم.
ولئن كان الملمح الدائم والنغمة السائدة في المادة التحريرية لـ«النداء» الانتصار لحقوق الانسان، فإنها منذ إسدال الستار على المشهد الانتخابي الرئاسي، راحت تنغمس رويداً رويدا في ملفات الهامشيين والمهمشين والمستضعفين وذوي الاحتياجات الخاصة وما أكثرهم في مجتمعنا.
علمتنا تجربتنا القصيرة أن الصبر الطويل يُثمر إنجازات، وأن هاتيك المكابدة وذيَّاك الانغماس محمودان في مقام الدفاع عن حقوق الانسان، وأن انحياز الصحفي إلى ضحايا الانتهاكات والاعتداءات ضرورة قصوى في الواقع اليمني، حتى وإن انطمس، لفرط انغماسه في نصرة الضحايا، الخط الفاصل بين محدداته المهنية ودوافعه الانسانية.
بعد هذه الموجة المكفهرة التي صببتها على رؤوسكم في هذه المناسبة الاحتفائية، لي أن اعترف بأن السعادة غسلت قلوبنا المحزونة مرات عديدة منذ الخريف الماضي.
ولقد تذوقنا في أسرة «النداء» طعم الإنجاز مراراً.
وأزيد من ذلك فقد أمضينا لحظات بهيجة مع ضحايانا -ضحايا القمع والقسوة أقصد- أولئك الذين ظهَّرت «النداء» مآسيهم، وكُتبت لهم حيوات جديدة بفعل ضمائر حية في غير مكان.
كانت ليلة عيد الأضحى الماضي بهيجة، إذ كانت ليزا اللاجئة الصومالية القاصرة تغادر السجن المركزي في إب لتنام في أحضان «زعيمة»، والدتها المقاتلة، لأول مرة بعد أن نسيتها نيابة جبلة هناك مدة 8 أشهر، من دون أي تهمة. لم نفرح وحدنا! كان الفرح عامراً في منتدى الشقائق ومنظمة أوكسفام اللتين لم تتوانيا في التفاعل لوضع حد لمأساة أسرة منكوبة.
في رحلتنا القصيرة سجلنا نقاطاً في حربنا ضد القهر والعسف والاستعلاء، على أن أجمل اللحظات عشناها قبل أسبوعين فقط. في الواحدة ظهراً تسلمت رسالة عبر الهاتف من زميلي علي الضبيبي فحواها: «قرار الإفراج عن عبده شوعي صدر، ولن أغادر إلا وهو معي».
تعجبت لحظتها لكل هذا اليقين الذي يصدر من رسالته... وابتسمت. تابع الضبيبي رسائله الاخبارية من داخل السجن المركزي، قبل أن يختم تغطيته المباشرة بالخبر السعيد: «شوعي خرج الآن، سنتغدى معاً».
خرج شوعي الذي أمضى 17 عاماً في سجن النسيان واللامبالاة وخرج قبله وبعده عشرات، وكانت هذه «أيامنا الحلوة».
قبل نحو عامين نشرت «النداء» تصريحات منسوبة لمصدر قانوني تؤكد عدم مشروعية إبقاء الأشخاص في السجن بسبب حقوق خاصة للغير أو غرامات للخزينة العامة. لكن علي الضبيبي لم يكن حينها عضواً في أسرة «النداء»، وقد تطلب الأمر عاماً كيما تبدأ «النداء» حملتها الحقيقية والمستمرة من أجل نصرة الضحايا وأسرهم. ففي 11 أكتوبر الماضي أعد علي الضبيبي الطالب في المستوى الثالث بكلية الإعلام تحقيقاً معمقاً عن «السجناء المعسرين» وفيه ترد تصريحات لمسؤولين في السلطة القضائية تُبرِّر بإسم القانون والحق ما وقع على الضحايا من ظلم. في الأسبوع التالي كان المحامي نبيل المحمدي يكشف في تصريح لـ«النداء» هشاشة الرواية الرسمية، مشدداً على أن إبقاء أي شخص في السجن بعد انقضاء مدة عقوبته المحكوم بها جريمة تستوجب عقاب مرتكبيها.
الرؤية القانونية الكاشفة، ثم التواصل المستمر مع هيئة الدفاع عن السجناء التي تشكلت لاحقاً، كانا زاداً في دأبنا من أجل بلوغ غاياتنا.
وكان في قيام عدد من المحتجزين ظلماً في السجن بالمبادرة إلى توكيل هيئة الدفاع إشارة لا تخطئها العين بأننا على الطريق الصحيح، فحين يسقط الضحية كرت طلب الإحسان من يده، مقرراً إختيار دور المطالب بالحق، فإن ما من قوة تستطيع إنتزاع اليقين من فؤاده.
وعلى مدى أسابيع وشهور واصلت «النداء» نشر تقاريرها وتحقيقاتها بشأن القضية. وكان على الزميل علي الضبيبي أن يصمد ويصبر ويكابد ويثابر ويواجه نزعات الاستعلاء لدى المعنيين بالملف، وموجات التقليل من شأن الجهد الذي يبذله، والتهوين من الضحايا. وكان علينا أن نصد نوبات الإحباط ونقاوم اليأس بالمرح، كما في أحد نهاراتنا الصعبة، عندما ابتدعنا هدفاً خاصاً لحملة «النداء»، معتبرين أن استمرارنا في إثارة الملف مسألة مصيرية بالنسبة لـ«النداء» المعدمة والمرشحة للإعسار!
على أن قيمة أي جهد صحفي يكمن في الانجاز، وأنه لمن المفارقة اليوم أن نحتفي بانجاز تحقق في ملف السجناء، فيما يدفع الزميل العزيز عبدالكريم الخيواني من حريته ثمناً لرأيه، ولئن ترددت «النداء» على السجن طيلة شهور لتغطية وزيارة المحتجزين على ذمة حقوق خاصة، وتمكنت من إطلاق سراح عشرات منهم، فإنه لمن المحزن أن نضطر إلى زيارة السجن من أجل مشاهدة زميل عزيز. وفي يوم العدالة العالمي أدعو الحضور جميعاً إلى إصدار بيان تضامني معه، ومطالبة السلطات بالإفراج الفوري عنه.
كما أدعو إلى إبداء التضامن القوي مع الزملاء في صحيفة «الشارع» الذين يتعرضون لانتهاك جسيم وغير مسبوق بعد إحالتهم على النيابة الجزائية المتخصصة في قضية نشر، وهو أمر ينذر بالخطر على حرية الصحافة.
نحن محكومون بالدفاع عن حقوق الإنسان، لأنه دفاع عن النفس، هل أذكركم بأن «النداء» سبق أن اختفت قسرياً بعد صدور عددها الأول. شكراً لكم.

***

عن صورة لا يحلم بها السجناء عادة
- محمد العلائي

بعد أن نفض عنه الضبيبي وعثاء 17 عاماً من السجن، كان على عبده شوعي أن يقول ما يفترض به، كشخص خسر كل شيء.
قبل بضعة أيام، وعلى حين غرة، انفلت المنسي الشغوف بالحياة، من دائرة العتمة إلى بؤر الضوء الفاقع.
كانت، عشرات الكاميرات والاحداق تحتضن طلة شوعي، بما ينبغي من الاحتفاء.
عندما -مطلع تسعينات القرن الماضي- آل المطاف بالرجل العتيد، إلى أحشاء السجن المركزي، كان لم يدرك بعد ما الذي تخبئ له الأقدار.
أمه «حواء»، هي الأخرى، لم تكن تماماً، على يقين أن أناملها ستربت على كتفي ولدها مجدداً.
السجن، مهما كان، هو المساحة المقفلة الأكثر قسوة ورعونه.
على المرء أن يظل صعب المراس، لمواجهة أهوال السجن.
على الدوام، أمضى عبده شوعي كل تلك الاعوام بشكيمة قوية، لا تخلو من تضعضع أحياناً، ووهن، ومشاعر قانطة. وكان للضبيبي، والحق يقال، براءة التنقيب عن ذاك المهمش الدفين. وطبقاً لمعلومات شوعي فإن أمه وولده، قضى بصاعقة رعدية العام الفائت، قصدا زيارته قبل 10 سنوات من الآن. ما يعني أنه، علاوة على الـ7 السنوات السابقة التي، وإن بصورة متقطعة، تخللتها زيارات وجيزة، فقد أمضى السنوات الـ10 الأخيرات في غياب مطلق حقاً.
يستطيع، الآن فقط، إدراك معنى أن يعيش المرء وهو في حكم الموتى المندرسين.
في نهاية الأمر، السجن كون ذو نهايات مغلقة. وهناك، بالتأكيد سينمو مزاج مغلق، و«نوستاليجا» متوثبة، وسيكون وارداً ان تبقى مترتبات نفسية عالقة بشكل فادح.
ما يزال عبده شوعي يشعر باختناق فيما لو أقفلت باب الغرفة. الأحد الفائت هيأ له الصحفي الدؤوب علي الضبيبي نزلاً يليق بمظلومية رجل كابد ويلات النسيان.
أنزله فندقاً في شارع تعز. أثناء صعوده سلم العمارة خارت قواه. فركبتاه لم تعودا تسعفانه كيما يرتقي سلم 3 طوابق. «17 سنة وذولا (ركبتيه) مرقدين»، زأر شوعي مخاطباً الضبيبي، الذي راعه منظر شخص جاث على ركبتيه، وهو في عنفوان حياته.
ولئن كان في اكتوبر، العام الفائت يبتدر الضبيبي بنبرة محتدة: «أشا إطلاق سراحي، شيبت وأجزت داخل السجن»، فإنه اليوم يتمايل جذلاً، ذلك أنه أيقن أن كسرة الحياة التي لم يقضمها السجن جديرة بأن تعاش، هي أيضاً، بسيناريوهات أكثر ألقاً.
في 10 نوفمبر 2006 رحَّل حساباته مع غرمائه دفعة واحدة: «غريمي مات الله يرحمه، وشنتلاقى أنا وإياه والقاضي حمود الهتار إند الله».
على كلٌّ، حكاية شوعي ملحمية تنطوي على ما يكفي من المفارقات المركَّبة. فهو، فضلاً عن أنه يتسم بروح الدعابة، هو، فوق ذلك، يمتلك القدرة على إبكاء المصغين إليه.
أثناء الاحتفالية التي تبناها منتدى الشقائق في يوم العدالة العالمي 17 يوليو، ارتجل عبده شوعي كلمة المعسرين المفرج عنهم واستوى ككاهن يجيد إلقاء العظات.
حينما كان يتأهب للحديث، كان الجميع يرمقونه بذهول.
وكان العارفين يكون الرجل أمي يشفقون عليه. لكن الصمت أطبق على القاعة. وراح الجميع ينصتون بخشوع. ارتفعت نبرة الرجل، اغرورقت عيناه بالدموع، أجهش صوته. بعد وهلة كان الحاضرون يبذلون جهداً لتخبئة الدمع، إلا أنه تحدر بقوة.
قلما نتعرض لتجارب من هذا النوع. خبرتنا العاطفية لم تعتد كثيراً التماهي مع عذابات الآخرين حد البكاء.
أسدى عبده شوعي تجربة عاطفية بليغة.
بأي حال نحن ما نزال ننوء تحت أثقال متغلغلة في نسيجنا المعرفي الذي لا ينفك يئد أية بوادر عاطفية، تحت ذريعة أن الكل آثم، بطريقة أو بأخرى، والذي ليس كذلك بوسعنا تلفيق إثم يسد ذريعة التعاطف.
لكن، وعلى غير المعتاد، وفي الوقت الذي كان فيه عبده شوعي متكوماً في مطرح هامشي، وناءٍ، كان يتربع على متن صحيفة «النداء».
طيلة 8 شهور ظل في الواجهة. وبدل أن يبقى قيمة مؤجلة أو مقبورة، خرج في صورة لا يحلم بها السجناء عادة.

***
تكريم «النداء» في يوم العدالة العالمي

- منى صفوان

كانت "النداء" قبل عامين مضت قد حركت قضية المعسرين من خلال موضوع نشرته الصحيفة, وصف سامي غالب رئيس التحرير أن هذا الموضوع بقي راكدا وقتها حتى أكتوبر 2006 حين التقط أحد أفرد طاقم "النداء" (على الضبيبي) الموضوع وبدأ في متابعته متحديا الظروف المحبطة والقاسية, لتنشر"النداء" قضية 350 معسرا.
 بعدها حققت "النداء" سبقا صحفيا وحقوقيا, بإطلاق سراح عدد من المعسرين وعلى رأسهم عبده شوعي, الذي كان حاضرا على منصة التكريم ليتحدث باسم السجناء المعسرين المفرج عنهم, وليوجه سؤاله للحاضرين عمَّن المسؤول عن ضياع عمره داخل السجن, مكررا شكره الخاص للصحيفة وامتنانه لعلي الضبيبي الذي كان معهم متابعا القضية حتى تم الإفراج عنهم, ليرسل يومها عدة رسائل قصيرة لهاتف رئيس التحرير تلخص الانجاز الذي حققته الصحيفة.
 فرسائل "علي" التي استقبلها تلفون "سامي" ظهيرة ذلك اليوم كانت تعني قدرة الصحافة على الانتصار لحقوق الضعفاء متى قررت ذلك.
 كانت الرسالة الأولى تقول: "عندي قرار بالإفراج عن شوعي"، والرسالة الثانية قالت: "لن أخرج إلا بعبده شوعي", وفي الرسالة الثالثة كانا قد خرجا.. "خرجنا الآن من السجن", مع وصول الرسالة الرابعة كانا يتناولان الغداء.
 "النداء" التي انتظرت شهورا طويلة لتحقيق ذلك السبق, كان من حق من صنعوه التفاخر به والاعتراف لهم به.
 ومع التتبع للكلمات التي ألقاها احمد الوادعي، المحامي, ثم سامي غالب، رئيس تحرير الصحيفة, يتضح مدى نجاح التحالف الذي جمع بين الصحفيين والمحامين في هذه القضية.
 فقد كان المحامون يعطون بصيص الأمل للصحفيين الذين لم يتوقفوا عن نشر الحقائق والمعلومات دعما للقضية.
 وقبل ذلك كان منتدى الشقائق العربي قد حجب جوائزه للعام 2006, والتي كانت مخصصة لمجال الصحافة, وأرجع المنتدى ذلك لتواضع المواد المقدمة للمسابقة, إلا أن المنتدى عاد وكرم اليوم بدلا من ذلك في فعالية خاصة عددا من المختارين كمدافعين عن حقوق الإنسان.
 وحازت "النداء" على نصيب الأسد من الجوائز المخصصة للصحافة، فقد تسلم الزميل علي الضبيبي شهادة تكريم للدور الذي لعبه في تحريك قضية المعسرين, كما تسلم رئيس تحرير الصحيفة الشهادة التي منحت لـ"النداء", التي وصفت خلال الحفل بأنها متميزة ومتقدمة على غيرها من الصحف.
 احمد الوادعي، رئيس هيئة الدفاع، الذي رفض أن يلقب برئيس الهيئة، وأرجع الرئاسة لنبيل المحمدي المحامي, كاعتراف بفضله في تنشيط المجموعة وتحريك القضية, قال إن "الجهد القانوني في هذه القضية ثبت قاعدة قانونية". هذا بدوره يساعد قضية باقي المعسرين الذين لم يطالهم أمر الإفراج.
ويكمل الوادعي: "هذا يعكس ثقافة ما زالت سائدة في الوسط القضائي للأسف لا تهتم بحرية الإنسان وكرامته".
 وساعد في ذلك وجود امرأة متحمسة ونشيطة هي سميرة داود، زوجة حسن قاسم الهتاري أحد السجناء المعسرين. هذه الزوجة ساهمت في مساعدة الصحيفة و هيئة الدفاع للإفراج عن السجناء الذين انتهت مدد عقوباتهم ويُحتجزون دون مبرر قانوني.
 سميرة كانت قد شكلت ملتقى أسمته "ملتقى 17 يوليو" وتمكنت بمساعدة زوجها في السجن من إعطاء معلومات واضحة ومحددة للصحيفة عن أسماء السجناء المعسرين ومدد عقوباتهم وكامل المعلومات المطلوبة عنهم.
 إن هذا التحالف الثلاثي (بين الصحافة والقانونيين والمجتمع المدني) الذي استعرض أمس لا يمثل إنجازا حقوقيا بقدر ما هو إنجاز صحفي/ حقوقي.
 وبدوره أثنى سامي غالب على منتدى الشقائق، كونه كان شريكا في عدد من القضايا الحقوقية التي طرحتها صحيفته.
 الصحيفة أيضا كانت قد حققت سبقا آخر في قضية اللاجئين الذين طرحت قضيتهم، فبعد متابعة من الصحيفة أفرج عن إحدى اللاجئات التي كانت قد سجنت في الاحتياطي دون تهمة تسعة أشهر.
 وإن كانت "النداء" تزور السجن المركزي لمتابعة قضية المعسرين فإنهم الآن يزورونه لرؤية الخيواني الذي تسلمت ابنته "إباء" شهادة تكريم من المنتدى لوالدها المتمسك بحقه في التعبير, والذي يدفع ثمن ذلك في قضية اعتبرها الكثيرون محسومة. تكريم الخيواني لم يتضمن إصدار أي بيان تضامني معه في الفاعلية يطالب السلطات بالإفراج عنه, هو الأمر الذي كان قد طالب به سامي غالب في كلمته, التي أشار فيها إلى ملف المختفين قسريا وهو الملف الذي فتحته "النداء" منذ مايو الماضي, بما يجعل الصحيفة "منغمسة فعليا في قضايا حقوق الإنسان". تجربة "النداء" القصيرة علمت أصحابها أن الصبر الطويل يثمر إنجازا, لذا كان للصحيفة العديد من المنجزات التي فاخر بها رئيس التحرير ووصفها بأن لها "مذاق ساحر" بحيث اعتبر أن "الإنجاز هو قيمة أي عمل", لذا أجاز غالب "انغماس" الصحفي في تغطية قضايا حقوق الإنسان، متجاوزا بعض المبادئ الصحفية لكونه متعاطفا مع هذه القضايا (لا أرى في ذلك عيبا، خاصة في اليمن، لأن هناك الكثير من الانتهاكات).
المنتدى كرم أيضا محمود طه، الذي كان له الدور الأبرز في قضيه الطفلة سوسن, بحيث استطاع تحريك القضية, وتحفيز المنتدى نفسه للدفاع عن سوسن. وطه كان قد حصل على جائزة المنتدى في فبراير 2006 كواحد من الصحفيين المدافعين عن قضايا حقوق الإنسان.

***
رصد لأبرز محطات تحرير المعسرين

< في 11 اكتوبر الفائت (رمضان) نشرت الصحيفة تحقيقاً متعمقاً عن سجناء الحقوق الخاصة (الغارمين)، كشفت فيه عن وجود 350 سجيناً معسراً يقبعون في المركزي بصنعاء منذ سنوات. ونشرت تصريحات لمسؤولين في السلطة القضائية تقول بقانونية سجنهم (اعتبر التحقيق الأبرز خلال العام 2006 حد توصيف الزملاء في «نيوز يمن»).
< في العدد التالي نشرت «النداء» تصريحاً للمحامي نبيل المحمدي يقطع فيه بأن إبقاء المعسر رهن الحبس بعد انتهاء فترة العقوبة التي قررتها المحاكم جريمة موجبة للعقاب، وأن من حق هؤلاء السجناء تحريك دعوى مدنية ضد مدير المنشأة العقابية ووزارة الداخلية، وطلب تعويضات عن السنوات التي قضوها في السجن جراء التعسف في قراءة القوانين أو الجهل بها.
< بعد هذا التصريح أحجم المسؤولون في السلطة القضائية عن تقديم أية ايضاحات بشأن الموضوع، واستمرت الصحيفة في نشر حالات هؤلاء المعذبين وأسرهم.
< في 22 نوفمبر 2006 بعث 35 سجيناً معسراً بتوكيل للمحامي نبيل المحمدي ومن يرغب من المحامين التطوع معه وذلك لتحريك دعوى قضائية ضد النيابة العامة، ووزارة الداخلية بطلب الافراج والتعويض عما تكبدوه من خسائر وأضرار مادية ومعنوية نتيجة رفض النيابة العامة إحالة ملفاتهم إلى التنفيذ المدني في المحاكم.
< في 20 ديسمبر 2006 وافق المحمدي على الترافع الطوعي عن هؤلاء وانضم إليه 5 محامين هم: أحمد الوادعي، هايل سلاَّم، محمد المداني، ومحمد البذيجي، ليكَّونوا جميعاً هيئة للدفاع عن سجناء الذمة المالية.
< في 17 يناير 2007 انضم إلى قائمة الموكلين 20 سجيناً معسراً بينهم صاحب معرض «القادسية» للسيارات والمقاول الأديمي.
< في 24 فبراير أفرج عن 21 سجين حق خاص دفعة واحدة.
< في 18 ابريل 2007 التقت هيئة الدفاع بالنائب العام لمتابعة المذكرة المحالة إليه من وزير العدل المتعلق بموضوع موكليهم. وفي هذا اللقاء تم التباحث عن الإجراء المخالف للقانون بإبقاء المعسر رهن السجن وقد انقضت فترة العقوبة. وأبدى النائب العام تجاوباً إزاء الموضوع.
< في 2/4/2007 الفائت أفرج عن 8 سجناء معسرين.
< في وقت لاحق أرسل 73 سجيناً عريضة توكيل لهيئة الدفاع، ليرتفع عدد الموكلين إلى 137 موكلاً.
< في عددها المائة تاريخ 25 أبريل الفائت نشرت الصحيفة ملفاً متكاملاً من ثلاث صفحات خصصته للسجناء المعسرين، كشفت فيه عن وجود ما يزيد عن 12 سجيناً من جنسيات عربية وأجنبية يقبعون في السجن المركزي على ذمة حقوق خاصة، بينهم من لم تقضي المحاكم بحبسهم. وفي هذا العدد نشرت اسماء ومُدَد عشرات السجناء المعسرين الذين، قضت الأحكام الصادرة بحقهم باكتفاء المدة، وما زالوا في الحجز، وكذلك المحكومين بإعادات دون عقوبة بالحبس. وذكرت اسماء المحتجزين غير اليمنيين.
< لاحقاً التقت هيئة الدفاع برئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام، وخرجوا بصيغة اتفاق تقضي بالإفراج عن كل من انتهت فترة عقوبته بالحق العام وإحالة ملفاتهم إلى قاضي التنفيذ بعد أن تتولى النيابة العامة فرز الحالات.
< تواً كُلف قاض للنظر في دعاوى الإعسار والحكم لمن يثبت إعساره.
< في مايو أصدرت النيابة العامة أوامر إفراج عن 12 سجيناً، وفي يونيو عن 8.
< في 13 يونيو الفائت خصصت الصحيفة 3 صفحات للمعسرين ونشرت فيها اسماء المفرج عنهم على امتداد حملتها، وعرضت نماذج لبعض الحالات وأسماء سجناء عالقين بإعادات لم يسمها القضاة.
< تابعت «النداء» مجريات الإفراج، وفي عددها 107 نشرت اسماء 25 محتجزاً ما زالوا رهن الحجز رغم أوامر الإفراج.
< تالياً تلقى الزميلان سامي غالب وعلي الضبيبي طلباً من نيابة الصحافة والمطبوعات للتحقيق معهما في شكوى عضو نيابة جنوب غرب، علي عبدالجليل، بخصوص تطرق الصحيفة إليه في قصة الشاب السجين سام أبو أصبع القابع في السجن منذ سنتين رغم أن الحكم الصادر ضده نص على الاكتفاء بالتسعة الأشهر التي قضاها في السجن الاحتياطي.
< في أسبوعين (الأخير من يونيو، والأول من الجاري) أطلق سراح 11 سجيناً معسراً يتقدمهم أقدم سجين في قسم التوبة عبده شوعي النشري، الذي أمضى 17 سنة في المركزي بصنعاء.
< في عددها قبل الفائت بتاريخ يوليو 2007 أوردت الصحيفة نماذج لمعسرين غادروا السجن وجاءوا إلى مكتب الصحيفة.
< أمس منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان يَكّرم الزميل علي الضبيبي وصحيفة «النداء»، وبحضور عدد من المفرج عنهم.
> «أبرز محطات حملة «النداء» ، علماً بأن الصحيفة عرضت نماذج عشرات الحالات على امتداد اعداداها بدءاً من عددها 76، بالإضافة لحالات الأسر التي تعرضت للضياع بعد فقدان عائليها، كما وتواصلت مع بعض الأسر حيث تسكن، بعضها إلى عواصم عربية».