الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

عن خصخصة "المولد النبوي" ضدا على وحدة اليمنيين!

         أخطر ما تفعله جماعات "الاسلام السياسي" في المجتمعات العربية انها تجعل من مشتركات وجوامع هذه المجتمعات، أسبابا للفرقة والفتن والحروب الداخلية من خلال "مسيراتها" الإيمانية نحو احتكار تمثيل هذه المشتركات والجوامع وكل ما هو رموز دينية للمسلمين وتحويها مناسبات للاستثمار السياسي والتحشيد الفئوي.
 

       هذه الجماعات_ على تمايز خلفياتها وظروف وملابسات نشأتها وتباين دوافعها واختلاف بيئات نشاطها وتصادم مشاريعها التي تتغذى من صراعات القرن الأول الهجري و"السقيفة" و"الفتنة" و"صفين"، لها حركيتها الفارزة في المجتمعات العربية بما ان وحدة القياس الأولى لديها هي بين "مؤمنين" و"كفار"، أو بين "مهتدين" و"ضالين". وهي في مجتمعات متعددة مذهبيا كاليمن، تصير تلقائيا جماعات ضد وطنية تعادي، بالحتم، فكرة المواطنة والدولة المدنية لأن المواطنة هي مواطنة أفراد لا جماعات عضوية وغير عضوية. ولأن الدولة المدنية قاعدتها المساواة بين المواطنين الأحرار ولا تعترف بأية امتيازات لأي فرد أو جماعة ذات منشأ عضوي (امتيازات بالولادة) أو دعاوى ايديولوجية.

         الحوثيون، بما هم أخر نسخة من الجماعات الدينية المتطرفة في مجتمع يمني ثري ومتعدد مذهبيا، يتوسلون كما أية جماعة سياسية عصبوية تتدثر بالشعارات والقيم الدينية، خصخصة اسلام اليمنيين ورموزه لتحقيق أهداف فئوية (تتعلق بهم كجماعة) ومكاسب سياسية تتصل بمشروعهم التسلطي. يكفي العنوان الذي تتخذه هذه الجماعة لنفسها، وهو "أنصار الله"، للإمساك بالركيزتين الاساسيتين للجماعة وهما "الاصطفائية" التي تتغذى من مفاهيم داخلية من شاكلة "العلم" و"الولاية" و"المسيرة القرآنية"، ما يجعل من الجماعة "فرقة ناجية" تحارب أنصار الشيطان من أبناء اليمن! والاحتكارية التي تظهر من خلال السلوك الميداني للجماعة وعبر تحويل "رموز" الدين الاسلامي إلى مناسبات للفرز بين اليمنيين على اساس "موال" للجماعة و"كاره" لها، كما حدث اليوم من تجييش واستعراضات باسم الاحتفال بمولد رسول الاسلام ونبي الرحمة.
           ***

         خطورة سلوك جماعة الحوثيين لا تكمن في كونها جماعة حملت السلاح في وجه الدولة، دفاعا عن النفس أو عدوانا على المجتمع، وإنما في القيم العليا_ المفصح عنها منذ سنوات_ التي توجه هذه الجماعة الآن، والتي تفصح عنها بالخطاب والسلوك والمناسبات (المخصخصة)، والتي تجعل من حروبها حروبا مستدامة باسم استرداد ما هو حق مغتصب من "آل البيت"، ومن الأئمة المطهرين.

        هذا السلوك والخطاب الخطران للجماعة يتكاملان مع سلوك وخطاب أعداء هذه الجماعة المذهبيين والعنصريين الذين يتساوقون و"روحية" هذه الجماعة من حيث يريدون ضربها، فهم يضعون مشتركات وجوامع وطنية يمنية في مواجهة جزء من المجتمع اليمني يتم إخراجه من تعريفاتهم الحصرية والانعزالية ل"اليمن" ول"الوطنية اليمنية".
     اليمن في حرب.
     حرب عناوينها سياسية حتى الآن، تقررها وثائق ومبادرات واتفاقيات وقرارات دولية.
 

         لكن الحوثيين وخصومهم الاسلامويين والانعزاليين يريدونها حربا مذهبية وجهوية في لحظة يصعب فيها_ بفعل حماقات وخرافات سياسيه وحزبيه تجد حاضنة اقليمية ودولية ترعاها وترفدها بخبرات من الشام والعراق_ إدراك العوازل الرقيقة بين الجهوي والمذهبي!
  

       الحوثيون يتحامقون ويعبثون بالنسيج الوطني لليمنيين ويستعجلون قيامة "آخر"هم العقائدي والماضوي في اليمن (داعش).
     

       والحكمة تلزم خصومهم السياسيين بمراجعة أية تصورات (مسودة الدستور التفتيتي لليمن) والتراجع عن أية أوهام متعلقة بشكل الدولة في اللحظة الراهنة، والامتناع عن أي خطاب اوسلوك من شأنهما تسويغ شعارات الجماعة وشرعنة مطلبها _ المفصح عنه في الوثائق وفي الحركة_ باحتكار تمثيل مناطق وفئات من اليمنيين.
 

       الصراع في اليمن هو بين "شرعية" و"تمرد".
        ومن الواجب أن يبقى كذلك من أجل اليمنيين جميعا، من صعدة إلى سقطرى. وإذا واصلت "الشرعية" التشبث بترهاتها الفدرالية فإن الصراع سيتجه، حثيثا وأكيدا، باتجاه حرب أهلية صريحة، جهوية وطائفية، بين ظلاميين باسم "أنصار شريعة" وظلاميين باسم"أنصار الله".

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

صنعوا الإجماع على "الحرب" في موفنبيك قبل عامين وغادروا، أمس، إلى جنيف من اجل "الحوار" على وقفها!


_ مشروع الحد الأدنى ل"الجماعة" يفاوض مشروع الحد الأقصى ل"الشرعية"
_ استعادة السلام وانقاذ "الكيان الوطني" لليمنيين رهن بتخلي رجال "الرئيس" و"السيد" و"الزعيم" عن خرافاتهم وتهويماتهم واحلامهم!
_______________________________________________
الحد الأدنى لمشروع الحوثيين في احتكار تمثيل اليمنيين من اتباع المذهب الزيدي (وهو مشروع مستحيل التحقق) هو ذاته الحد الأقصى لمشروع الرئيس هادي والمشترك (اقليم آزال الافتراضي).
الفريقان اللذان سيتفاوضان في جنيف يمثلان مشروعين عصبويين يتقاطعان (=المنطقة المشتركة بينهما) في النظرة إلى نحو ثلث سكان اليمن على الأقل: الأول يريد احتكار تمثيلهم، والآخر يريد عزلهم بدلا من عزل التسلط وتحجيم مراكز القوى وإنجاز دولة مواطنة لليمنيين جميعا.
فريقان عصبويان يتفاوضان من أجل تنفيذ قرار دولي بإنهاء انقلاب طرف على الشرعية التوافقية، والعودة إلى المسارات السياسية. الأول لديه مسودة دستور كارثية تمزق اليمن وتسلم رقاب اليمنيين للميليشيات الجهوية والايديولوجية، والآخر لديه وثيقة فكرية تستحيي الدولة السلطانية بلبوس عصبوية اصطفائية احتكارية اصولية.
فريقان يمنيان صنعا، معا، في موفنبيك اجماعا على تفكيك الدولة ثم اختلفا بعد موفنبيك على العدد الذي ستتفكك طبقا له "الجمهورية اليمنية"، فتصرف الأول كسلطة على جمهورية افتراضية مخليا بين الميليشيات وبين الشعب بذريعة أن فراديس الفدرالية في نهاية الطرق، وشن الثاني حروبا استردادية لأخذ ما هو حقه، طبق تنظيرات الفدراليين الجمقى، انطلاقا مع صعدة بلوغا إلى صنعاء اولا.
ليس من حق أحد تجريد يمني من وطنيته.
لكن من الواجب القول، الآن كما في السنوات الماضية، إن الذين سيتفاوضون في جنيف غدا، عصبويون بالمشاريع التي يمثلونها. غدروا باليمنيين، كل بحسب طاقته، وأخذوا اليمن بالخرافات التي صنعوا الإجماع حولها في موفنبيك، إلى الحرب الداخلية _ الاقليمية.
***
يأمل اليمنيون في هدنة مؤقتة أولا. ويتمنون أن تتجدد هذه الهدنة مرة تلو أخرى. لكن استعادة الوحدة وتحقيق توافق، ولو في الحد الأدنى، حول مشروع سياسي يحقق السلام المستدام رهن، اولا وأخيرا، بتخلي ممثلي الرئيس في جنيف عن خرافاتهم الفدرالية _ ولو مؤقتا_ وتنازل رجال "السيد" عن تهويمات "الولاية" و"الحق الإلهي"، وتخلي رجال "الزعيم" عن "حلم العودة"!
مصير "الكيان الوطني" لليمنيين لن يقرره هؤلاء الذين سيتفاوضون في جنيف في حال تابعوا تمسكهم بخرافاتهم وتهويماتهم وأحلامهم. وقصارى ما سيحققونه _ في جنيف وما بعد جنيف_ هو تهيئة اليمن أكثر فأكثر إلى حروب مستدامة تكون الكلمة الفصل فيها للميليشيات، من صعدة إلى عدن.

الخميس، 19 نوفمبر 2015

"أغنية حب" يمنية في "زمن الحرب"!



       اليمن الجميل والثري والعزيز، اليمن المتعدد والمتنوع والمتماوج والمنساب والمتسامح، اليمن العريق ولكن الفتي، الأصيل لكن المنفتح، العميق لكن البسيط، الممتنع لكن السهل. هذا اليمن الذي نحب ونفخر ونتذوت فيه، هو يمن "العقد الفريد" من شعراء وفناني اليمن الكبير خلال القرن العشرين وبخاصة في النصف الثاني منه. أولئك الأخاذين يمواهبهم الأصيلة، الخارقة والخرافية. وبين هؤلاء الفنان الكبير أحمد السنيدار صاحب هذه الأغنية التي تتناول كلماتها شأنا اعتياديا في حياة الناس العاديين لكن "الثقافة الشفهية" في اليمن الحقت بها محمولات سياسية تجعل منها حاضرة في لحظات انعطافية كهذه التي يعبرها "اليمن".
        
       في الستينات والسبعينات كان اليمنيون يغنون وعيونهم على المستقبل. لكن الكلمة الفصل صارت للسلاح والعنف والتقتيل والتعصب والتطرف، فتفشت الماضوية من كل نوع وشاكلة بين اليمنيين، وازدهرت الميليشياوية ضدا على الوطن الذي غناه السنيدار والمرشدي وأحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله وابوبكر سالم والحارثي والسمة وعطروش وعبدالرحمن الحداد وفيصل علوي وأيوب طارش (أبرز اعلام الأغنية الوطنية ومبدع النشيد الوطني اليمني)، وكل مجايليهم من ورثة جيل الرواد وفي صدارتهم محمد وابراهيم الماس والقعطبي والعنتري والماس ومحمد جمعة خان.

       هذا تسجيل جميل لأغنية السنيدار "حبوب حبوب لا تغضب". وهي "اغنية حب" تدعو إلى التصافي والتصالح والتسامح، وتبشر ب"دولة الحب" الغلّابة، وهي جديرة بالاستماع اليوم، كما في كل يوم من "زمن الحرب".
    ______
  * رابط لأغنية "حبوب حبوب لا تغضب"، https://www.youtube.com/watch?v=hWY7T2Bs7jw

السبت، 14 نوفمبر 2015

"لماذا يكرهوننا؟" اسقط دولة العراق وجاء ب "داعش" التي ضربت أمس في قلب "أوروبا العجوز"!

_ "لماذا يكرهوننا؟" اسقط دولة العراق وجاء ب "داعش" التي ضربت أمس في قلب "أوروبا العجوز"
_ على الغرب، هذه المرة، أن يطرح السؤال الصحيح بشأن الإرهاب!
_________________________________________
تفكيك الدولة القطرية في العالم العربي، ورعاية اميركا والاتحاد الأوروبي لمشاريع التفتيت من العراق إلى السودان، ومن ليبيا إلى اليمن، هو أكبر جائزة يقدمها الغرب ل"الإرهاب".
قبل 13سنة كانت هناك دولة اسمها العراق على رأسها رجل يناصبه بوش الابن العداء. شنت اميركا الحرب عليه بذريعة أن نظامه يدعم "تنظيم القاعدة"، وهي ذريعة لم يصدقها أحد، وثبت زيفها. لم تكتف واشنطن وحلفاؤها في المنطقة بالإطاحة بصدام حسين بل تم تفكيك الدولة وتقويض البيروقراطية وحل الجيش والأمن، والترويج لفدرالية قومية وطائفية.
ما حدث أن اميركا شنت الحرب على دولة العراق، ومهدت لقيام "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق" ثم في العراق والشام، ثم في المشرق العربي والجزيرة، وصولا إلى مصر وليبيا والمغرب العربي. وها إن الإرهاب يضرب مجددا في قلب "أوروبا العجوز" بعد 14 سنة من ضربته في قلب الامبراطورية الاميركية.

للإرهاب عوامل محفزة لا تقتصر على السياسات الغربية الخرقاء و"الثأرية" ضد العالم العربي، وبخاصه مشرقه. بيد أنه من النفاق تبرئة الحكومات الغربية من مسؤوليتها في دعم الإرهاب في مراحل سابقة، واستمرارها في توفير بيئة مثلى لازدهاره في العالم العربي.
الإرهاب هو "الطفح" على سطح العالم العربي. والنفاذ من القشرة إلى النواة؛ إلى المرض لا العرض، يظهر أن لهذا الإرهاب أباء عديدون في المنطقة (حكومات مستبدة وفاسدة ومشاريع ومناهج وسياسات انعزالية تغذي التطرف) وفي الغرب (مقاربات عنصرية وحروب ظالمة وسياسات هوياتية واستخدام "أداتي" للإسلام السياسي منذ الخمسينات، في مواجهة أفكار وتوجهات وأنظمة ومعسكرات، ثم أسئلة غبية من شاكلة "لماذا يكرهوننا؟" تجوهر العربي والمسلم باعتباره "كارها" بالفطرة وبالعقيدة.
***
محزن وفاجع ما أصاب فرنسا و"العالم" أمس.
تمكن "داعش" من الضرب في قلب أوروبا هذه المرة.
وعلى الغرب أن يصحِح صيغة السؤال هذه المرة:
بدلا من "لماذا يكرهوننا؟" التي أدت إلى قيام "داعش" على انقاض العراق (والشام). فليكن:"لماذا من العالم العربي والاسلامي فقط يجيء "مرتدو الأحزمة الناسفة" منذ عقدين؟"، بل "كيف ومتى وأين ولد تنظيم داعش في المشرق العربي؟"
السؤال الصحيح يوفر الكثير من المبادرات العبثية وصفقات السلاح التي تفقر العرب وتهدر مواردهم الشحيحة بعيدا عن احتياجات التنمية والحياة الكريمة.
السؤال الصحيح يوفر، أيضا، جلسات "العصف الذهني" والزيارات المتبادلة لسياسيين وعلماء ورجال دين من "الغرب" و"الشرق" تعظم من منسوب النفاق من دون ان تخفض من منسوب التطرف والإرهاب.
والأهم أن السؤال الصحيح يوفرالغزير من الدماء والدموع في "الشرق الأوسط... وفي الغرب الأقصى وفي "الغرب الأدنى" أيضا.

الخميس، 12 نوفمبر 2015

من هو "علم العصر" لدى "الحوثية" وما هي مكانته في النظام السياسي اليمني وماذا يميزه عن "الإمام" وما هي آلية اختياره؟

من هو "علم العصر" لدى "الحوثية" وما هي مكانته في النظام السياسي ل"الجمهورية اليمنية" وماذا يميزه عن "الإمام" وما هي آلية اختياره؟
_____________________________________________
من هو "علم العصر"؟
ما هي دلالة هذا "المفهوم"؟
ما تاريخيته؟
هل هو مرتبة دينية أم هو مرتبة سياسية أم المرتبتان معا؟
هل هو معصوم؟
وإذا كان معصوما، لماذا تجيز "الزيدية" الثورة على الإمام الظالم؟
ما هي الفروق المائزة بين "الإمام" و"العَلَم"؟
هل لمفهوم "العلم" جذور عند الزيدية كفرقة اسلامية؟
أم إنه أضافة "حوثية" ل"الزيدية" و"تنويع" حوثي على مفاهيم اعتمدتها الحركات الشيعية السرية في العصر العباسي؟

إلى أي مدى صار "علم" الحوثيين "علما" زيديا؟
لماذا لا يقدم الحوثيين رسميا قائدهم باعتباره "علم العصر"؟
متى ظهرت مفردة "العلَم" في الخطاب التعبوي الحوثي أول مرة؟
هل أوردها حسين بدرالدين الحوثي في أوراقه التي اشتهرت باسم "الملازم" او "الملزمات"؟
هل مخالفة "الزيدي" العادي تخرجه من "الزيدية" في مفاهيم جماعة الحوثي؟
كيف يتم تعيين "العلم"؟
هل "تعيين" علم للزيدية يحول "اليمنيين" الزيدية إلى طائفة على راسها أمير كما بعض الفرق والطوائف في التاريخ الاسلامي؟
هل الزيدية تتيح أساسا احتكار الحقيقة في شخص واحد؟
ما مركزية "العلم" في النشاط الحركي للحوثيين في المحافظات؟
ما علاقة "الوثيقة الفكرية" للزيدية التي وقع عليها "الحوثي" بمفهوم "العلم" http://samighalib.blogspot.com/2015/09/blog-post_18.html
لمن الكلمة الاولى في دولة يوجد بها رئيس منتخب وسلطة شرعية منتخبة وممثلة للشعب و"علم"؟
هل يكرس "علم العصر" الفرز الهوياتي بين اليمنيين (المسلمين، زيود واسماعيلية وشوافع) أم ان مفاعيله في الواقع لا تتجاوز أتباع الحوثي؟
كيف يمكن لمواطن يمني أن يكون"علم العصر" وهو قائد جماعة مسلحة في مكان قصي من العاصمة؟
***
هذه أسئلة معروضة آمل الحصول على اجابات عنها، فقد استلفت انتباهي اكثر فأكثر، تكرار استخدام هذا المفهوم عند الحوثيين؟
***
_ العبارة أدناه هي تعبير صار يردده البعض كلما جاء على ذكر عبدالملك الحوثي في مقام احتفائي هو أقرب إلى التقديس منه إلى التبجيل والأحترام:
[علم العصر سيدي ومولاي السيد المجاهد العلامة حجة العصر عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله و نصره]

قاسم المفلجي جاء إلى العاصمة لإنقاذ والدته من السرطان فماتت كمدا في "التحرير"!

جاء إلى العاصمة لإنقاذ والدته من السرطان فماتت كمدا في "التحرير"!
اختفاء قاسم ابوبكر المفلحي في صنعاء بالتزامن مع حملات المسلحين الحوثيين الملثمين

________________________________
 
        الأستاذ قاسم ابوبكر سعيد المفلحي جاء من يافع إلى العاصمة صنعاء لغرض تدارك التدهور الصحي لوالدته الكريمة المصابة بالسرطان.
 

        غادر الفندق ظهرا قبل 6 أيام إلى ميدان التحرير بينما والدته وشقيقته في الفندق. ثم انقطعت اخباره، وانغلق موبايله.
 

       والدته من أسف توفت في صنعاء قبل يومين، وتم نقلها أمس إلى مثواها الأخير في "المفلحي" بيافع بينما هو مختف في صنعاء.
 

       بالنظر إلى الحملة التي شنها مسلحون على التحرير في توقيت مقارب لاختفاء الأستاذ قاسم، فإنه من غير المستبعد أن تكون المجموعة المسلحة نفسها هي من اختطفته.
سبق لي أن نشرت قبل يومين عن واقعة اختطاف عشرة اشخاص بينهم فتى اسمه نصر حسين شمسان الحمادي وعمه وصهره، من محلهما في "التحرير"، جوار برج الاتصالات، وذلك من قبل مسلحون ملثمون قدموا إلى الشارع على متن أطقم أمنية.

تتردد معلومات بأن المسلحين الملثمين أخذوا المختطفين إلى "الأمن القومي".
ما يعني أن الأستاذ قاسم المفلحي قد يكون هو الآخر محتجزا هناك بالخلاف للقانون.
***
 

       الخطف أو الاعتقال من "ميدان التحرير" في عاصمة الجمهورية اليمنية كان رائجا في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات. وهاتان الواقعتان هما مناسبة للتذكير بمختفين قسريا من السبعينات والثمانينات تم اعتقالهم من ميدان التحرير، أبرزهم عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين في مطلع الثمانينات الصحفي اليساري محمد علي قاسم هادي، وهو شاب من أبناء مدينة إب، اعتقل عام 1982.
***
        الحوثيون هم من يسيطرون على الأجهزة الأمنية في العاصمة صنعاء. وحدهم من ينشرون المسلحين في العاصمة. وحدهم من بوسعه ارسال مسلحين ملثمين (وغير ملثمين) إلى أي مكان في العاصمة، وحدهم من يهيمن كليا على وسط العاصمة وميدان التحرير. وحدهم من يمارسون جرائم "الاختفاء القسري" منذ اجتياحهم العاصمة اليمنية.
***
       اليمنيون يقدمون إلى عاصمتهم لأغراض شتى، بينها طلب العلاج في ظل نظام رعى مركزية قاسية في اليمن قبل الوحدة وبعدها.
 

       الأستاذ قاسم المفلحي قدم إلى صنعاء لغرض شخصي محض هو محاولة انقاذ حياة والدته. والدته الكريمة عادت إلى يافع بعدما توفاها الله في العاصمة صنعاء بينما هو مختطف في معتقل ما.
***   

       الحوثيون الذين تجرع بعض منهم محنة "الاختفاء القسري"، وبين هؤلاء اشخاص صاروا متنفذين في "دولة" جماعة الحوثي، مطالبون بفعل شيء من أجل قاسم المفلحي وغيره من الأبرياء الذين وقعوا في شباك مسلحيهم المتوترين.
***
. عبدالله البردوني:

    أيا وعلان قل أمسوا ب"صنعا"
           أمن يمسي بصنعاء ليس يصبح؟

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

عذبوا محمود ياسين بالكهرباء، ووضعوا محمد حسن دماج في مخزن ديزل معرض للقصف الجوي مدة اسبوعين

عن الحوثيين باعتبارهم "نسخة مطورة" من ممارسي التعذيب في اليمن!
عذبوا محمود ياسين بالكهرباء، ووضعوا محمد حسن دماج في مخزن ديزل معرض للقصف الجوي مدة اسبوعين

___________________________________________
الشاب نصر حسين شمسان الحمادي، 17 عاما، اختطفه الحوثيون "الملثمون" قبل 3 أيام من محل والده في التحرير، واختطفوا معه عمه وصهره. وعلى الأرجح فإنه محتجز في معتقل تابع لجهاز الأمن القومي.
يمكن ان يكون هذا الحادث نتيجة التباس معلوماتي أو وشاية. ويحتمل انه حدث محمولا على "كراهية" أو "انحراف" بقصد الابتزاز والسرقة.
لكن ماذا يضمن أن يتم تصحيح الخطأ سريعا، فيخرج المختطفون بسلام من "أدغال" الحوثيين؟
ماذا يضمن أن يخرج هذا الشاب سليما من براثن الحوثيين بعد الاشتباه به أنه مؤيد للعدوان؟
ماذا يضمن أن يخرج المئات في العاصمة صنعاء من زنازين الحوثيين بسلام بعد ان انتشرت روائح الجلادين الكريهة في أرجاءا ليمن؟
ماذا يضمن أن يكون مصير نصر، والآلاف من "النصريين" مختلفا في عالم "أنصار الله" عن مصير الهمداني وأمين الشفق ومحمود يس وصحفيي ذمار الذين قتلوا في غارة جوية لمنطقة تم وضعهم فيها رغم التحذيرات؟
***
الحوثيون صاروا محترفي تعذيب وحرق أعضاء جسدية حساسة. الحوثيون ساديون في سلوكهم ضد ضحاياهم دون تمييز.
هذا هي خسارتهم الكبرى بصرف النظر عن نتائج أية حرب أو مجريات أي قتال في اليمن.
لقد سقطوا اخلاقيا.
وانتقلوا من أصحاب "مظلمة"_ بصرف النظر عن أي خلاف حول دعاوى أطراف حروب صعدة ال6_ إلى ظالمين مستكبرين يخوضون حروبهم بالتحالف مع الرئيس السابق ضد كل اليمنيين.

_ لقد وضعوا الأستاذ محمد حسن دماج، وهو رجل تعدى ال70 من العمر، في مخزن ديزل في منطقة بصنعاء معرضة لقصف الطيران، مدة اسبوعين.
_ هناك غموض في مصير الأستاذ محمد قحطان القيادي الأصلاحي البارز. وهو رجل كان عبدالملك الحوثي والصف الأول من القيادة الحوثية يتوجهون معه، كتفا إلى كتف، إلى الكعبة في الصلوات في فندق موفنبيك او في مقرات الحوثي في صعدة بينما فلاشات الكاميرات تلمع مسجلة "الإخاء الاسلامي" للجمهور اليمني وللسفراء الغربيين.
يا للاخلاق الرفيعة!

أين هو محمد قحطان؟
باستثناء رواية عن مقتله في غارة جوية سعودية، نقلها الأستاذ علي البخيتي عن مصدر قيادي حوثي رفيع، لا جديد بشأنه.
هناك من يقطع بانه في سلام وأن واقعة مقتله ليست صحيحة.
لكن الحوثيين المؤمنين الذين يخوضون حروبهم الاستردادية باسم الله، ويحيوون المولد النبوي الشريف وذكرى استشهاد الإمام زيد، لا تلزمهم أخلاقهم الرفيعة بإطلاق سراحه ووضع حد لمعاناة اسرته وأحبته، أو حتى السماح له بالتواصل، عبر الموبايل، مع زوجته وابنائه.
****

لم يسبق لأية سلطة يمنية أن قامت بفعل يماثل هذا الفعل في وحشيته. وعندما خرجت ثورة ضد الرئيس صالح في فبراير 2011 ظن اليمنيون أن حقبة التعذيب بالكهرباء والاخفاء القسري قد طويت إلى الأبد.
لكن الحوثيين اثبتوا أنهم أصلا لتواريح وسير جلاديهم. وبينما اليمن يتخبط في الظلام جراء انقطاع الكهرباء، يفومون هم بإيصال شحنات كهربائية إلى "أوصال" ضحاياهم في المعتقلات السرية في العاصمة والمحافظات.


بالأمس استمعت من الزميل والصديق محمود يس إلى تفاصيل حول تعذيبه بالكهرباء في معتقل الأمن السياسي في إب.
كنت قد نشرت قبل اسبوعين عن واقعة تعذيب محمود بناء على مصادر خاصة في إب. لكنني لم اتصور أن تبلغ بهم الخسة حد تعذيبه بالكهرباء.
أخر صحفي تعرض لتعذيب في معتقل امن سياسي من هذه الشاكلة كان في الثمانينات.
لكن الحوثيين يجترحون المعجزات. ومنها تعذيب الكتاب والناشطين بالكهرباء التي انقطعت كليا عن أغلب المحافظات الشمالية منذ 4 أشهر.
إن كانوا عذبوا صحفيا وكاتبا مثل محمود يس بالكهرباء فمن في وسعه تصور التعذيب الذي ناله ناشط سياسي مثل أمين الشفق (إصلاح) تحمس لمبادرة "مسيرة الماء" وشارك في التحضير لها؟
كانت مصادر قد ذكرت أن العمود الفقري للأستاذ أمين الشفق قد تأذى لشدة التعذيب.
لنأمل أن يكون بخير.
***
هذه الممارسات الفاشية والسادية ليست مرتبطة بأجواء الحرب و"العدوان" كما يطنطن الحوثيون.
فالثابت أن الحوثيين مارسوا التعذيب فور اقتحامهم صنعاء. بل إن هناك شابا من همدان قتل بالتعذيب لمجرد مشاركته في مسيرة سلمية.
****
هناك مئات الجرائم التي وقعت في صنعاء، وفي محافظات يمنية أخرى، منذ سبتمبر 2014.
الحوثيون يتصرفون حيال المجتمع اليمني كأنهم من عالم آخر. لكأنهم جماعة ضد جماعة. ل1لك يصير كل مواطن من خارجهم هدفا مستباحا في أية لحظة.
***
الحوثيون يتحولون، كما أي جماعة مسلحة خارج القانون، من الشعارات الكبرى إلى ممارسة الجريمة باسم الله وباسم الثورة وباسم القرآن.
حدث هذا مرارا عبر التاريخ. ["الحشاشون" في عصور انهيار الخلافة العباسية على سبيل المثال، فقد انتهوا إلى مجرد عصابات جريمة تمارس القتل لحساب الغير، و"طالبان" التي اشتغلت في تجارة المخدرات، وجماعات مقاومة في سهل البقاع في لبنان اشتغلت في تجارة الحشيش، الخ...]

المفترض حيال جماعة من شاكلة الحوثيين، لها مركز قيادي موحد ومبجل، ان هذه القيادة ليست في معزل عن هذه الجرائم الخطيرة التي برتكبها مسلحو الجماعة ضد المواطنين الأبرياء.
هي المسؤولة أولا وأخيرا عن أية جرائم.
يحدث ان يختطف الحوثيون "مواطنا" من منزله أو من محله، باعتباره "عدو" المسيرة القرآنية ومؤيد للعدوان. يختفي عدة أيام. ثم يطلقون سراحة بعد تشليحه من كل أمواله.

لا جدبد في عالم "اللجان الثورية"و"المسيرة الخضراء".
لا جديد باستثناء أن حالة الفلتان الميليشياوية في العاصمة صنعاء تتفاقم وتنتشر إلى مناطق جديدة وضحايا جدد.
صنعاء مدينة كبرى. يحدث فيها كل يوم فظاعات لكن من دون أن يتنبه أحد إليها في أجواء الحرب والحصار و....والخوف.
***
الحوثيون ليسوا من كوكب آخر.
هم يمنيون كغيرهم.
هذا البلد بلدهم مثلما هو بلد اليمنيين الآخرين.
عليهم ان يتداركوا هذا النزيف في سمعتهم وفي اخلاقهم وفي صلاتهم بأبناء وطنهم.
والأيام "دولة" بين اليمنيين!

الأحد، 8 نوفمبر 2015

من واجب اليمنيين تأمين "وداع" في صنعاء يليق بمكانة الإرياني

 لتكن وفاة الإرياني مناسبة لاختبار ما تبقى من "انسانية" أطراف الحرب التي تدمر اليمن!
         ترجل بعيدا عن أمتاره الخمسه في "يمن" كان من أبرز مهندسيه وألمع سياسييه!
  _________________________________________
       
      
           رحم الله الدكتور عبدالكريم الإرياني. أحد أهم السياسيين اليمنيين منذ نصف قرن. لعب أدوارا بارزة في السياسة والإدارة منذ مطلع السبعينات.
         

       أسهم بعد الوحدة، وبخاصة بعد حرب 1994 في تصميم النظام السياسي القائم على "الحزب الغالب" أو "الحزب المسيطر". برعايته جرت عملية تحويل "التنظيم السياسي" لنظام الرئيس صالح في اليمن الشمالي (حيث المؤتمر الشعبي هو البديل السياسي للتعددية الحزبية والمعادل السياسي للحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي) إلى "حزب مسيطر" من خلال "اغلبية كاسحة" في انتخابات 1997 ثم "أغلبية ساحقة" في 2003 ف"اغلبية مميتة" في انتخابات 2006 المحلية.
        
      تابع حضوره السياسي الطاغي في 2011 عندما قامت ثورة شعبية ضد الرئيس صالح، إذ لاح وكأنه يتفهم دواعيها ومطالب شبابها. وقد اقترب لاحقا من الرئيس الجديد هادي محاولا إدارة انتقالة أخرى في "الحزب المسيطر" تتيح "خروج مشرف" آخر لصالح من رئاسة التنظيم الذي أسسه في مطلع الثمانينات وصار "حزبا" حاكما في مطلع التسعينات، فحزب "الحاكم" حتى 2011، فحزب نصف حاكم بعد 2011، ثم انتهى به المطاف إلى حزب متنازع عليه بين الحاكم السابق في صنعاء والحاكم الراهن المقيم في الرياض.
               ***
           هو أحد العناصر الأساسية للدارسين والباحثين والصحفيين اليمنيين والعرب والأجانب لفهم اليمن؛ عنصر عالي القيمة لكل راغب في قراءة متعمقة للحالة اليمنية المعقدة. فهو فاعل في السياسة والإدارة والحرب والحوار لا غنى لأي دارس أو باحث عن تتبع سلوكه السياسي ومواقفه وأدواره منذ نصف قرن. وهو أيضا قطب جاذب لكل أولئك الذين يقتربون من اليمن أو يدرسونه أو يؤثرون في قراره، يسمعون منه ويستمزجون رأيه ويستهدون بتقديراته وأحكامه. من هذه الزاوية يمكن فهم بقائه في موقع التأثير والنفوذ السياسي منذ مطلع السبعينات على رغم تعاقب الرؤساء والانقلابات والحروب، وعلى الرغم من التحولات الكبرى في اليمن التي دفعت بعديدين من مجايليه إلى الظل، وأحيانا إلى "دار البقاء"!
                  ***
         الإرياني ليس مجرد سياسي يمني داهية. فهو الوريث النجيب لأسرة يمنية عريقة (من فئة القضاة) كانت حاضرة في المجال السياسي والثقافي اليمني منذ قرون. وهو أحد اقارب الرئيس اليمني الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني (1967_ 1974) أحد أبرز رجال السياسة والثقافة في اليمن في القرن العشرين. وهو شقيق الشاعر والأديب اليمني الكبير مطهر الإرياني أحد أهم من شكلوا وجدان اليمنيين منذ مطلع الستينات بأشعاره وبحوثه وقصائده الغنائية الوطنية التي صارت علامات في سجل "الإبداع اليمني" وملحمة "الوطنية اليمنية".
             ***
        الإرياني هو السياسي اليمني الأكثر إثارة للجدل في العقود الأخيرة. فهو، ولا جدال، ذو توجهات وطنية صريحة. وفي بعض اللحظات تبدى وطنيا متعصبا، بل قحطانيا متحيزا كما هو الحال بالنسبة لعديدين من أسرته وكثيرين من فئة "القضاة" في اليمن.

إلى خلفيته الأسرية التقليدية، لاح قوميا عربيا في غالب الأحيان. ومن المعلوم أنه التحق بحركة القوميين العرب في النصف الثاني من عقد الخمسينات عندما كان ل"القومية العربية" بطلها في القاهرة، وجماهيرها العريضة في العالم العربي، وأحزابها وحركاتها السرية الفتية في المشرق العربي والخليج والجزيرة.
لكن الإرياني الذي تحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي (نهاية الستينات) من الولايات المتحدة الاميركية صار، لاحقا، قوميا معتدلا عند القوميين [بل قوميا متأمركا عند المتطرفين و"السلفيين" منهم] قدر ما بدا وطنيا يمنيا متعصبا في "عدسة" السعودية التي صارت الفاعل الأول في اليمن الشمالي في مطلع السبعينات. وهو أيضا لاح "ليبراليا" مستفزا في عيون رفاقه "الحركيين" وأصدقائه اليساريين.
              ***
        كل هذه الأبعاد والتحولات وزوايا النظر المتعددة والمتباينة جعلت من الإرياني رجلا "اشكاليا" بامتياز. هو موضع النقمة قدر ما هو محل الرجاء. هو رجل من الماضي لكنه من موقعه في "القمة" يصوغ المستقبل. وبعد 2011 لم يغادر الارياني السياسة كما توقع كثيرون وكما أمل هو. إذ أن الأزمة في الرئاسة الجديدة التي لا تترأس "حزب الرئيس" السابق، أبقت عليه مطلوبا في عالم السياسة. بل إنه صار "قناة الوصل" بين الرئيس الجديد وسلفه، وبين الرئيس و"حزب الرئيس" قبل أن ينحاز كليا إلى الرئيس هادي، ويحضر "مؤتمر الرياض" بعد انقلاب الحوثيين على "الشرعية التوافقية" وانتقال الرئيس الجديد إلى السعودية بالموازاة مع انتقال الرئيس السابق إلى "صعدة" بالسياسة وبالحرب.
                        ***

       لم يتفرغ الإرياني، وهو مثقف عميق وصاحب دراية واسعة باليمن وبالتاريخ والتراث، للكتابة من أسف. وكل من جالس هذا اليمني الاستثنائي يعرف أي مثقف كانه بمعزل عن حكمه في أي سياسي هو.
        الإرياني كما أي سياسي أمضى أغلب عمره قريبا من السلطة أو فاعلا رئيسيا فيها، يميل إلى التلميح في نقاشاته لكنه لا يمانع من التصريح إذا اطمئن إلى جلسائه. وهو كمثقف معتد بنفسه، يدرك قيمته وأهميته، ينحو إلى التقشف في الكلام في اللقاءات المفتوحة تاركا ل"أهل الخفة" المنصات والمكروفونات.
          

       كان الأقصر قامة بين أولئك الذين تصدروا المشهد السياسي في اليمن في العقود الأخيرة، لكنه كان أعلاهم قيمة وأشدهم أهمية وألمعهم حضورا. كان الأقصر إذ بالكاد يتعدى المتر والنصف متر، لكنه أطولهم عمرا في السياسة كما في الحياة، وأطولهم جذورا في السياسة كما في "الحكم".
      ويحضرني للتو وصف للأستاذ طلال سلمان محرر جريدة "السفير" البيروتية يكثف "شخصية" الإرياني، إذ قال _ وأنا هنا لا انقل تعبيره حرفيا_ إن من يلتقيه يخال أن هذا الرجل يبلغ من الطول "مترا ونصف المتر فوق الأرض، وخمسة أمتار تحتها"!
     والآن؟
     والآن، في هذا المساء الصنعائي الحزين، فإنه ما عاد حاضرا على أرض السياسة في اليمن، فقد توفاه الله قبل ساعات في أرض تبعد آلاف الأميال عن مسقط راسه. وصار من واجب اليمنيين أن يودعوا هذا الرجل بما يليق، وأن يجدوا سبيلا لنقل جثمانه إلى اليمن التي وهبها عمره. صار من الواجب أن يترفع اليمنيون على جراحهم واحقادهم ورغباتهم وعصبوياتهم، وأن يجعلوا من غياب أبرز سياسييهم فرصة لاختبار صلاحية ما بقي من "انسانيتهم" بعد 8 شهور من القتل والتخريب والتدمير والتجريف، وأن تتضافر جهودهم كيما يتاح للدكتور الإرياني، "القصير" والعميق، اللماح المتقشف، المناور المتجذر، الالتحاق بامتاره الخمسة الأخرى في بقعة ما، تحت هذه الأرض التي أحبها ووهبها من فكره ودهائه وعلمه، الكثير.

السبت، 24 أكتوبر 2015

دروس في "الحرب الأهلية اليمنية _الاقليمية"

_ تفخيخ الهوية الوطنية بمشاريع مقامرة يعني تهيئة "اليمن" لفوضى الميليشيات"
_ مخرجات الحوار الوطني تخدم تيارات العنف و"الجماعات العصبوية"المسلحة لا "الأحزاب السياسية"
 _ القفز على البديهيات هو أسرع طريق إلى الهاوية، والرئيس لا يمكن أن يحكم ضدا على "حزب الرئيس"
    _ المضاربة بين الأحزاب والجماعات محتملة في السياسة لكنها مدمرة في المراحل الانتقالية للأوطان
__________________________________________________ 
 
      يدفع اليمنيون منذ 3 سنوات ضريبة "القفز على البديهيات" في إدارة المرحلة الانتقالية من قبل سلطة الوفاق التي قامت بناء على تسوية اقترحتها "المبادرة الخليجية"، تسمح بخروج الرئيس صالح من الرئاسة ومجيئ نائبه هادي على راس سلطة يتقاسمها حزب الرئيس المثور عليه في 2011 وأحزاب اللقاء المشترك التي التحقت بشباب الثورة الشعبية بعد تلكؤ، ثم سيطرت على الساحات وفاوضت باسمها.
شملت التسوية منح الرئيس السابق ورجاله حصانة من الملاحقة القانونية، ومنح الرئيس الجديد صلاحيات فوق رئاسية تجعل منه حاكما بصلاحيات بلا ضفاف، وحكما لا راد لأحكامه من قبل أية سلطة في الدولة.
أبقت التسوية على "المنصب التنفيذي الأول" في الدولة في حوزة "المؤتمر الشعبي العام"، ومنحت هذا الحزب (أي حزب الرئيسين المغادر والوافد) نصف أعضاء الحكومة الجديدة، في مدة انتقالية من عامين اثنين تبدأ من انتخاب الرئيس الجديد (الاستفتاء عليه شعبيا) في 21 فبراير 2012.
***يدفع اليمنيون منذ 3 سنوات ضريبة "القفز على البديهيات" في إدارة المرحلة الانتقالية من قبل سلطة الوفاق التي قامت بناء على تسوية اقتر
كانت البديهيات تقتضي مغادرة الرئيس صالح السياسة بعد الرئاسة. فالحصانة تعني ضمنيا اعتزال السياسة، والخروج مؤقتا_ على الأقل_ إلى حين الانتهاء من المرحلة الانتقالية. والتقاسم في السلطة بما في ذلك حلول رئيس جديد في الرئاسة محل الرئيس السابق، يفترض انتقالا مماثلا في "الحزب الحاكم" أو "حزب الحاكم" يجعل من الرئيس هادي رئيسا للمؤتمر الشعبي العام إلى حين اجراء انتخابات رئاسية جديدة.
لم يعتزل صالح السياسة مع انتخاب هادي، بل بدا مصرا على العودة من بوابة "الحزب" الذي يرأسه. فتسبب هذا الإصرار في تبلور صيغة غير مسبوقة في العالم العربي، وبخاصة في دول الربيع العربي، لأن الرئيس لم يعد الرئيس؛ رئيس الجمهورية ليس هو رئيس "الحزب الحاكم" الذي صار_ نظريا_ حزبا نصف حاكم. أي أن "حزب الرئيس" لم يعد في رئاسة هادي "حزب الرئيس" بل "حزب الرئيس السابق".
يتعاظم الأثر السلبي (التحريفي) لهذه الصيغة إذا تذكرنا أن "رئيس حزب الرئيس الجديد" هو "الرئيس المؤسس" الذي خلع عليه المنافقون والمتملقون بعد خروجه من دار الرئاسة، وصف "الزعيم" بما يوحي بأدوار "زعامية" تنتظره بينها التمتع بسلطة الإشراف على الرئيس الجديد الذي يشغل موقع النائب في "حزب الرئيس".
لقد مكنت الحصانة صالح من الاستمرار في "السياسة" من موقعه الحزبي (ودعك الآن من أدوات القوة الأخرى التي يتمتع بها) جاثما بثقله على "المرحلة الانتقالية"، ومؤرقا بحضوره وديناميكيته "أوديب اليمني"، أي الرئيس الجديد الذي عاش في كنف "الأب" و"القائد"، قبل "الزعيم"، آخر 20 سنة من حياته!
تعلم هادي (النائب الذي صار رئيسا بفضل ثورة ربيعية ومبادرة خليجية) من رفقته الطويلة لصالح (الرئيس الذي صار "زعيما") اللعب بالأوراق الحساسة، والمضاربة بين القوى السياسية والاجتماعية المتنافسة، لكنه افتقر وهو يمارس "الاعيب" صالح و"مضارباته" إلى قدراته ومهاراته وديناميكيته. وفي هذه الفجوة بين السياسات والقدرات يمكن تفسير الكثير من الكوارث التي حلت على اليمن منذ 2012.
لقد لعب الجميع ضد الجميع. ولعب "الرئيس" ضد "الزعيم"، و"النائب" ضد "رئيس الحزب"، وها إن الرئيس و"الزعيم" و"حزب الرئيس" جميعهم قبالة "البديهية" التي تم القفز عليها في 2012.
***
خلال العام الأول من رئاسته الانتقالية، لاح الرئيس الجديد محروما من "أداة سياسية" تمكنه من "اللعب" و"المضاربة" و"الرقص على رؤوس الثعابين".
لكنه لعب وضارب ورقص، ثم سقط "رهينة" في قبضة جماعة مسلحة بدأت منذ صيف 2012 سلسلة من "الحروب الاستردادية"، بما هي صاحبة الحق في احتكار تمثيل المحافظات الشمالية (من ذمار، جنوب العاصة، وحتى صعدة).
ضارب الرئيس الجديد، اولا، بالحوثيين ضدا على صالح و"حزب الرئيس". وهو أدار اتصالات سرية، بعيدا عن أنظار حزبه وحلفائه الاصلاحيين، مع الحوثيين لغرض ايجاد هوامش اضافية تمكنه من الحركة متحررا من ضغط "الزعيم".
ضارب الرئيس الجديد، ثانيا، بالحوثيين ضدا على حلفائه الأقوياء وبخاصة علي محسن الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح. وفي عمران كان جليا أن الحوثيين يتحركون تحت مظلة الرئيس لا بوازع من تحدي سلطته.
ضارب الرئيس الجديد بالقضية الجنوبية ضدا على حلفائه الأقوياء في صنعاء. وهو جعل من "القضية" أداة ضغط وابتزاز واستقطاب. كذلك التهب الشارع في الجنوب غضبا من انقلاب الرئاسة والنخبة الحاكمة في صنعاء على التعهدات والالتزامات والبديهيات (وفي صدارة البديهيات الشروع فورا في سياسات جنوبية مغايرة لسياسات سلطة ما بعد حرب 1994).
ضارب الرئيس الجديد بين الجهات، وهو قارب "الشعب" من منظور عصبوي. ومن الواضح أن هادي لم يكن يرى_ من معزله الرئاسي_ يمنيين بل قبائل وعشائر ومناطق وجهات.
لم يكن هادي وحده في ما يخص "المضاربة" الأخيرة. فالحق والإنصاف يقتضيان الإقرار بأن كل أولئك الذين كانوا حوله في العاصمة _ مستشارين وقادة أحزاب وممثلي مجتمع مدني_ كانوا يقاسمونه النظرة ذاتها، ويتشاركون معه في صناعة إجماع بخصوص "أولويات" مخترعة ل"المرحلة الانتقالية" لا تنص عليها المبادرة الخليجية.
كذلك جرى ترحيل أية معالجات للقضية الجنوبية وآثار الحروب في صعدة. ذلك ان هادي والمشترك فضلوا المقامرة عبر إبقاء الأوضاع في الجنوب وصعدة ساخنة في خدمة "الهدف الاستراتيجي" المضمر، وهو تفكيك الجمهورية اليمنية إلى أي عدد من الأقاليم (الدويلات) باسم فدرالية متوهمة وغير مدروسة ومبشر بها من نخبة السلطة والأحزاب وجمهرة من ممثلي الثورة والحراك والمجتمعين المدني والحقوقي.
***
ازدهرت "ًصناعة الإجماع" إلى الحد الذي جعل من طرح أي سؤال تشككي بشأن جدول الاعمال (الانتقالي ثم الحواري) كفرا بواحا ب"الثورة" و"الحوار"، وموالاة صريحة للنظام السابق المثور عليه.
لاحقا، سادت الغوغائية والشعبوية في "مؤتمر الحوار الوطني"، وتعالت أصوات الإجماع في قاعات فندق 5 نجوم شرق العاصمة، وسط مباركة من "سفراء الدولة الراعية" للعملية السياسية في اليمن، وتنميق المعوث الدولي السابق لجدول الأعمال والوثائق النظرية التي يشارك هو في صوغها من موقعه ك"ميسر".
وبينما كان السلاح يتدفق إلى كل مكان في اليمن، من صعدة إلى المكلا، كانت المهرجانات الاحتفالية منتظمة في موفنبيك وفي مربعات أخرى في العاصمة ومدن يمنية أخرى.
ومع السلاح والمهرجانات كان الاحباط يزحف في اليمن محتلا كل يوم مربعات من وعود الثورة الشبابية وتطلعات الحراك الجنوبي الذي انخرط قسم منه في الثورة خلال اشهرها الأولى.
وفي موفنبيك كانت النخبة الحزبية اليمنية المعمرة (ومن التحق بها من شباب الثورة) يضعون، بأيديهم هم، مخطط أولى لانتشار الجماعات المسلحة في اليمن. كانوا باسم "اليمن الجديد" يرسمون خارطة يمنية جديدة تلائم الجماعات المسلحة والعصبويات الجهوية والايديولوجية التي كان ممثلوها يلتقطون الصور التذكارية في موفنبيك بينما مسلحوهم يتخندقون على امتداد الخارطة اليمنية الراهنة تمهيدا لفرض خارطة عصبوية جديدة بالسلاح.
كان "الفاقد" من قفز هادي والمشترك على البديهيات، يذهب إلى جراب الحوثيين بدرجة رئيسية، ولكن أيضا إلى جماعات مسلحة أخري أبرزها "القاعدة".
بكلمة موجزة، فإن نخبة السياسة في اليمن صممت خارطة مستقبلية تصب في صالح "جماعات" عصبوية غير حزبية، فاندلعت الحرب!
***
خلال الأشهر الماضية اختبر اليمنيون مشاريع هادي والمشترك، وتذوقوا منتجات "صناعة الإجماع": حرب مدمرة، واستقطابات راسية، جهوية وطائفية، وتفشي ثقافة الكراهية، وانتشار فاحش للمسلحين، وانحسار الدولة وتجريف اجهزتها وضعف الاندماج الوطني لصالح هويات جهوية ومذهبية متوترة.
منذ صيف 2013 _ وليس 21 سبتمبر 2014 أو يناير 2015_ والحروب الداخلية تعصف باليمنيين وبأحلامهم وبقيمهم الوطنية. لكن التبشير المتواصل لنخبة "الخراب الوطني"، والتنميق المستمر للمبعوث الدولي والسفراء الغربيين، والنفاق الدولي عموما، أخذ اليمن في فبراير الماضي إلى الهاوية: إلى الحرب الأهلية اليمنية_ الاقليمية.
***
هذه الحرب لم تكن حتمية أبدا كما يصور أصحاب الضمائر المعطوبة الذين انتقلوا من مرحلة التمجيد لحوار كيفما اتفق، إلى مرحلة التمجيد للحرب مهما دمرت وجرفت. انتقلوا من منصات قاعات فندق 5 نجوم في العاصمة إلى منصات فنادق في الدول المجاورة أو إلى فضائيات الأطراف التي صنعت الإجماع في موفنبك وصنعت الحرب في ما بعد موفنبيك.
***
لم تكن حربا حتمية أبدا.
وهي تعلمنا كل يوم معنى المحافظة على المكتسبات الوطنية، وعلى "علوية" الزطنية اليمنية على أية مشاريع عصبوية. وهي تزود اليمنيين بأدلة _ محسوسة، من نار ورصاص_ عن عواقب الانسياق وراء "صناع الإجماع" و"تجار الوطنية" و"محترفي السياسة" الذين لا يتورعون عن اللعب بالمحرمات من أجل البقاء في الصدارة.
هذه الحرب ليست حتمية.
والمأمول الآن هو ان لا تكون مستدامة.
لكن الواجب من الآن استخلاص العبر والدروس منها، والدرس الثاني الذي يتوجب استحضاره واستذكاره واستظهاره كل صباح هو أن تفخيخ الهوية الوطنية اليمنية يعني أخذ اليمن إلى "الفوضى". أما الدرس الأول الذي يتوجب البدء من الآن _ حتى والحرب مستمرة_ اعتمادة كقاعدة سلوك في إدارة الدولة، فهو ان القفز على البديهيات هو، بالحتم، قفز الى الهاوية، وأن "قِدمَ الأخطاء لا يجعل منها حقائق".

قرار تأسيسي في عدن: حظر حمل السلاح

قرار حظر حمل السلاح في عدن الذي اتخذه محافظ عدن الجديد مؤخرا، هو قرار تأسيسي شديد الأهمية في هذه اللحظة الحرجة من النزاع في اليمن. وهو قرار شجاع_ وإنْ جاء متأخرا_ يستحق الإشادة والتأييد والتفاعل الشعبي معه، بدءا من عدن.
وظيفة الدولة الأولى المقدسة هي تأمين مواطنيها، توفير الأمن للشعب، وهذه الوظيفة لا تكون إلا بممارسة السلطة الشرعية لحقها الحصري في استخدام القوة. وهذا الحق الحصري لا يكون إلا باحتكار القوة في المجال العام وحظر أية مظاهر تنافس "الشرعية" في أي من حقوقها الحصرية. وهذا هو الدرس المستفاد من "صعدة" التي لم تذهب إليها "الدولة" فانتشر "الحوثيون" في البلاد!
**

الدولة في اليمن لن يتم استعادتها إلا انطلاقا من عدن.
لن تُستعاد إلا في حال غطّت هذه الاجراءات التي بدأت في عدن، محافظات الجمهورية اليمنية جميعا، بلوغا إلى صعدة. إذ لا سيادة قانون في ظل سيادة مجزئة على أراضي ومياه الجمهورية اليمنية بين "سلطات" او "جماعات".

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

"ميثاق الشرف القبلي" أو زفرة "الحوثي" الأخيرة!



       وثيقة الشرف القبلية آخر الشطحات "الثورجية" للحوثيين. يمرون بوثيقتهم على الحارات لحشد التأييد إليها من خلال سجلات يوقع عليها سكان العاصمة صنعاء.
   
      هذه الجماعة تبرهن كل يوم إنها من طبيعة مغايرة لطبيعة الدولة، حتى وقد انفردت بإعلان دستوري تقول إنه "خطوة ثورية"!
            ***
       مواثيق الشرف تصلح لترتيب التزامات اخلاقية على متنافسين او أطراف متمايزين أو متنافسين أو حتى متعاركين.
     لكن خاطفي الدولة اليمنية يواصلون مسيرتهم التفتيتية للمجتمع باسم "ميثاق شرف" يفرز "جمهور" الجماعة عن اليمنيين الآخرين. بكلمة أخرى فإن ميثاقهم هو فرز عن سبق إصرار بين مواطنين بهدف تكريس واقع ينقسم فيه اليمنيون إلى جماعتين في اليمن:
         _ جماعة الحوثيين وجماعة اليمنيين.
           _ بتعبير آخر، جماعة الحوثيين و"الجماعة الوطنية اليمنية"، أي الشعب اليمني.
     ***
  "ميثاق الشرف" الحوثي، هو أداة فاشستية أخرى لإثارة الشقاق بين اليمنيين وإشاعة النفاق في صفوف غير المؤيدين لهم الذين يخشون أذيتهم.
    هو من زاوية "الشرعية"، الشرعية الشعبية الحقة لا شرعية مدعاة من أي طرف، تعبير عن انكشاف لا عن امتلاء. وهو بالتالي إشارة على "قلق مصير" يستبد بجماعة تقول إنها أنجزت "ُثورة" شعبية في 21 سبتمبر 2014، وأعلنت سلطتها الثورية في 6 فبراير 2015 (الاعلان المنفرد للجماعة) لكنها في ساعة الشؤم التي تعيشها لم تعد تفكر بانتخابات عامة بل ب"التزامات" فردية من جزء من السكان بأن يقاتلوا تحت رايتها وأن يتصدوا لكل من يناهض سلطتها أو يمالئ العدوان ويناصر "الشرعية".
       هو "ميثاق" لا يحوز على أية "قوة شرائية" في أية مشاورات حول تنفيذ بنود القرار الدولي 2216 الذي يقول ولد الشيخ إن الحوثيين وافقوا عليه. ولن يكون "سندا" في يد المفاوض الحوثي في مواجهة "الشرعية" بل "دليل" آخر على أن آخر ما يكترث إليه الحوثيون هو "السلم الأهلي" في اليمن. وأن هذا "الميثاق" هو "زفرة الحوثي" الأخيرة!

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

مشروعان أديا إلى الحرب فاسقطتهما: ماضوية الحوثيين وتبشيرية هادي والاصلاحيين!

في هذه الحرب سقط مشروعان:
_ مشروع تحالف الحرب الداخلية، وهو مشروع تسلطي استحواذي احتلالي احلالي، يستهدف تقويض "الشرعية التوافقية" والعودة باليمن إلى ما قبل 2011 مبدئيا، وان تمايزت دوافع الحليفين صالح والحوثي بعد ذلك؛

_ مشروع الرئيس هادي والتجمع اليمني للإصلاح واحزاب المشترك، وهو مشروع تفكيك الجمهورية وتفتيت الجماعة الوطنية اليمنية باسم "فدرالية" براقة ليس لها قوائم على الأرض كما تُظهر مجريات الأحداث منذ الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني في يناير 2014. هذا المشروع الاحتيالي الخرافي المترع بالرومنسية والمغمس بالتبشير هو مشروع مطرز بالإرجاء بما أن "فدرالية" هادي والمشترك هي فدرالية آخروية تستلزم مراحل انتقالية، واحدة تلو أخرى.
المشروعان سقطا: مشروع الانقضاض على الدولة ومشروع الانسلال منها إلى "جنات" تجري من تحتها "دماء" اليمنيين.
ماذا بعد؟
الهدف الأسمى، راهنا، هو استعادة التوافق واستنقاذ الدولة واستنهاض المجتمع حول مشروع وطني جامع. والمشروع الوطني الجامع هو بالضرورة نقيض المشروعين التسلطي الاستحواذي والتفكيكي التفتيتي. وهو بالتأكيد السبيل إلى تجنيب اليمنيين جميعا بطش الميليشيات بمختلف اصنافها.

المشروعان التسلطي والتفكيكي هما بالطبيعة انعزاليان. فالتسلط باسم "وطنية يمنية" مدعاة تقوم على تعريفات حصرية من شاكلة تلك التي يضخها خطابا الرئيس السابق صالح وعبدالملك الحوثي، هو انعزالي بالتأكيد ف"اليمن" ليس صنعاء أو مجموعة قبائل في بقعة من بقاع اليمن، ووطنية من شاكلة "وطنية" الحوثي وصالح هي في واقع الأمر عصبوية جهوية كانت على مر التاريخ اليمني الحديث "عامل التحريف" الأول الذي يحول دون اندماج وطني قوي ومتعاف في اليمن. كما أن توهم الإفلات من الجغرافيا والتاريخ باسم "حوار وطني" هو في واقع الأمر "مهرجان" شعبوي لإنتاج حلول انعزالية جاهزة (حلول قبلوية يصير مؤتمر الحوار مجرد منصة لإطلاقها) توافَقَ عليها جزئيا أطراف السلطة الانتقالية لا اطراف الحوار الوطني المزعوم. وهي حلول انبنت على تفخيخ الهوية الوطنية اليمنية عبر تفكيك الدولة وتعزيز هويات ما قبل وطنية او جهوية، بوهم أن ذلك يسرع من عملية التحول نحو فدرالية مُبشر بها.
من صعدة إلى عدن تتجلى اليوم مظاهر هذين المشرعين المدمرين: فالسلاح غير الخاضع ل"الشرعية" هو صاحب القول الفصل، هو السيد والآمر والمتحكم على الأرض. ولأن للسلاح المنفلت من "الشرعية"، الشرعية بما هي سيادة قانون، أبطاله فقد تقدم الحوثيون، أولا، من صعدة باتجاه العاصمة حيث نخبة "السبات الهني" برئاسة هادي، ثم نزولا إلى تهامة وتعز والبيضاء ومأرب ولحج وعدن. وفي المقابل تقدم "أنصار الشريعة" [القاعدة] في المكلا، وظهر تنظيم الدولة الاسلامية [داعش] في عدن. وتفشت الميليشياوية في مختلف المحافظات اليمنية.
هذان مشروعان يفتكان باليمن: الإنسان والهوية والكيان. هما مشروع الحوثي_ صالح، ومشروع هادي _المشترك.
الحرب هي حصاد المشروعين، وهي مقتلهما.
لكن الخطر الراهن هو في المشروع الثالث؛ مشروع "اللادولة" أو دويلات وإمارات الجماعات المسلحة.

هذا، إذاً، وقت اعادة الاعتبار إلى "المشروع الوطني"، مشروع دولة المواطنة وسيادة القانون الذي خرج ثوار 2011 في طلبه قبل أن ينقلب عليهم اطراف السلطة الانتقالية والممثلون الافتراضيون للثورة والحراك الذين تم جلبهم إلى فندق 5 نجوم شرق العاصمة صنعاء.

عن التنكيل بمبدع أنتصر بشحنة مياه للحياة في اليمن

الزميل العزيز محمود يس قام بمبادرة نبيلة من أجل كسر حصار وحشي على مدينة تسكن قلوب اليمنيين من صعدة إلى المهرة.
ابقاؤه في معتقل الأمن السياسي في إب من قبل جماعة الحوثيين هو وصمة عار في جباه قادتها. وأي تنكيل يتعرض له في فترة اعتقاله (بالأحرى فترة اختطافه من جماعة لا تقيم وزنا للقانون وأجهزة العدالة) سيسجل كسابقة في اليمن منذ اعلان الجمهورية اليمنية في 1990، بنظامها التعددي وهامش حرية الصحافة المتأرجح مذّاك.
محمود ياسين صحفي وروائي معروف، لم يحمل سلاحا يوما ولم يغرس شحنة متفجرات في منزل أحد، وإنما أراد أن يعبر عن انسانيته بطريقته الخاصة عبر انزال "شحنة مياه" إلى مدينة يمنية عطشى.
***
الحوثيون يفحشون في عدائهم للصحفيين كأن الصحفيين هم من أذاقوهم الويلات في الحروب الست على صعدة (وفي صعدة).
محمود يس صحفي ومبدع يمني استثنائي، ومن الخزي أن يتم اعتقاله واساءة معاملته من قبل جماعة مسلحة اجتاحت محافظات يمنية وتجرف كل ما له صلة بالدولة والمواطنة وسيادة القانون.

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

عن صالحة البان بما هي "اليمن" المُسقط من حسابات الكائنات الفندقية!

      من المرجح ان ينضم مئات الضحايا في هذه الحرب (المستعرة والمسعورة) إلى قوائم المختفين قسريا في اليمن.
       لا توجد تقديرات ذات قيمة بشأن اعداد المختفين قسريا في اليمن. وإذا أردت أن أجازف فإن عددهم لا يقل عن 5 الاف بدءا من نهاية الستينات من القرن الماضي.
في 22 مايو 1990 قامت الجمهورية اليمنية. في مثل هذا اليوم، ولكن قبل 18 سنة من الوحدة (أو 43 سنة من كتابة هذا المنشور) انقطع أي تواصل بين الشابة صالحة البان وزوجها وابنها البكر وآخرين من اسرتها.
       بعبارة أكثر تكثيفا لحالة صالحة فإنها أمضت 15 سنة رفقة شريكها وثلاثة اضعاف هذه الفترة في انتظاره.
        على الجملة فإنها أمضت ثلثي عمرها تقريبا تنتظر رفيقها وابنها وشقيقها وصهرها. لكنها لم تتلق أي بلاغ بشأنهم حتى اللحظة.
ليت هذا فحسب!
       المخزي ان صالحة لم يتح لها قط أن تبوح بمأساتها.
       لم تحظ قط بالتفاتة من أية ناشطة نسوية.     

        لم تكلف أية منظمة حقوقية أو نسوية نفسها عناء الذهاب في رحلة سياحية إلى بير جابر أو الحمراء في لحج، وعلى هامشها يتم الاستماع إلى هذه المرأة، او حتى التدقيق في قسماتها وما حفرته الخيانات والخيبات من اخاديد في وجهها.
      

      صالحة البان هي "اليمن" المغدور والمخذول والمعذب والمنسي في قاعات الفنادق وفي منصات العرض وفي ساحات القتال وفي "حسابات" الكائنات الحقوقية الفندقية.
***

        لقد عنى 22 مايو الكثير لأسر المختفين قسريا في شظري اليمن، خصوصا وانه اطلق وعود الديموقراطية وحترام حقوق الإنسان. لكن الرجلين الذين قررا الوحدة رفضا فتح ملفات الماضي التي يجب ان تنفتح. وقد كانت الذريعة الرومنسية هي أن "الوحدة تجُب ما قبلها". لكن ما قبل الوحدة لم يكن محض ملفات ومؤامرات ومخططات وحروب همجية. كان هناك الآلاف من الزوجات والأمهات والآباء والأبناء يعولون على هذه الوحدة في الشمال والجنوب. لكن الحكام والوحدويين الفوريين قرروا أن 22 مايو هو بداية التاريخ اليمني.
       الحق انهم لم يغلقوا ملفات الماضي بل تركوها فاغرة في انتظار جولة صراع أخرى. كذلك اندلعت حرب 1994، وكذلك اكتملت دورة جديدة في التاريخ اليمني في ظرف 4 سنوات فقد خرج المنتصر من الحرب ليعلن أن يوم 7 يوليو 1994 هو "نهاية التاريخ" اليمني.
       

      في كل حرب في صعدة شهدنا مقاربات سلطوية وميليشياوية مماثلة.  
      في فبراير 2011 انخرط الآلاف من أقارب المختفين قسريا في ساحات الثورة. تجددت آمالهم في كشف مصائر ذويهم. وفي 2012 بدأ اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام لعبة مساومات بشأن الماضي. وقد أدت المساومات إلى تعطيل أية فرصة لمعالجة قضايا المختفين قسريا بروحية "ثورة فبراير". وبدلا من ذلك انتج الحوار الوطني نصوصا أخرى تتعلق بضحايا صراعات الماضي، وفي الأثناء كان المتحاورون يستعدون لجولة حرب جديدة في نهاية "الرحلة الترفيهية" التي احتضنها "كوكب" موفنبيك. تلك الرحلة التي نظمتها الأمم المتحدة ومولتها الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، وشارك فيها الذئاب والثعالب والظباع، ومعهم عينة منتقاه من الحملان والأرانب وكائنات لطيفة اخرى.
***
      في 2012 وما بعده رفض هادي والنخبة الصاعدة إلى السلطة مجددا مثل الاصلاح والاشتراكي والناصري وأحزاب أخرى، التعاطي الجاد مع ملف المختفين قسريا. لقد تواطئوا ضد الضحايا ومن اجل السلطة. وها إن الغموض يلف مصائر قيادات كبيرة في الدولة أحدهم شقيق الرئيس نفسه، وقياديين بارزين في الأحزاب أشهرهم الأستاذ محمد قجطان (القيادي في الإصلاح)، ومئات آخرين (على الأقل) سياسيين وعسكريين ومقاتلين في صفوف ميليشيات ومقاومات.
***
       هناك جراح تتعفن في اليمن. وإن لم يبادر العقلاء في هذا البلد إلى التحرك ضد أولويات القتلة واللصوص والمهربين ومحترفي التعذيب في السلطات المتعاقبة والميليشيات، فإن الغرغرينا ستجتاح الجسد اليمني من أقصاء إلى أقصاه.

___________________
. في التعليقين الأول والثاني تجدون رابطين: الأول وفيه اغلب مواد ملق المختفين قسريا الذي نشرته النداء في صيف 2007، والآخر يضم ورقة قدمتها إلى ندوة حول الملف في 2008. من أسف فإن الصور لا تظهر في الرابطين لأسباب فنية متصلة بتعطيل موقع صحيفة النداء في الانترنب. https://www.facebook.com/sami.ghaleb/posts/10153805827490312?notif_t=like

الأحد، 4 أكتوبر 2015

وديعة "الفضول" التي صارت "نشيد" اليمنيين العابر للانقلابات والحروب والحدود

في صيف 1977 طلب الحمدي من "أيوب" ان يغنيها في تعز. وبعد سنوات طلب علي ناصر من ايوب تحويلها إلى نشيد وطني
وديعة "الفضول" التي صارت "نشيد" اليمنيين العابر للانقلابات والحروب والحدود
___________________________________________________________
 
       في نهاية صيف 1977 التقى الرائد عبدالله عبدالعالم عضو مجلس القيادة ورفيق الرئيس ابراهيم الحمدي، الفنان أيوب طارش وسلّمه "وديعة" من الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان "الفضول".
     كانت "الوديعة" قصيدة شعرية طلب منه تلحينها.

     امضى أيوب طارش عدة ليال في تحويل "الوديعة" إلى "أغنية".
***
      في جلسة رائقة في منزله في مدينة تعز في 2012، روى أيوب لي، ولأصدقاء أخرين، كيف ان مقطعا من القصيدة استعصى عليه وهو يشتغل على تلحين القصيدة، علما بأن "الفضول"، كما القمندان والمحضار، يكتب الشعر ملحنا!
 

      نال الإجهاد من الفنان، ونام مهجوسا بالمقطع الذي استعصى عليه [أظن أن المقطع هو "في خطى الواثق تمشي قدمي.. مثل سيل وسط ليل يرتمي"].
       يقول إبوب إن اللحن واتاه بينما كان نائما لكأن قوة ما أوحته إليه.
       وهو إذ صحا في هزيع أخير من ليلة مضطربة، سارع إلى جهاز التسجيل لينقل ما جاءه هاجسا في نومه إلى نسخة صوتية بالعود قبل أن يتبخر كأضغاث الأحلام!
 

      في يوم من أيام أغسطس من ذلك العام كان الرئيس ابراهيم الحمدي يستمع في مجلس مقيل في صنعاء [ربما في منزل الغشمي] إلى قصيدة الفضول مغناة بلحن وصوت أيوب طارش يرافقه كورس من شباب سلاح "المظلات" الذي يقوده عبدالله عبدالعالم. وهو أبلغ أيوب أنه يود لو أنه يسمع هذه الأغنية في حفل ينوي حضوره يمناسبة الذكرى ال15 لثورة سبتمبر في مدينة تعز.
     

      في 26 سبتمبر 1977 احتفل اليمنيون بعيد الثورة كما لم يحتفلوا من قبل. كان الفرح يشمل اليمنيين في الشمال والجنوب. وكانت الوعود تستحيل واقعا وانجازات في عهد ذلك الرئيس المحب الذي نجده في ثنايا كلمات الفضول وأوتار صوت أيوب طيلة هذه الأغنية.
    

      عاد الرئيس الحمدي من جولة في المحافظات (في اليمن الشمالي) إلى صنعاء. وبينما كانت التحضيرات تجري في عدن (عاصمة اليمن الجنوبي) لاستقباله في احتفالات ذكرى ثورة 14 اكتوبر، كانت عصابة وضيعة في صنعاء تنفذ مخططا انقلابيا ضد نظامه (بإشراف سعودي، وربما غربي) أدى إلى تصفيته وتصفيه أخيه الرائد عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة، وأخفاء أبرز مساعديه الرائد علي قناف زهرة والرائد عبدالله الشمسي وآخرين.
***
      بعد سنوات كان أيوب طارش في زيارة إلى عدن. وقد طلب منه الرئيس، عهدذاك، الاشتغال على الأغنية لتصير نشيدا وطنيا لليمن الجنوبي.
 

       في 1990 صار النشيد الوطني لليمن الجنوبي هو النشيد الوطني للجمهورية اليمنية. لكن شخصا ممسوسا ب"الأممية" بما هي "شيوعية" أشار على السلطة إحلال مفردة "سرمديا" محل مفردة "أمميا"، وقد استثار هذا التتحوير الأخرق غضب الشاعر الكبير عبدالله البردوني الذي كتب ناقدا هذا التصرف الغشوم في القصيدة.
         ***
       هذه الأغنية الخالدة، التي صارت نشيد اليمنيين العابر للاتفاقيات والمعاهدات والثورات والانقلابات والحروب والحدود، هي مصب كل جميل في تاريخنا وهي نبع الوعود التي لما تتنزل بعد.
        ****
      نستمع إلى أيوب طارش يصدح بنشيد "اليمنيين" ونتذكر بعذوبة الشاعر الفضول والرئيس ابراهيم الحمدي، ويغمرنا الامتنان لهما ولعشرات آخرين، صاروا "الزاد" لليمنيين في رحلة عذابهم التي طالت بفعل الانانيات والعصبويات والعصابات التي تتدثر بالوحدة وبالثورة والدين، لتسرق الأحلام من حدقات عيون الأطفال وتسكب النار على أزهارنا كي تحرقا.

       نستمع إلى أيوب طارش فتنبض قلوبنا بحب اليمن العريق الفتي، الراسخ كالجبال لكن المتماوج كمياه خليج عدن، الفقير لكن الشاهق كما أشعار الفضول وصوت أيوب.
______________________________
* "رددي أيتها الدنيا نشيدي"، في تسجيل مبكر بصوت الفنان اليمني الكبير أيوب طارش.
https://www.youtube.com/watch?v=mYitgb2IdYM

الجمعة، 2 أكتوبر 2015

في اليمن عدوان ل"الشرعية التوافقية" أحدهما في صنعاء والآخر في عدن

في اليمن عدوان ل"الشرعية التوافقية" أحدهما في صنعاء والآخر في عدن
_ ضرب "الهوية اليمنية" هو أكبر دعم ل"أنصار الله" و"انصار الشريعة" و"داعش"!
_ اليمن لن يحكم بجماعة أقلوية، وهزم مشروع الحوثيين لا يكون بمشاريع تجعل من اليمنيين أقليات وأكثريات جهوية ومذهبية في محافظاتهم!
____________________________________________________

تفخيخ الهوية الوطنية اليمنية بمشاريع التفكيك الطائفية (والجهوية) يعني أخذ اليمن إلى فوضى الميليشيات.
المتحاذقون الذين يظنون أنهم قادرون على اقتناص "دولة" أو "دويلات" في أتون هذه الحرب المدمرة، يسلمون رقابهم ورقاب اليمنيين إلى جماعات أيديولوجية اسلاموية مسلحة.
في اليمن توجد هوية وطنية واحدة هي "الهوية اليمنية".
وتوجد هويات فرعية (محلية) لا يوفر أي منها استغراقا في الانتماء (ذاتية وطنية) لليمنيين في مجال جغرافي عابر لأكثر من محافظة أو محافظتين. وفي أفضل الأحوال فإن أية عصبية ما قبل وطنية لن تكون أشد حضورا وجاذبية من مشروع "الحوثيين" الذي شهد طفرات في المحافظات اليمنية، شمال العاصمة صنعاء، انطلاقا من الإلحاح على احتكار تمثيل السكان من اتباع المذهب الزيدي في ظل رواج مشاريع فدرالية انعزالية تنبني على إدارة الظهر لهذه المحافظات لا على تفكيك مراكز النفوذ فيها وبسط سلطة الدولة عليها بدءا من صعدة.
اليمنيون مبلبلون في ظل فراغ قيادي على المستوى الوطني.
وعودة الرئيس هادي ونائبه بحاح إلى مدينة عدن لا يبدو انها تصنع الفارق. فالظاهر هو استمرار الانفلات الأمني وفوضى السلاح في اعرق المدن اليمنية وألصقها بالعصر. وفي الأثناء يستعرض "تنظيم الدولة" انجازاته الجهادية في مواجهة الحوثيين وعملاء اميركا في "ولاية عدن_ أبين" عبر فيديوهات يبثها موقعه في مركز الخلافة الاسلامية (العراق).

وفي المكلا يواصل تنظيم القاعدة فرض سيطرته واصلا بنفوذه إلى مدن أخرى في محافظة حضرموت، فارضا نمطه الثقافي على السكان عبر أدواته الشرعية والأمنية والدعوية. وفي هذا السياق يتم تدمير بعض المزارات والقباب والأضرحة، بينما تتعمد "قوات التحالف" و"الشرعية" التعامي عن هذه التطورات بذريعة أن "القاعدة" و"داعش" ليس في قائمة الأولويات المستعجلة!
هذا هو الشهر السابع للحرب.
لا تلوح فرص حقيقية لاستعادة السلام في هذا البلد المنكوب بالجوع والمرض والجهل والحروب الدورية.
يواصل الحوثيون الطنطنة عن "الثورة" و"الوطن".
يتابع المعلقون الذين يواظبون على الظهور في الفضائيات الخليجية، بالعقالات أو بالكرافتات، الرطانة عن الشرعية واستعادة الدولة والتقدم الوئيد ولكن المحسوب في محافظات عديدة.
وفي الأثناء تغط "الشرعية" في السبات الهني في قصور الرياض او في فندق "القصر" حيث تحاصرها ميليشيات طامحة او ناقمة بينما اليأس يتسرب إلى كل مكان في المدينة التي باتت مهددة بانفجارات جراء تباطؤ حضور الدولة وتنمر الميليشيات واستشراء ظاهرة الشحن المناطقي والقبلي.
***
هناك عنوان كبير للحرب في اليمن هو "الشرعية".
لكن هذه الشرعية، من غير فعالية على الأرض (المحررة) وحيوية في الحركة على الأرض وجاذبية في الخطاب وايجابية في التعامل مع التحديات، مهددة بفقد "قوتها الشرائية" في سوق "المقايضات" الميليشياوية التي تتقدم الجماعات الايديولوجية الاسلامية للسيطرة عليه.
****
الشرعية في عدن تتذاكى سعيا وراء مكاسب صورية، واحيانا بالقفز على "البديهيات" المتعلقة ب"الشرعية" وب"الدولة" وب"الهوية" وب"الشعارات العلنية" للحرب التي تشنها دول التحالف باسم هذه الشرعية وبطلب منها.
اليمن لن يكون أوفر حظا من شقيقه العراقي حيث العالم مضطر إلى التدخل من أجل انقاذ بغداد من دولة "داعش".
صحيح أن "الهوية اليمنية" أعرق وأشد رسوخا من أية هوية في المشرق والخليح العربي، لكن "الهوية" ليست مفهوما استاتيكيا (جامدا). والأكيد أن تجريف الهوية اليمنية باسم هويات فوق وطنية أو دون وطنية، لن يدر فوائدة في صالح مشاريع جهوية بل في صالح مشاريع ايديولوجية دينية متطرفة فهذه وحدها من بمقدوره توفير جوامع بديلة ضدا على الحوثيين الذين يتابعون بارتياح التطورات في حضرموت وعدن ولحج، وفي تعز حيث ترتفع رايات القاعدة في بعض أحياء المدينة.
***
المجتمع اليمني أكثر تعقيدا مما يتوهم العصبويون على اختلاف مذاهبهم ومناطقهم ومشاريعهم. والأكيد أن "الفاقد" من ضرب الهوية الوطنية لليمنيين هو ما يشكل عنصر الإمداد الأول لحواضن "الجماعات الايديولوجية" المتشددة في عدن وحضرموت وأبين ولحج وتعز، وربما في محافظات جديدة في الوسط وفي الشمال.
اليمن خلو من مشروع وطني جامع.
خلو من رجال دولة كبار.
ومن رجال التاريخ بما هم لاعبون مهرة.
أصوات التطرف والانعزالية في اليمن تتعالى.
إن لم يحل السلام ويستأنف المسار السياسي قريبا فقد ينحدر اليمن إلى حضيض الجماعات المسلحة، ونشهد عروضا مروعة من شاكلة ما تنتجه شركات انتاح داعش في العراق وسوريا.
اليمن في وضعية حرجة. والمشاريع المتصارعة هي مشاريع ماضوية، ايديولوجية وجهوية، تريد اعادة توزيع اليمنيين كأقليات وأكثريات في مدنهم ومحافظاتهم باسم فدرالية مستحيلة راهنا، او بوهم خطف دولة (الحوثيين) أو "اقتناص دولة" (الحراك) أو تفكيك دولة (هادي والمشترك).
عند هذا الحد يجب أن يطرح السؤالين الآتيين:
_ من هو الشرعي ومن هو غير الشرعي في اليمن؟
_ ما هي الفروق بين سلوك جماعة الحوثيين في صنعاء، وسلوك جماعات المقاومة المؤيدة ل"الشرعية" في عدن والمدعومة من دول التحالف؟
***

الحوثيون يتحملون المسؤولية الأولى عن هذه الكارثة التي تجلت معالمها مع انقلابهم على "الشرعية التوافقية".
الحوثيون هم العدو الأول ل"الشرعية التوافقية" في اليمن.
والثابت أن هذه "الشرعية التوافقية" التي تخوض دول التحالف العربي الحرب باسمها ومن أجل إعادتها إلى العاصمة صنعاء، هي "العدو الأول مكرر" ل"الشرعية التوافقية" في عدن!
هذه محنة اليمنيين في اللجظة الراهنة.
ولا يمكن تصور "الخلاص" منها إلا بإقناع "العدو الأول مكرر" بتغيير شامل في السلوك والخطاب والأولويات.
"العدو الأول" ميئوس منه!

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

لماذا لم يشارك الشعب اليمني شعب "حوثستان" الشقيق احتفالاته بالعيد الوطني؟


لدى الحوثيين برنامج تقويض دولة لا برنامج حكم، لذلك اسقطوا اتفاق الشراكة في اليوم التالي على توقيعه
____________________________________________________
ما فعله الحوثيون بكيان الدولة اليمنية كارثي لأنهم ليسوا سلطة انقلابية (عسكرية أو غير عسكرية) بل، هم بالطبيعة كما يؤكد عامهم الثوري الأول، جماعة تقويضية للدولة.
انطلاقا مما فعلوه في عام "الخراب" الذي احتفلوا به أمس، يصعب تصور صيغة مشاركة في السلطة يكون الحوثيون طرفا فيها. ذلك أن موضوع الشراكة يكون سلطة تضطلع بتنفيذ برنامج (حكم أو برنامج انتقالي) متوافق عليه بين اطراف الشراكة، وذلك هو الدرس المستفاد من "اتفاق السلم والشراكة" من دون إغفال مسؤولية الأطراف الأخرى في تعطيل هذا الاتفاق الناجم أساسا، عن تصعيد مسلح للحوثيين بدءا من عمران، ثم اجتياحهم العاصمة صنعاء.
جماعة الحوثيين حسبما تفيد خبرة "عام الأهوال"، ليس لديها برنامج حكم (حتى ولو بالإخضاع) وإنما برنامج تقويض دولة.
***
في 21 سبتمبر حقق الحوثيون مطالبهم كلها.
أطاحوا بحكومة الأستاذ باسندوة (لينعم الله عليه بالشفاء)، وتم التراجع عن "الجرعة السعرية" المتعلقة بالمشتقات النفطية، فضلا على قبول الأطراف الأخرى بمراجعة الصيغة الفدرالية التي أقرتها لجنة متوافق عليها شكلها الرئيس هادي، وتشكلت حكومة جديدة صار للحوثيين كلمة عليا في تسمية رئيسها وفي تشكيلتها.
ماذا فعلوا في "اليوم التالي"؟
نشروا لجانهم الثورية في مؤسسات الدولة وعطلوا أعمال الوزراء والجهاز البيروقراطي، ثم انطلقوا باتجاه الجنوب والغرب والشرق بدعوى محاربة الإرهاب!
وفي ينايرالماضي اطبقوا على المربعات الأمنية وداسوا على رموز السيادة واستباحوا مقار السلطة دون أدنى اكتراث لمشاعر اليمنيين.
بكلمة أخرى، يمكن وصف ما جرى في "عام الحوثيين"، في أنهم واصلوا حروبهم الاستردادية التي بدأت من صعدة قبل عامين، فسيطروا على عمران في منتصف العام الماضي، ثم اقتحموا العاصمة صنعاء في سبتمبر. وفي صنعاء تم ذبح "الدولة" بما هي العدو الوجودي لدولتهم، ثم جرى فصل رأس الذبيحة عن جسدها، وأخذه إلى مركز الحكم الجديد في صعدة، تماما كما كان يفعل قادة جيوش الخلفاء والأئمة والسلاطين قبل مئات السنين!
***
هكذا يصير "الإعلان الدستوري" للحوثيين مجرد مزحة ثقيلة، أو هو الغلالة لا تخفي شيئا من جوهر وطبيعة وطبائع "دولة الحوثي" وعاصمتها صعدة.
هكذا يتعامل اليمنيون مع اللجنة الثورية العليا في دولة الحوثيين باعتبارها واجهة ديكورية لا تملك من السلطة شيئا. وفي أحسن الأحوال هي أداة تنفيس يستخدمها "الأخ قائد الثورة" لتسلية الشعب وإمتاعه بالعروض البهلوانية التي تقدمها (هذه اللجنة) كلما استدعى الأمر تذكير اليمنيين بالإعلان الدستوري!
***
كم ذا بدولة الحوثيين من المضحكات من شاكلة مجسمات "الكعبة" التي يطوف كبارهم حولها في شوارع صنعاء ورموز السيادة الحوثية فيها.
لكنه ضحك كالبكاء.
فالخراب يعم اليمن.
والميليشيات تمارس ضد اليمنيين شتى صنوف الإذلال، من صعدة إلى المكلا.
ودماء اليمنيين تسيل في كل بقعة من هذا البلد المحزون.
ونسيجهم الوطني يتمزق، واحلامهم تتطاير في الهواء، تماما كما أطراف اطفالهم ونسائهم وشبابهم وشيوخهم في مناطق الحرب ومواضع القصف في المدن اليمنية.
***
الحوثيون احتفلوا أمس.
يا لحساسيتهم الوطنية!
يا لانسانيتهم المفرطة!
يا للمخازي!
ويا للمساخر!
***
الحوثيون احتفلوا أمس بعيدهم الوطني.
من أسف فإن اليمنيين في نكبة وطنية كبرى، وهم بدون رئيس في عاصمة دولتهم، يستطيع أن يعبر عن أسمى التبريكات باسمهم لدولة "الأخ قائد الثورة" وللجنته الثورية ولشعب "حوثستان" الشقيق الذي سهر أمس في الشوراع المضاءة في باب اليمن حتى الصباح، احتفالا بالعيد الوطني.

نسخة من الوثيقة _ "الاتفاق" بين "أبناء الزيدية" وفي جملتهم المجاهدون "الحوثيون"!

نسخة من الوثيقة _ "الاتفاق" بين "أبناء الزيدية" وفي جملتهم المجاهدون "الحوثيون"!
_ ما طلبه الحوثيون في 2012 نفذه هادي في 2014 فاندلعت الحرب في 2015
_ مشاريع احتكار تمثيل اليمنيين هي الخطر الأعظم على السلم الأهلي و"دولة المواطنة"
_ هادي وقادة المشترك قامروا ب"الجمهورية اليمنية" فتوفرت قوائم لجمهورية الحوثيين

__________________________________________
أشرت خلال الأعوام ال3 الماضية، مرارا، إلى هذه "الوثيقة" التي يطلق عليها الحوثيون اسم "الوثيقة الفكرية للزيدية". وقد كان رأيي منذ مارس 2012 أن هذه الوثيقة كاشفة عن محاولة لمأسسة "الزيدية" في اليمن كطائفة باسم "اصطفاء ال البيت" بالمعنى السياسي، وتقديم تعريف نهائي ل"الزيدية" بما هي فكر مغلق يشكل _ كما كتبت في 2012_ "نظيرا شيعيا" لسلفية أخرى على الضفة السنية.
الوثيقة من أسف لم تعد تظهر في الروابط السابقة التي كانت منشورة فيها، وأما تلك الروابط الالكترونية التي استبقت على الوثيقة فقد صارت محجوبة أو محظورة. وفي الحالين لا يجد الأصدقاء الذين لم يسبق لهم الاطلاع على نص الاتفاق (او الوثيقة الفكرية للزيدية بحسب الموقعين عليها) الفرصة للإدلاء بدلوهم في نقاش يبدو انه مبني على "الغاز" و"تاويلات" تخص كاتب هذه السطور أو آخرين لا يوافقونه في ما ذهب إليه.
***
الزيدية بلا "اعتزال" وبلا اجتهاد هي ما نراه اليوم متجسما في جماعة اسلاموية منغلقة هي أقرب ما تكون إلى "خوارج" القرن الأول الهجري.
الزيدية، بمعزل عن أية احكام سياسية بشأنها، لا تكون إلا ب"يمنيتها" مثلما أنه لا يمكن تخيل "يمن" منقوصا منه الزيدية أو الاسماعيلية أو الشافعية أو حتى اليهودية (للأسف فإن المشروع الصهيوني والمشاريع الاسلاموية المتطرفة توشك على طمس اليهودية من اليمن).
في مطلع 2012 حذرت من خطورة هذه الوثيقة التي يتوسل محرروها (والمقصود هنا أساسا جماعة الحوثيين) احتكار تمثيل ما هو "زيدي" بدعوى اصطفائية ال البيت، وبالتالي احتكار تمثيل اليمنيين في المناطق التي يشيع فيها المذهب الزيدي ( https://www.facebook.com/sami.ghaleb/posts/10150769544880312)، ثم احتكار تمثيل اليمنيين انطلاقا من هذه "الأحقية الآلهية" التي لا يمكن حصر مفاعيلها في زاوية دينية في بقعة قصية في شمال اليمن.
***
الحوثية ليست جماعة تعبدية أو دعوية أو "ثقافية" كما كان يلح الحوثيون على تقديم أنفسهم في سنوات "العسرة".

الحوثية هي جماعة مسلحة لها حركيتها على الأرض ومشروعها لإقامة حكم ثيوقراطي يتناقض وصميم معتقدات "الزيدية" التي يتعلمها الدارسون في كتب (التراث) والفكر السياسي الاسلامي بالمعاهد والجامعات.
ما يستشف من هذه الوثيقة لأي قارئ لها في سياقها اليمني، هو جموح فئة سياسية (أو جهادية) نحو احتكار تمثيل مذهب ديني يعتنقه قطاعا واسعا من اليمنيين ما يشكل خطرا عظيما على الحقوق الأساسية والحقوق المدنية والسياسية ويؤجج صراعات داخل اتباع هذا المذهب [صراعات غير مرئية بوضوح في اللحظة الراهنة جراء المشروع الاحتكاري العنفي بالضرورة لجماعة الحوثيين] وصراعات في ما بين اليمنيين باعتبار أن "الزيدية"_ في حال تسييسها وتطييفها واحتكارها من قبل طرف سياسي_ تصير سببا للفتنة والحروب الداخلية.
إن واحدا من أسباب محنة اليمنيين منذ عقود، وبخاصة بعد 21 سبتمبر 2014، هو أن مشاريع اختكار الوطنية والاسلام والمذاهب والمناطق والجهات تتعاقب على اليمن وتتعاصر وتتصارع بالعنف اللفظي تارة، وبالعنف المادي تارة أخرى، على حساب اليمنيين وضدا على آمالهم الوطنية في دولة "المواطنة".

****
اليمنيون يدفعون منذ مطلع 2014، وبخاصة منذ 21 سبتمبر 2014، ضريبة مقامرة ومغامرة:
_ مقامرة الرئيس هادي وقادة المشترك بالجمهورية أملا في الاستمرار في التسلط على اليمنيين، وتحليقا وراء أوهام فدرالية. آية ذلك أن هادي وحكومة الوفاق طوحا بالدولة بينما كانا يبشران بدولة مستقبلية لن تتنزل قط على الأرض؛

_ ومغامرة الحوثيين التي بدأت في قبل 12 سنة، وتجذرت بعد قتل زعيم الجماعة ومؤسسها حسين بدر الدين الحوثي في سبتمبر 2004، ثم تموضعت ك"حالة أمر واقع" بعد الحرب السادسة في (وعلى) صعدة، قبل أن تنفتح شهية الحوثيين مع هذه الوثيقة التي تحقق قدرا من التساكن بين جماعة اسلامية محاربة وبين علماء الزيدية التقليديين الذين سبق لهم أن استهجنوا "بدعة" مؤسس الجماعة وشعاراته.
***
في مطلع 2012 صاغ الحوثيون (الحركيون ومن والاهم بعد إزاحة صالح من الرئاسة) هذه الوثيقة التأسيسية الحركية (فالألفاظ خدم المعاني، والمعنى العميق لهذه الوثيقة _ كما فهمت سنتذاك، وكما بينت التطورات مذّاك_ هو تطييف الزيدية وتنصيب "أمير طائفة" يحتكر تمثيلها هو عبدالملك الحوثي)، وفي مطلع 2014 انتهى الرئيس هادي وقادة المشترك من صوغ البرنامج التنفيذي لهذه الوثيقة عبر تحويل التصور الحوثي إلى برنامج واقعي عبر حشر 8 مليون يمني في اقليم اسمه آزال هو أقرب ما يكون إلى المعزل من إلى أي شيء آخر.

بكلمة أخرى، فإن ما فعله هادي والمشترك (ومن أيدهم) هو أنهم بمشروعهم الاعتباطي الارتجالي وغير المسؤول لتفكيك اليمن باسم الفدرالية (فدراليتهم هم بما هي فدرالية سلطة وأحزاب لا مخرج تاريخي واقعي، وبما هي فدرالية تبشيرية ارجائية آخروية، وبالتالي تخديريه هروبية] وفروا قوائم سياسية لمشروع الحوثيين، وجعلوا من أنفسهم "وحدات شق طرقات" مكنت جماعة الحوثيين من التقدم إلى العاصمة أولا، ثم الى اغلب المحافظات اليمنية.
***
شهد العام 2014 عملية التلاقح بين التصور الفكري الاحتكاري للحوثيين وبين الحسابات السياسية والتسلطية (والمشاريع الخرافية قطعا_ يجب قول هذا) لهادي وقادة المشترك. تلاقت "المقامرة" و "المغامرة" في مطلع 2014، وما هي إلا أشهر حتى اشتعلت الحرب في عمران ثم كان اجتياح العاصمة في 21 سبتمبر من العام نفسه. وفي 2015 شبت الحرب، كما هو متوقع منذ خريف 2012، في اليمن تحرق كل الصفقات والمقامرات والمغامرات والمشاريع والتصورات والأحلام.
***
هنا نسخة من الوثيقة الفكرية أرسلها لي أحد الزملاء بعد أن جرى حذفها من المواقع المحسوبة على جماعة الحوثيين (أنصار الله)، آملا الصفح عن أية أخطاء طباعية تسبب بها المصدر الذي أرسلها:

[ الحمدللة الله رب العالمين القائل ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله . وبعد : فإنه في يوم الجمعة الموافق 17/3/1433 هـــ اجتمعت اللجنة المكلفة لصياغة الاتفاق بين أبناء الزيدية عموما ومن جملتهم المجاهدون وفي مقدمتهم السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي وبعض علماء الزيدية وأتباعهم وفي مقدمتهم السيد العلامة / عبدالرحمن حسين شايم والسيد العلامة حسين بن يحيى الحوثي ؛ وقد توصلت اللجنة إلى الآتي :
أولا : في مسائل أصول الدين فالذي نعتقده وندين به الإيمان بأن الله واحد أحد فرد صمد له لم يلد ولم يولد ليس له شبيه ولا ند ولا مثيل عالم بكل شيئ قادر على كل شيئ الأول والآخر والظاهر والباطن لا تدركه الأبصار - لا في الدنيا ولا في الآخره - وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، الغني عما سواه لا تجوز عليه الأعضاء والأبعاض والأيدي والأرجل ونحوها من الأدوات ولا تجوز عليه الحركة والسكون والزوال والانتقال ولا يحويه زمان ولا مكان .

والإيمان بأنه تعالى عدل حكيم لا يظلم العباد ولا يرضى بالفساد ولا يكلف ما لا يطاق ولا يجبر على الأفعال بل جعل المكلفين مخيرين (فمن شاء فليؤمن ومن شاء ليكفر) الكهف الأية 29 لا يعذب أحدا إلا بذنبه (ولا تزر وازره وزر أخرى) الأنعام الآيه 164 (وأن ليس لإنسان إلا ما سعى) النجم الآية 39 .
والإيمان بأن الله صادق فيما وعد به المؤمنين وفي وعيده للعاصين لا يخلف وعده ولا عيده كما قال عز من قائل ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) ق الأية 29 وإن الجنة مأوى لمن أطاعه خالدا مخلدا فيها أبدا وإن النار مستقر ومثوى لمن حكم سبحانه له بها خالدا مخلدا فيها أبدا وإن شفاعة لا تكون للكافرين ولا للظالمين الفاسقين ( أهل الكبائر ) بل هي كما قال تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن أرتضى وهم في خشيته مشفقون ) الأنبياء الأية 28 ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) غافر الأية 18
والإيما بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأعظم الرسل وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكتابه القرآن الكري الذي أختص الله هذه الأمه وجعل هدى للمتقين ومعجزه خالده لا تقبل التحريف ولا التبديل ولا الزياده ولا النقصان الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) فصلت الأيه 42 ذلك هو قرآننا العظيم ودستورنا وهادينا على مر الأزمنه والعصر .
وإن الإيما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمه من أولادهما كالأمام زيد والأمام القاسم ابن أبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم ابن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمه الهاديين .
وإن نهج الهدايه والنجاة والأمان من الضلال هو التمسك بالثقلين : كاتب الله مصدر الهدايه والنور ( يهدي به الله من أتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط المستقيم ) المائده الأية 16 ( فأنه شافع مشفع ، وماحل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنه ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، هو الدليل الذي يدل على خير سبيل وكتاب تفصيل وبيان وتحصيل والفصل ليس بالهزل لا تحصى عجائبه وتبلى غرائبه فيها مصابيح الهدى ومنارات الحكمه والدليل على المعرفة لمن عرف الطريقة ... الحديث ) والثقل الأصغر عتره رسول الله وهداة الأمه وقرناء الكتاب إلى يوم التنادي ( إن اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهم حجج الله في أرضه .
وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الظالمين والوقوف في وجه المستكبرين هو من أعظم الواجبات الدينيه المفروضه على الناس أجمعين وإن الموالاة لأولياء الله والمعاداة للأعداء الله - حسب ما شرع الله - وعلى رأسهم أئمة الكفر المتمثلين في زماننا هذا في أمريكا وإسرائيل ومن أعانهم ووالاهم ووقف في صفهم في عداوتهم للإسلام والمسلمين واجب ديني فرض الله على العباد ( لا تد قوم يأمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) المجادله الأيه 26
ثانيا : إن تعلم دين الله هو تعليمه فرض من فروض الله - منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفايه - لأنه يترتب عليه معرفة الدين والقيام بما أوجب الله على العالمين وإن للعلماء الربانيين العاملين منزلتهم التي أنزلهم الله بها في قوله ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعلمون خبير ) المجادلة آيه 11 ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) الزمر الآيه 9 ، فيجب أحترامهم وتوقيرهم .
وما قد يقع من النقد للعلماء لا يقصد به علماء أهل بيت رسول الله وشيعتهم العاملين ولا علومهم وإنما لبا يرى وجوب الجهاد للظالمين ولا يوجب أمرا بمعروف ولا نهي عن منكر بل يرى السكوت وطاعة من لا تجوز طاعته .
وإن الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله واجب على الجميع وقد أوجبه عز وجل وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وقام به أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا ينكره إلا جاهل ومخالف لأهل البيت عليهم السلام .
وعلى العموم على الجميع متفقون على منهج أهل البيت عليهم السلام في أصولهم وعقائدهم التي مضى عليهم الأئمة الهداة من فجر الإسلام إلى زمننا هذا متقدموهم ومتأخروهم وإن كنا نرجح أسلوب المتقدمين مثل الهادي والقاسم لقربه من الأسلوب القرآني والفطرة الربانية .
- السنة النبوية
وإن موقفنا من السنه هو موقف الإمام الهادي عليه السلام الذي ذكر في مجموعة في كتاب السنة حيث أشترط لصحتها العرض على القرآن وتكون في إطار القرآن مرتبطتا به لا حاكمتا عليه ولا معارضتا على نصوصه وإنما مرتبطه بالهداة من آله محمد كأمناء عليها في أعتماد الصحيح من غيره ، وهذا في ما نسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولمن يكن متواترا ، ولا مجمعا عليه ، وأما المجمع عليه والمعلوم صدروه عنه صلى الله عليه وآله وسلم من السنه فهو حجه بنفسه كما قال تعالى ( ما ينطق عن الهوى ) ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .

- الاصطفاء
أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده الله سبحانه وتعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفرادا كما قال تعالى ( إن الله أصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ) آل عمران الأيه 33 كما قال صلى الله عليه وآل وسلم ( إن الله أصطفى ولد إبراهيم إسماعيل وأصطفى من ولد إسماعيل بني كنانه وأصطفى من بني كنانه قريشا وأصطفى من قريش بني هاشم وأصطفاني من بني هاشم ) ونعتقد ان الله سبحانه أصطفى بيت رسول صلى الله عليه وآل وسلم وجعلهم هداة للأمة وورثه للكتاب من بعد رسول لله لأن تقوم الساعة يهيئ لكل عصر من يكون منارا لعباده وقادرا على القيام بأمر الأمه والنهوض بها في مجالاتها ( إن عند كل بدعه تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليا من أهل بيتي موكلا يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فأعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله ) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجيته أهل البيت عليهم السلام .
- أصول الفقه
أما أصول الفقه فما كان منه مخالفا للقرآن الكريم أو بدلا عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقا للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد مع ملاحظه الدور الكبير للإخلاص لله سبحانه وتعالى للأعمل بأسباب للهداية الإلهية ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) الأنفال الأيه 29 ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت الأيه 69 ( والذين أهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) محمد الأيه 17 فهو مقبول معتمد لا اعتراض عليه ولا اشكال .

- الاجتهاد :
أما بالنسبة للاجتهاد فما كان منه يؤدي إلى التفوق في الدين والاختلاف في معرفة الله وغيره من أصول الشريعة أو إلى مخالفة نهج الآل الأكرمين أو إلى الاضرار بوحدة المسلمين وتكوين الأمة التي أمر بها رب العالمين ولتكن منكم أمه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )آل عمران الأيه 104 أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة - فهو اجتهاد مرفوض لا نقره ولا نرضاه بل هو مفسدة في الدين .
وأما ما كان منع استفراغا للوسع والطاقة في البحث عن الحكام الدين والشريعة رب العالمين ملتزما منهجيتة القرآن الكريم وعلى طريق ونهج أهل البيت الأكرمين لا يؤدي إلى تنازع في هذه الأمة ولا مخالفة لمن أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة محكوما بالضوابط التي وضعها ومشى عليها أئمه الآل عليهم السلام فهو مقبول ومطلوب ومحتاج إليه في معرفة الدين وخصوا فيما يستجد من المسائل .

- علم الكلام :
أما ما قال من النقد على علم الكلام فليس المراد به علم أصول الدين ولا العقائد التي مشى عليها أئمه الآل الطاهرين وإنما المراد التعمق والأسلوب الذي انتهجه الفلاسفة والمعتزلو وغيرهم زفق منهجيتهم وطريقتهم التي هي مغايرة لطريقة ومنهج أهل البيت عليهم والسلام .
فهذه عقيدتنا ورؤيتنا الموحدة في هذه المسائل يرد إليها ما سواها من الرؤى والمسائل التي قد تشكل من هذا الطرف أو ذاك وفق الله الجميع لما يجبه ويرضاه وجمع شمل الأمة ووحد كلمتها بحق محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم والله ولي الهداية والتوفيق .
والحمد الله رب العالمين
حرر بتاريخ 21/3/1433 هــ الموافق 13 فبراير /2012 م
هذه رؤيتنا وعقيدتنا
وكتب عبدالملك بدر الدين الحوثي 22/3/1433 هجرية
حسين يحيى الحوثي وفقه الله
عبدالرحمن شايم وفقه الله
حسين مجد الدين المؤيدي وفقه الله تعالى
علي علي مسعود الرابضي وفقه الله تعالى

الحمدلله الله وحده على الصلاح الشأن واتحاد الفكر والكلمة ومن المؤكد أن كلا من المختلفين لا يريد إلا الحق وعلم الجميع أن اختلاف هو فيما لا يمس ولا يبعد عن أصول السنه المطهرة ولا القرآن الكريم فيجب أن نستمسك بالمتواتر من فهم الآباء الأقدمين والآل المطهرين وزين العابدين والهادي على الجميع سلام الله ورحمته وبركاته وحرر هذا الفقير إلى رحمة الله محمد محمد المنصور ناظر الوصايا ربيع الأول سنة 1433 هــ قمرية محمد محمد المنصور - حمود بن عباس المؤيد.]

نقد الرئيس الشرعي "ضرورة وجود" والامتناع عن الترويج لخرافاته "فريضة وطنية"!


        في السنوات 2012 و2013 و 2014 راهن كثيرون على حنكة وصبر ودهاء الرئيس الانتقالي هادي. عند كل نقد أو تشكك أو تنبيه، كان عديدون يتبرعون للذود عن شخص الرئيس (رغم أن شخصه، كموظف عام كان في مأمن) وسلوكه المحبط والفاسد وغير المسؤول بحسبان أن وراء هذه المخازي حكمة ودهاء لا تدركها أبصار الناقدين!
 

        كما في المجتمعات المتأخرة حضاريا، يستغرق مثقفون وكتاب وصحفيون وسياسيون جهدهم في الدفاع عن السلطة ضدا على معارضيها.
 

       لكل سلطة مثقفوها الذين يتولون تغطية خطاياها، وتنميق عيوبها، وترويج "اباطيل" تحرف الأنظار عن سلوك الرئيس باتجاه مشاريع خرافية يستبطنها، ومكنونات تحمل السعادة للناس العاديين الذين لا يرونها لكنهم مطالبون بالصبر والغفران و(أحيانا) الاستغفار عما يمكن أن يعتبر شركا في الرئيس الأب كلي القدرة.
 

             خلال السنوات ال3 الماضية تمتع هادي بحماية من وجهين:
_ هو الرئيس الذي خلف صالح في الرئاسة بعد ثورة شعبية، وهذا وفر له فترة سماح طويلة، لم يسبق لحاكم أن تمتع بها في اليمن منذ عقود. صبر الشعب على هادي أملا في "رئيس مختلف" جاء إلى الرئاسة في نظام سياسي صاغه صالح على صورته؛
 

_ وهو الرئيس التوافقي الذي حكم، في المرحلة الانتقالية، بدون معارضة صريحة. فالأحزاب والقوى السياسية تتقاسم معه السلطة، والمجتمع الدولي مجمع عليه، ومنظمات المجتمع المدني والأهلي والممثلون المنتقون لساحات الثورة الشبابية، فضلا على ممثلين مزعومين للحراك أو للجنوب، يؤيدونه. وهو الرئيس الذي يتصدر واجهة "صناعة الإجماع" في المرحلة الانتقالية. كل هذا التأييد والمباركة لكنه فشل في انجاز أي من مهام المرحلة الانتقالية التي جاء من أجل تنفيذها، وصولا إلى انتخابات رئاسية في فبراير 2014 تأتي برئيس اعتيادي.
*** 

         إلى أين أخذت "اليمن" صناعة الإجماع، وفرق الحماية الرئاسية المشكلة من الكتاب واصحاب المواقع والناشطين وممن صاروا في المرحلة الانتقالية "أنصار هادي"؟
  

       إلى أين اخذت "اليمن" غنائيات المبعوث الدولي السابق عن حكمة هادي وعن المعجزة التي حققها في موفنبيك؟

إلى الحرب.
إلى هذا الخراب العميم في اليمن.
إلى هذا الانهيار الكارثي لمؤسسات الدولة.
إلى هذا التفكك الخطير للجمهورية بما ينذر بحروب أهلية لاحقة.
إلى هذا الاهتراء في النسيج الوطني اليمني والانبعاث الغرائزي الثأري ل"هويات" ما قبل وطنية في مختلف أرجاء اليمن.
إلى هذا الجرح العميق في الشخصية اليمنية، الذي يتطلب معجزات حقيقية، لا معجزات هادي التي لا تتنزل أبدا على "العربية التعيسة"، لمداواته واستنقاذ اليمنيين من "فوضى" عارمة" تظهر لها "معالم على الطريق" إلى مشروع هادي التفكيكي للدولة.
***
         

         نقد هادي والحكومة والأحزاب المؤيدة له، أو المتحالفة معه بالاضطرار، ليس الحق فحسب، بل هو الواجب الاخلاقي على أي يمني يستفظع ما جرى لليمنيين في المرحلة الانتقالية بعد ثورة الناس العاديين في 2011 التي ازاحت الرئيس السابق من السلطة.
      

        ترويج الأوهام التي انتجتها "صناعة الإجماع" خلال المرحلة الانتقالية لم يأخذ اليمن إلى المستقبل بل ارتد به إلى القرون الوسطى حتى الآن. ومشروع الرئيس هادي نفسه، ومعه الإصلاح وقادة المشترك، يرتد باليمنيين إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام. والموقف المسؤول الآن، واليمن في عين "العاصفة"، هو مراقبة سلوك هذا الرئيس وعدم الركون إلى "المكنونات" و"الاستيهامات" التي يسوق لها "أنصار الرئيس هادي"، وترك ثقافة "الإرجاء" بزعم أن الصبر على الحكام من قوة الإيمان، وأن العاقبة لليمنيين الصابرين فراديس على الأرض المدججة بالميليشيات.

         اليمن في اللحظة الحرجة. والأصل في التعاطي مع مسؤولين مجربين هو عدم الثقة والتشكك بل والترصد لأي خطأ أو شبهة فساد. ورسالة المثقف هي النقد، والنقد دائما خصوصا إزاء رئيس لم يعد إلى عدن بمجهوده وكفاءته وجدارته و"مهاراته" السرية التي لم يتح لليمنيين الاطلاع عليها، وإنما بفضل حملة عسكرية وديبلوماسية سعودية_ عربية كلفت عشرات المليارات والأف الأرواح.

         المسؤولية الوطنية والاخلاقية تتجلى في نقد الرئيس هادي وحكومة الشراكة بصرامة.
 

        الامتناع عن الترويج ل"خرافات" هادي ومستشاريه، هو "فريضة" وطنية في اللحظة الراهنة التي تستلزم أولا استنقاذ كيان الدولة واستنهاض اليمنيين ضد الميليشيات ومشاريع احتكار التميثيل باسم المذهب او المنطقة.
التبجيل والتنميق والاختلاق والإرجاء هي المهام الموكلة، في عصور الانحطاط، إلى "فقهاء السلاطين" الذين صاروا في القرن ال21 يرتدون ربطات عنق!