الاثنين، 25 فبراير 2013

الإصلاح يبدأ في المركز!

     التجمع اليمني للإصلاح حزب كبير ومنتشر في عموم المحافظات, وللتجمع قيادة مركزية في العاصمة, وهو طرف رئيسي في الصيغة الحاكمة المنبثقة من التسوية السياسية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية), له الكلمة الفصل في سلوك الحكومة وفي التحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني. الأكيد أن هذا الركون إلى التأثير والشعبية والتحالفات أغوى قيادات التجمع في المركز, وربما في عدن, فارتكبت حماقة كبرى بتجريب القوة الحسابية في الميدان الخطأ. ذلك أن هذه القوة تتعطل في واقع محكوم بحسابات غير حزبية ولا سياسية, وله حركيته الخاصة والمتفردة جراء عقدين من الإقصاء والتهميش والغطرسة والتعامي والتهوين من الأهمية, وكان المآل هو ما جرى نهار الخميس الماضي من انكشاف شعبي للإصلاح وصدع هائل في علاقته بالحراك وبالمجتمع في الجنوب. 
     يدفع اصلاحيو الجنوب ضريبة غطرسة المركز. وإذا أراد المركز الإصلاحي أن يدافع عن أعضائه ومقراته فعليه أن يدع الأمر للجهات المختصة في عدن وحضرموت وغيرهما, وأن ينصرف إلى مراجعة خطابه وسلوكه خلال العامين الماضيين, وبخاصة خطاب وسلوك الأشهر الأخيرة, والمراجعة النزيهة والمخلصة ستؤكد لهذه القيادة المركزية (المركزية حد الخنق) بأن السبيل إلى تدارك الخسائر الفادحة في الشعبية وفي المصداقية يكون بالتخلي عن أوهام استعادة صيغ الماضي وفتوحاته السياسية والجغرافية, والكف عن محاولة استنساخ توليفة "الرئيس وحزب الشدة" التي سادت عقدي الثمانينات والتسعينات, والبدء بترميم التصدعات داخل المشترك, والانضمام الجدي لمطالب الجزب الاشتراكي التي اعلنها اليوم وعلى وجه الخصوص المطلب المتعلق بالتنفيذ الفوري للنقاط ال20.
    الإصلاح الكبير والمهاب جريح, لكن جرحه يهون عند المقارنة بالأهوال التي عاشها, ويعيشها, أهلنا في الجنوب. وإذا أراد أن يداوي جراحه _ولان "الدين النصيحة"_ عليه أن يعطل وسائله الدعائية النشطة ضد الحراك فهي تفاقم من خسائره كما هو جلي لكل ذي بصر حديد وقلب سليم, وأن ينهمك في أداء ما يتوجب عليه في دوائر الحكم والسياسة في صنعاء.

الأربعاء، 2 يناير 2013

القائمة اليمنية الذهبية

بانعقاد "المؤتمر الوطني لشعب الجنوب" برئاسة محمد علي أحمد, اكتملت حلقة سيطرة الطبقة السياسية القديمة على اليمنيين جنوبا وشمالا, ثورة وحراك, ساحات وقاعات, مرافئ ومنافي! 
لنجري جردا سريعا بالمناسبة:
- اندلعت ثورة شبابية مجيدة قبل نحو عامين أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح (69)* ليحل محله نائبه الرئيس عبدربه منصور هادي (67)؛
- في الأثناء واصل نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض (74) حربه الاستردادية من المنفى لاستعادة الجمهورية التي أعلنها في 21 مايو 1994 باسم "جمهورية اليمن الديمقراطية", والبيض هو أول وزير دفاع في الدولة الجنوبية التي أعلنت في 30 نوفمبر 1967؛
_ عقب مذبحة جمعة الكرامة أنشق علي محسن الأحمر (68) قائد المنطقة الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع, وأعلن تأسيس تشكيل باسم أنصار الثورة, ثم صار عضوا في المجلس الوطني لقوى الثورة. علي محسن الأحمر هو أقوى مساعدي صالح خلال حقبة حكمه, وهو لم يتردد في اعتبار نفسه الرجل الأول في عهد صالح حسب تصريحات صحفية له؛
_ تم قبل عام التوقيع على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية في الرياض من قبل الشيوخ الممسكين بالقوة والنفوذ والأحزاب. الشخصيات الرئيسية التي تمثل الطرفين جميعها من مواليد النصف الأول من القرن الماضي؛
_ طبق المبادرة والألية التنفيذية تشكلت حكومة وفاق (وهذا اسم الدلع, فهي في الواقع حكومة شقاق ونفاق), يرأسها محمد سالم باسندوة (76)؛ وباسندوة هو من قادة جبهة التحرير التي تأسست منتصف الستينات لقتال المستعمر البريطاني, وهي الجبهة التي خسرت المعركة أمام الجبهة القومية التي انفردت بحكم الجنوب بعد الاستقلال؛
_ في نوفمبر 2011 انعقد المؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة, وتمخض المؤتمر عن قيادة مؤقتة تضم علي ناصر محمد (72) وحيدر العطاس (73) وصالح عبيد أحمد (65) وآخرين من المجايلين. علي ناصر محمد وحيدر العطاس هما رئيسان يمنيان سابقان؛
_ طبق المبادرة والالية تشكلت لجنة فنية للتحضير للحوار أختير لرئاستها عبدالكريم الإرياني (77). الارياني رجل حاضر على الدوام في المواقع الحكومية منذ مطلع السبعينات, وترأس الحكومة مرتين في اليمن الشمالي؛
_ ارتقى علي عبدالله صالح, بالمبادرة والوفاق, من مرتبة الرئيس إلى مرتبة الزعيم, فهذا هو وصفه في قيادة حزبه (المؤتمر الشعبي العام), الحزب الذي أسسه قبل 30 سنة, كتنظيم شعبي يتصدر الواجهة؛
_ لم لا؟ التناغم والانسجام مطلوبان للمرحلة الوفاقية تماما كما كان الحال في مراحل الشقاق, فالأحزاب المعارضة السابقة التي حملتها موجة الثورة الى الحكم يقودها رجال (ذكور) من مجايلي صالح (عمرا واشتغالا في السياسة), فجميعهم ستينيون.
_ في سبتمبر الماضيأكد حسن باعوم (70) افتراقه عن الرئيس الشرعي البيض, عبر انعقاد مؤتمر حراكي في عدن خرج بقيادة برئاسته؛
_ أخيرا تمكن محمد علي أحمد (68) أمس من ترؤس مكون حراكي جديد تشكلت هيئاته في عدن أمس. محمد علي أحمد من مقاتلي حرب التحرير, ومحافظ أبين الأسبق.
هؤلاءالمعمرون الذين تنتظمهم القائمة الذهبية** أعلاه, أسهموا بفاعلية واقتدار في صوغ اليمن الحديث والمعاصر, وسطروا تاريخا من المآسي والحروب و هدر الأعمار والثروات, شاركوا في حروب أهلية وداخلية وبينية (شمال وجنوب), تورطوا في انقلابات عسكرية وحروب تطهير ثورية, تطبعوا على قوانين الحرب الباردة وتوزعت ولاءاتهم طبق مقتضياتها, شرقا وغربا, مشرقا ومغربا, وكانوا على الدوام سلاح إشارة وقوات صاعقة في قلب اليمن وعلى أطرافها, حتى أنهم لا يرون في اليمن إلا "دولة حاجز" حسب الطلب الاقليمي والدولي, من محاربة الشيوعية إلى محاربة الإرهاب إلى محاربة الشيعية!

هؤلاء المعمرون الذي لا يحبون كتابة سيرهم الذاتية ( كما يفعل القادة الكبار, فعلا وانجازا وليس عمرا, في الدول المتحضرة), سرق و"مبهررين", يسرقون أعمار شعوبهم إذ يمسكون بزمام القوة والثروة والأحزاب, ويسدون النصح للشباب مطلقين المناشدة تلو الأخرى لهم: أن اصبروا وصابروا في الساحات!
المشهد شائخ, كارثي وينذر بسنوات عجاف, وجب الدعاء للبلد ولهم بحسن الختام.

* الأرقام بين هلالين هي الأعمار التقريبية للسياسيين اليمنيين, أوردتها اعتمادا على ذاكرتي.
** القائمة ذهبية لأن أغلبهم يحتفل بمرور 50 عاما على انخراطه في النضال الوطني!

. 18 ديسمبر 2012

جارالله عمر.. اليمني المتشكك!


في الذكرى العاشرة لاستشهاد جارالله عمر استدعي أهم الملامح المائزة لهذه الشخصية السياسية الفذة:
_ متشكك. وهذا الملمح الأبرز مكنه على الدوام من الانفتاح على مختلف الأفكار والتيارات. المتشكك يحسن الإضغاء والحوار؛
_ ديمقراطي وليس راكب موجة ديمقراطية. يتضح هذا في قراءته النقدية المبكرة لتجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب بعد أحداث 13 يناير 1986 وسنتذاك أكد على البدء بالتحول الى التعددية الحزبية في اليمن الجنوبي, وفي قراءاته لنتائج انتخابات 1993 وحينها اقترح انتقال الاشتراكي إلى المعارضة. وفي التزامه الفريد بتنفيذ قرار اللجنة المركزية بمقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997, علما بانه تصدر التيار الداعي إلى المشاركة في الانتخابات, وبالتصويت اتضح أن ثلثي اللجنة تؤيد خيار المقاطعة, وقد صرح للصحافة ساعتها قائلا ما مفاده ان الديمقراطية انتصرت داخل الحزب وهو سيكون أول الملتزمين للقرار؛
_ تدرجي, فهو, من واقع تجربته المباشرة ومن قراءاته لتجارب حركات وبلدان, لاح مخلصا لفكرة التغيير المتدرج بعد أن أفرزت الايديولوجيات الانقلابية الشمولية أنظمة حكم استبدادية ومتوحشة. انعكس هذا الملمح على سلوكه السياسي بعد حرب 1994, وخصوصا لجهة التجريب بالانخراط في العملية السياسية وقيادته لتيار المشاركة في الانتخابات العامة داخل الاشتراكي والمعارضة؛
_ الحليم إذا غضب. يندر أن يغضب وإذا غضب ففي اللحظة التي تستدعي الغضب. وشخصيا رأيته مرتين غاضبا وابتهجت لغضبه: الأولى في مطار صنعاء في اكتوبر 1997, وحينها تعرض لمضايقات أمنية في صالة المغادرة ما دفعه الى تقريع ضابطي أمن بشدة؛ والثانية في ندوة ليمن تايمز عام 1996 حينما تعمد أحد الحاضرين له ارتباط بالأجهزة الأمنية, التشوبش على كلمته, ما اضطر جارالله الى قطع كلمته وتوجيه كلاما مباشرا لذلك المشاغب مفاده أن الزم حدودك فأنت هنا للقيام بمهمة واحدة هي تسجيل ما يقال ورفع تقرير به إلى المسؤولين عنك. لحظتها حيم السكون على القاعة قبل أن يواصل هو كلمته ويلزم المخبر حدوده؛
_ الغني. فهو على شهرته وموقعه السياسي الرفيع في الحزب والحياة السياسية لاح دائما قليل الرغبات (أنا غني لأنني قليل الرغبات) مستعففا متقشفا كما أي صوفي. هذه الميزات حررته من مذلة طرق أبواب المسؤولين في الدولة. وقد سمعته يوما يفسر حقد الرئيس السابق علي عبدالله صالح عليه في كونه لا يطلب منه شيئا؛
_ الشجاع. وهو قال لي في بيروت في اكتوبر 1997, وكانت علاقتي به, كصحفي شاب وكاتب ناشئ يلفت انتباهه, قد تعمقت بالحوار ثم برفقة السفر, إنه يعرف أن اسمه يتصدر قائمة المرشحين للتصفية الجسدية عند أقرب أزمة رغم كل ما يقال في اليمن عن طي صفحة الاغتيالات. وقد أشرت إلى هذه النبوءة بعد استشهاده بيومين في مقال كتبته لجريدة الشرق القطرية. عاش بقلب شجاع ولم يتصرف يوما كقنفذ!
_ عابر حدود المكان والزمان والايديولوجيات والأعمار. ذلك جلي في صداقاته الثرية التي تتجاوز حدود البلدان والمناطق والمذاهب والتيارات والطبقات. على أن الأكثر إبهارا هو انفتاحه على أجيال لاحقة على جيله. يمكن عزو ذلك الى ملكة التعلم فيه. كان يؤمن بأن لدى الشباب ما يمكن أن يتعلم منه, ومرد هذا الايمان شخصيته السوية والممتلئة؛
_ المتسامح المتهكم. يحضرني هنا ردود فعله حيال المتقولين عليه أو المحرضين ضده. وشخصيا لم اسمع منه أية عبارات قاسية تجاه أي من رفاقه أو ناقديه. ويحضرني موقفه من قيادات بارزة في الاشتراكي احترفت شيطنته باعتباره الشر الذي انغرس في قلب الحزب, والرجل الضالع بمخطط سري لسلطة حرب 94 لتعميد نتائج الحرب, والسياسي المحترف المرتبط بأجندة غربية لإعادة صوغ اليمن. في حالات نادرة كان يعلق بعبارات تهكمية.
_ اليمني! من أجمل اليمنيين هذا الذي تكسرت السهام على السهام فوق جسده النحيل الضئيل قبل أن ترديه رصاصة الارهاب والتطرف. قيل عنه مخرب وملحد وزيدي وحجري وخباني وشمالي وانفصالي ... قيل الكثير والكثير في هذا اليمني الانسان الذي يمت بقرابة إلى كل اليمنيين.
 
29 ديسمبر 2012

الرئيس هادي والمشترك يسوقون اليمن إلى الهاوية!


اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني وضعت معايير لاختيار المشاركين في الحوار تعجز عن الوفاء بها, كما هو الحال فيما يخص الشباب والمجتمع المدني والنساء. هذه اللجنة التي تهيمن عليها الأحزاب نقلت تعقيدات القضية الجنوبية وتعبيراتها إلى داخل كل المكونات الحزبية والمدنية والشبابية والنسوية وذلك عبر اعتماد نسب على أساس جهوي ومناطقي بمظنة أنها تسترضي الحراك الجنوبي, والحصيلة قد تكون كارثية لأن المكونات الرئيسية للحراك لن تشارك كما تقول المؤشرات, كما أن اللجنة الموقرة ليست مصلحة الجوازات ولا مصلحة الأحوال الشخصية لتطمئن إلى التزام المكونات المدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني بمعاييرها العجيبة والاعتباطية, علاوة على أنها لا تضم خبراء جينيين ليبتوا في أية طعون بشأن هوية المرشح للمشاركة لأن الهويات لما تتعين بعد.
سبق لي أن أيدت هذه اللجنة فور تشكيلها ما يفيد بأنني لست ممن ينتقد هذه اللجنة لدواع شخصية أو سياسية أو حزبية بل إن عديدين من أعضائها أصدقاء, وأغلبهم سياسيون تجمعني بهم علاقات احترام ومودة. هذا توضيح احترازي لأتابع تعليقي بأمان.
عند انطلاق عملها في أغسطس الماضي قدمت اللجنة انطباعا بأنها لجنة مغايرة تتخذ قراراتها باستقلالية وتقدر المسؤوليات الجسيمة التي يبينها قرار تشكيلها. قدمت 20 نقطة إلى الرئيس هادي اعتبرتها شرطا لتمكينها من أداء مهمتها... لكن الشرط ما لبث ان استحال توصية! كانت تلك لعبة الحرس القديم, الذي أدمن في عهد الرئيس صالح التصعيد العلني في الاعلام والتخفيض السري في الاجتماعات المغلقة او عبر الاتصالات الثنائية بصاحب الفخامة. وكذلك هم يفعلون في حضرة الرئيس الجديد الذي صار "شديد الحساسية" من أي انتقاد أو اعتراض على قراراته أو سلوكه السياسي.
كما حدث مرارا في الماضي صار الرجل البسيط والمتشوق لسماع مقترحات وتصورات, حكيم الزمان والعالم بدقائق الأمور والقائد الذي يعرف كيف يجندل من يعترض طريقه, الواحد تلو الآخر.
شيئا فشيئا يتخلق أب جديد لليمنيين في حي الستين الغربي, أب وقور, هادئ, حنون رغم ملامحه الصارمة. ولسوف يتعين على الجميع ضبط حركتهم على إيقاعه. فعلت اللجنة الفنية ذلك عندما تخلت عن شروطها وتوصياتها كافة, وواصلت بحماسة دونكيشوتية الحرث في الماء. طوحت بأخطر مهامها إذ لم تجر أية اتصالات جدية بأي من المكونات المشار إليها في قرار تشكيلها. وفي ما يخص الحراك الجنوبي انصاعت لتعاليم "أبونا الذي لا يقيم في دار الرئاسة", الذي ربت على كتف رئيسها المتعب, وطمنه وزملاءه جميعا أن لا قلق ولا جزع "فأنا أدرى بالجنوب وأهله", وأضمن لكم مشاركة الحراك!
تابعت اللجنة عملها بخفة رجال ونساء يثقون بحكمة السيد الرئيس (ديكتاتوريات عديدة نشأت بفعل هذه الثقة البليدة), ولأن الأمور لا تتجزأ فإن اللجنة التي تثق بحكمة الرئيس, فوضت مبعوثا أرضيا أخر أخطر مهامها على الاطلاق.
(تستحثه الرغبة في الانجاز وربما بوازع من ضمير اثقله عجز هؤلاء الساسة الكبار الذين يمسكون بأسباب القوة في اليمن) سارع جكال بن عمر إلى تقديم وصفته السحرية لتوزيع حصص المكونات المدعوة للمؤتمر, معلنا نيابة عن اللجنة انتهاء اعمالها. ارتكب جمال بن عمر خطأه الكبير الأول في اليمن, ولسوف تبين عواقب الأمور قريبا. وارتكبت اللجنة الفنية خطيئتها الكبرى عندما تخلفت عن أداء واجبها في التحضير الجيد للحوار مسلمة زمام التحضير ( للدقة عدم التحضير) إلى هادي وابن عمر, وهذه الخطيئة قد تجلب عليها وعلى اليمنيين كوارث.
من يقرأ التقرير النهائي للجنة الموقرة يشفق على رئيسها واعضائها الذين كتبوا (دون أن يرف لهم جفن) أنهم درسوا خيارات تمثيل المكونات قبل أن يتوصلوا إلى الصيغة النهائية (يختفي هنا السيد جمال بن عمر الرجل كلي القدرة الذي أملى صيغته هو دون أن يتشاور مع أحد بحسب قوله, لكن اللجنة الموقرة تتبرع هنا لإعفائه من التبعات السلبية)!
تقرير اللجنة النهائي الذي نشرته صحيفة الأولى على حلقات مؤخرا, يؤكد أن قرارات اللجنة تمت بالإجماع, لكننا نعرف أن اثنين من أعضائها علقوا عضويتهم فيها بسبب تفويض اللجنة أمرها للرئيس هادي في قضيتي صعدة والجنوب, وللمبعوث الدولي جمال بن عمر في توزيع الحصص. (ومن اللافت هنا أن دعاة الاستقلال والسيادة الوطنية وبخاصة الحوثيين والناصريين ابتلعوا السنتهم, وهو سلوك جدير بالتمحيص والقراءة المتأنية).
كدست اللجنة عشرات القضايا في تقريرها وهذا التكديس هو مخرج منطقي للتقاعس. وضعت شؤون يبت فيها متخصصون في البئية والصحة النفسية والبدنية والسلامة العامة والتهريب وتنظيم الصيد البحري في صدارة جدول أعمال المؤتمر الافتراضي الذي سينعقد في الربيع المقبل. سيتعين على حشود من السياسيين, الذي اعتادوا اتخاذ القرارات الغاشمة والغشيمة دون تحضير ثم ترقيع الخروق الناجمة عنها, أن يبتوا في سن الزواج المناسب للفتيات وكيفية الحد من انتشار عادة تعاطي القات, ووضع استراتيجيات بديلة للطاقة وتعويض نزيف المياه ومكافحة التصحر... الخ.
قالت اللجنة الكثير في تقريرها الذي يدنو من ال 100 صفحة, الكثير مما لا يعني اليمنيين المهددين بالموت قتلا واقتتالا, ومما لا يرتبط بصلة إلى الحوار الوطني, وتجاهلت الكثير مما يقع في صميم عملها بل ومما لا يتصور انعقاد المؤتمر بدونه, ومن ذلك أنها لم تجر أية اتصالات معمقة بالأطراف المشار إليها في المبادرة وآليتها التنفيذية وقرار تشكيلها ولم تفكك القضايالمقترحة لتميز بين تلك التي تتطلب قرارات وبين تلك التي تستدعي مفاوضات وبين تلك التي تستلزم حوار.
كما يفعل أي متقاعس لم يقم بواجبه تعمدت الاشارة عديد المرات إلى أن الرئيس هادي وعد, والتزم, وطمأن, وأكد, وبشر... ومن ذلك أنه في سبتمبر وعد اللجنة بأن ممثلي الحراك الجنوبي سيكونون جاهزين في منتصف اكتوبر 2012. كان مطمئنا على ما يبدو إلى أن محمد علي أحمد سينجز مؤتمره قبل ذلك الموعد, وكان على اللجنة أن تمتن له, وهذا ما ظهر لاحقا. [المؤشر الخطير هنا أن عبدربه منصور هادي يقارب القضية الجنوبية كمنافس محلي وليس كرئيس دولة مسؤول]
اجتهدت اللجنة في تصميم آليات العمل والتصويت وانغمست في رياضة احتمالات, وهذا يحسب لها إذا كان التقدير أن ما تفعله هو من باب التمرين لاكتساب خيرات فنية من بلدان ذوات تجارب حوارية ناجحة (افغانستان مرة أخرى!) لكن من يجرؤ على الزعم بأن مؤتمر الحوار الافتراضي المقبل سيناقش قضايا حوارية كي تتخذ قراراته بالتصويت؟ لقد حددت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية أطرافا بعينها لتمثيل قضايا معينة كقضية صعدة التي يمثلها الحوثيون والقضية الجنوبية التي يمثلها الحراك, وتصريحا قادة المشترك الحكماء جدا وتصريحات اللجنة الفنية, وخصوصا تصريحات رئيسها ونائبه (الارياني والعتواني) أزالت أية التباسات بشأن تفسير نصوص الآلية المتعلقة بالتوتر في صعدة والقضية الجنوبية, إذ لا حوار دون مشاركة الحراك الجنوبي على سبيل المثال. مؤدى هذا القول هو أن الحراك هو من يمثل القضية الجنوبية, والمغزى هو أن القضية الجنوبية ممثلة بطرف محدد ما يعني أنها تخضع للتفاوض لا إلى الحوار ( لماذا يغضبون إذا من علي سالم البيض وبلوحون باتخاذ قرارت عقابية ضده؟)
بدلا من مؤتمر للحوار يتجه اليمنيون بفضل رئاسة تمسك بكل الخيوط لكنها لا تقدم أبدا, إلى مهرجان خطابي في الربيع المقبل يتبعه اعتماد كلي على سياسة الأمر الواقع في خريف طويل ظهرت نذره في التقرير النهائي للجنة الفنية, وهذا بالضبط ما يفعله المعنيون في صنعاء وصعدة والجنوب, وفي الأثناء يجهز تنظيم القاعدة الاستراتيجية المناسبة لملء الفراغات الجديدة التي ستظهر في المناطق غير الخاضعة لإمارات ودويلات الأمر الواقع!
الرئيس وحلفاؤه في المشترك, لا الرئيس السابق على أية حال ولا الرئيس الشرعي المستدام علي سالم البيض ولا الحوثيون, هم من يتحملون مسؤولية سوق اليمن إلى الهاوية, وهم وحدهم من بيدهم تجنيب اليمن المآل الصومالي وذلك بالكف عن التذاكي في التعاطي مع قضايا مصيرية واعتماد منهج مغاير للتحضير للحوار الوطني ومقاربة مختلفة لجذب الحراك الجنوبي للحوار أو التفاوض.

. 30 ديسمبر 2012

فارس من عصر آخر

أنفر على الدوام من الكتابة عن شخصية سياسية, في السلطة أو في المعارضة, بود وإيجابية لأسباب عديدة أبرزها سببان: إن السياسي بالتعريف (العميق) هو التاجر الذي يحترف بيع الوطنية! ما يعني أن السياسي أفاك في الأغلب الأعم؛ والسبب الآخر والأهم أن الصحفي ليس شاعر قبيلة يمتدح رؤساءها وإلا وقع في شبهة التملق والارتزاق, فيصير صحفيا قيد الطلب! 
ولان لكل قاعدة استثناء هاكم فقرات من مقال كتبته غداة الانتخابات الرئاسية عن الفقيد العزيز فيصل بن شملان, أعيد نشرها في الذكرى الثالثة لرحيلة.
***
جاء ثانياً الرجل الذي اعتاد أن يحل أولاً منذ تصدر وقت كان في ريعان الصبى لائحة الشرف للدفعة السابعة من طلبة المدرسة الوسطى في غيل باوزير نهاية الاربعينيات.
قبل 5 سنوات عاد إلى مهجعه، كما البطل الاغريقي، ليكون ما يريد: محكوماً على طريقته لا حاكماً على طريقة الآخرين.
وعلى الطريق إلى الرئاسة لاح عازماً على أن يكون حاكماً على طريقته: رئيساً عابراً لبلدٍ استكان لحكامه المخلدين: الجهل والجوع والخوف. وفي آخر ظهور له عشية الاقتراع، وسط البلبلة وفي غمرة الضجيج، القى صاحبنا مرافعته الختامية، مجلياً عن سوية ورفعة وقوة بيان، أي بالدقة ما تخلو منه سوق السياسة في اليمن.
ساعتها ألقى الشيخ (مرتبته العلمية عهد أدار المدرسة بعد نحو عقدين من تخرجه) فيصل بن شملان محاضرته الأخيرة، في إدارة الدولة، على تلامذة مولعين بالخيبة، مذكراً بمسؤوليات القائمين عليها في إعلاء كلمة القانون وصون كرامة المواطنين وخصوصياتهم. وفي هذه مهَّد بكلمة إعتذار، لمفردة قاسية لم يكن أمامه مناص من استدعائها، ولم يكن مضطراً لأن يعتذر عنها، إذ أشار إلى أنه قرر طرد مرافق أزعجه سلوكه أثناء حملته الانتخابية، ويُعتقد أنه وظف من قبل خصومه لتلطيخ سمعته الشخصية والتحريض ضده. كانت تلك المرة الأولى التي يسمع فيها اليمنيون، من شتى الأعمار، شخصية عامة تعتذر عن كلمة قاسية.
في عصر الفرسان الأقنان، كان مقدراً لبن شملان أن يخسر لأنه فارس من عصر آخر. وقد تجاوز خصومه كل الحدود للنيل منه، هو الذي استجاب لدور شاغر في «ديمقراطية ناشئة» يُراد لها أن تراوح مكانها. وإذ تصدى للدور موفراً فرصة المضي قدماً، قرر غالبية الناخبين شراء الوقت في محاولة يائسة لإسترضاء الأشباح الذين يحاصرونهم.

. صحيفة النداء, 27 سبتمبر 2006

مجيدة هذه ال "لا" النافية للإجماع!

لكل تقديره للموقف المناسب في لحظة شائكة كهذه التي علق فيها اليمنيون, والعزيزان رضية المتوكل وماجد المذحجي يقولان "لا" لصناعة الإجماع داخل اللجنة الفنية على حساب اليمنيين وضد أمنهم وسلمهم, ويقدمان لليمنيين نموذجا مختلفا للمشتغلين في الشأن العام لم نعهده منذ غادر المهندس فيصل بن شملان دنيا اليمنيين. 
الرئيس هادي على المحك؛ كيف سيتعاطى مع هذه الاستقالة: هل سيسارع إلى قبولها ليتخلص من وجع الدماغ [فالرئاسة تتطلب الامتداح ولا تريد من يظهرها على هيئتها في غرفة النوم] أم سيعيد النظر في أسلوب إدارته للمرحلة الانتقالية والتهيئة للحوار؟

*تقدم عضوا اللجنة الفنية للحوار الوطني باستقالتهما من اللجنة أمس الأربعاء 2 يناير 2013, اعتراضا على عدم التهيئة للحوار الوطني في الجنوب وصعدة.