الجمعة، 27 فبراير 2015

التلويح بحظر الإصلاح حماقة حوثية جديدة


      الميليشيا هي جماعة ضد حزبية. ولذلك يزخر خطاب الحوثي بعبارات الردح في الاحزاب، مذكرا بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. [هذه واحدة من السمات المشتركة إلى جانب اللجان الثورية والمؤتمرات الشعبية _ دعوكم الآن من المؤتمر الشعبي العام ورزعيمه الذي كان الوحيد الذي حظي باعتذار مؤثر من الحوثي_ والمسيرة الخضراء و"الكتاب الأخضر"، وهو نوعا ما أقرب ما يكون إلى "ملازم خضراء".
         عبدالملك الحوثي يردح في الاحزاب في كل خطاب منذ 21 سبتمبر 2014. كذلك كان القذافي يفعل!
      وخلال اليومين الماضيين بلغ التحريض على الأحزاب، وبخاصة التجمع اليمني للإصلاح اوجه. بل إن هناك تلميحات بحل هذا الحزب.
لم لا؟
الحوثي لا يريد أحزابا في اليمن بل جماعات من شاكلة جماعته.
يريد جماعات ميليشيوية لتبرر له وجوده. ليتبادل معها اللعب في ربوع اليمن.
هناك في التاريخ الحديث نماذج مماثلة لما يفعله الحوثيون، بعضا نماذج يهتف ضدها بالموت.
***
التلويح بحظر اي حزب يمني من قبل سلطة غير شرعية وضدا على الدستور والقانون، هو ذروة الحماقة ومنتهى الجنون. وهو عدوان جديد على اليمنيين جميعا من قبل جماعة ميليشيوية استدعاها الجميع للحوار في موفنبيك.
اتكلم عن التلويح فقط.
فالثابت ان لا سلطة شرعية للحوثيين لحظر نشاط أي حزب.
والسلطة الشرعية، أساسا، لا تخطر في بالها شطحات قذافية من هذه الشاكلة.

حوار وطني بجدول أعمال مختلف يديره الرئيس هادي!

       الأمور تتعقد، أكثر فأكثر، في اليمن منذ نهاية 2012. اخذ الرئيس هادي واللقاء المشترك والمؤتمر والحوثيون، اليمن في منحدر خطير يؤدي إلى هاوية.
اليمن على الحافة الآن.
لدينا انقسام بين سلطة أمر واقع في العاصمة ومحافظات شمالية باستثناء تعز ومأرب واجزاء من الجوف ومحافظات شمالية اخرى، ولدينا سلطة شرعية في عدن ومحافظات جنوبية وشرقية.
في سيرورة الهرولة في المنحدر توصل المتحاورون إلى وثيقتين، إحداهما "وثيقة الحوار الوطني" والأخرى "وثيقة الضمانات". الوثيقتان هما محصلة "صناعة إجماع" لا "إجماع". ما يعني أنهما لا تصلحان أساسا لأي اصطفاف وطني من دون معالجة بعض المسائل الجوهرية فيهما. لكن أية معالجة لأي مخرج حواري تقتضي حوارا تكميليا.
أي مسار حواري جديد سيباعد بين اليمنيين إن لم تتم المسارعة إلى ملء فجوة الشرعية في المؤسسات سريعا. ونعلم أن انتخابات عامة، رئاسية او برلمانية، غير متصورة في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة على المدن الرئيسية وأغلب أجزاء اليمن. وهذا بدوره يستدعي التفكير مجددا في صيغة توافقية لمرحلة انتقالية قصيرة بمهام مبرمجة زمنيا، أبرزها إعادة النظر في المخرجات المختلف بشأنها أو التي تتطلب مراجعة خصوصا في ظل مفاعيلها الخطيرة على الأرض حاليا.
لقد أحدث انتقال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى عدن انقلابا استراتيجيا في موازين القوة بعدما كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي يظنان أن انقلابهما على الشرعية صار ناجزا، مستفيدين من الغطاء السياسي المحلي الذي توفره لهما أحزاب المشترك ومن الغطاء الدولي الذي يجتهد جمال بنعمر على ديمومته (إلى الحد الذي صار فيه مبعوثا لسلطة الأمر الواقع إلى بان كي مون!)
الحوثي (وحليفه الذي اعتذر له أمس، علي عبدالله صالح، وهذه بالمناسبة اول مرة يسمع اليمنيون فيها الحوثي يعتذر عن سوء سلوك. لقد اعتذر للرئيس السابق ونكل بالرئيس الحالي في إشارة إلى نوعية القيم التي تحكم سلوك هذه الجماعة) لديه القوة العارية من الشرعية أإو "شرعية القوة"، ولدى الرئيس هادي وأحزاب اللقاء المشترك (ناقصا حزب الحق الذي لا يمكن قراءة موقفه خارج العصبوية الطائفية والجهوية، من أسف) قوة الشرعية، وهي تتمثل أولا بالدستور باعتباره محور الشرعية التوافقية التي جاءت بهادي رئيسا ثم مددت له في فبراير من العام الماضي.
إن عودة الرئيس هادي مجددا كرئيس حر الإرادة، تستدعي تغييرا جوهريا في جدول اعمال الحوار الذي فرضه الحوثيون بالقوة الغاشمة على الجميع في موفنبيك مستفيدين من "الميسر" الدولي جمال بنعمر.
جدول الأعمال المقترح ينبغي ان يتمحور حول استعادة الدولة. واستعادة الدولة لا تكون إلا بالتمسك بالشرعية. والشرعية لا تتجزأ. وفي هذا المجال يمكن أن يفكر اطراف الحوار في دور محتمل لمجلس النواب (الذي ترتبط شرعيته بشرعية الرئيس المنتخب) في إعادة "اليمن" إلى السياسة، من أجل ترويض الحوثي الجامح الذي يتوعد اليمنيين وغير اليمنيين بالعقاب إن لم يمتثلوا لتصوراته الخرافية عن "يمن" يربض فوق ثروة من "الحجارة"! [هناك بالفعل ثروات متنوعة في اليمن بينها ما يؤكده باحثون جيولوجيون من أن لدى اليمن القدرة على تصدير الكثير من المواد المستخلصة من صخور الجبال، لكن هذا مشروط أولا باستقرار سياسي أمني يوفر بيئة مناسبة للاستثمار]
اليمن في مسيس حاجة إلى مشروع وطني يوفر أرضية لاصطفاف وطني متجاوز للعصبيات المناطقية والطائفية. ويقنع الحوثيين (العقلاء منهم اولا) بأن هناك دائما فسحة أمام اليمنيين للعيش معا بلا حروب ومن دون اضطرار الى إخضاع أي منطقة أو فئة في اليمن بالقوة.

رجل الميليشيا ... ورجل الدولة! عن خالد بحاح مرة ثانية

      فور التوافق على تكليف خالد محفوظ بحاح في اكتوبر الماضي، اتصل بي صديق عزيز، وهو بالمناسبة _ حسبما يقول_ في موقع المساهم في القرار داخل جماعة "انصار الله"، منتشيا بدوره في اقناع الرجل بالعودة إلى اليمن لتشكيل الحكومة.
     لم يعد هذا الصديق يتصل بي. والشاهد، من مواقفه وآرائه، انه لا يشعر بالخجل مما يحدث لرجل قام هو بإقناعه، كما يقول، بالعودة من العالم الجديد إلى "الأرض المحرمة" لتولي رئاسة حكومة!
      منذ ذلك اليوم كبر خالد بحاح في عيون اليمنيين، مقدما مثالا مشرفا على رجل الدولة المحترم، مذكرا بشخصيات حكومية محترمة سبقته مثل فرج بن غانم وفيصل بن شملان، بينما انحدرت جماعة الحوثي إلى الحضيض.
    والآن؟
     تفرض الميليشيا منذ 5 أسابيع حصارا على منزل رجل الدولة دون أي رادع من دين أو أخلاق (ولا أقول وطنية!).
لم يسبق ان شهد اليمن انحطاطا مماثلا منذ حرب 1994. وحتى في تلك الحرب الاجرامية التزم الرئيس السابق صالح محددات في ما يتعلق بقيادات بارزة في الدولة والحزب الاشتراكي.
      بمعزل عن رطانات قائد الجماعة وشطحات المتحدثين باسمها، فإن التاريخ سيسجل على هذه الجماعة أنها تجاوزت الحدود كلها، في إهانة اليمنيين، والتجرؤ على المناطق المحرمة في العلاقات السياسية والاجتماعية بينهم، دون أي اعتبار لمخاطر سلوكها على النسيج الاجتماعي والوحدة اليمنية.

الخميس، 26 فبراير 2015

الوحدة اليمنية بين "رئيس منتخب" و"سيد" يخوض حروب استرداد باسم التفويض الإلهي!

    القاعدة السائدة في الصراعات المحلية أن جماعة التمرد على الشرعية هي من يلوذ بالانفصال حتى بشكل غير معلن عبر اجراءات تكرس الأمر الواقع في الماطق التي تسيطر عليها.
الرئيس هادي لديه الشرعية والامتداد الأفقي من صعدة إلى سقطرى. ولديه الاعتراف الدولي والاقليمي بسلطته. وهذه جميعا_ بالسياسة _ أوراق قوة بيده بصرف النظر عن ما يؤمن به.
      الحوثيون كجماعة يجدون انفسهم، يوما تلو آخر، في مواجهة المجتمع، المجتمع المحلي، فصلا على المجتمعين الاقليمي والدولي. لقد قامروا بدعاوى ثوريه وتورطوا في عملية انقلابية فاشلة لا تحظى باعتراف أحد غيرهم. وهم فرضوا الأمر الواقع في صنعاء ومحافظات يمنية أخرى في الشمال جراء استقوائهم بالمكان. لقد كانت نقطة ضعف الرئيس هادي ونخبة المشترك (القروية، الريفية، نوعا ما) أنهم همشوا العاصمة صنعاء فساعدوا الحوثيين على النفاذ إليها. لكن الحوثيين أنفسهم وقعوا في خطيئة قاتلة عندما تعاملوا مع صنعاء كعاصمة ملكهم، لا عاصمة اليمنيين جميعا. بدا عبدالملك الحوثي وانصاره في صنعاء وكأنهم ينقلبون على التاريخ لا على السلطة الانتقالية، فهم استخلصوا العاصمة التي صار عدد سكانها 3 مليون يمنيا ويمنية، لأنفسهم كانها مدينة الأجداد يستردونها من الدخلاء عليها.
      الانفصال روحية وليس شعارا. والحوثيون وحلفاؤهم (العصبويون أو الوصوليون) هم الآن في الموقع الانفصالي.
سيطروا على مدينة اليمنيين جميعا بالقوة. وفرضوا ميليشياتهم على الجهاز البيروقراطي (عقل الدولة) واجتاحوا المعسكرات وانتهبوا معدات الجيش واسلحته (عمود الدولة) ، واستولوا على وسائل الإعلام العامة، وصمموا على أن ما يفعلونه ثورة، واعلنوا أن الرئيس هادي (الذي انتخبه 7 مليون يمني) مطلوب للعدالة!
        فعلوا كل هذه الفظاعات ثم يتغنون بالوحدة ويتحدثون باسم الشعب.
   (أي وحدة يتغنى بها الحوثيون؟ لعلها وحدة حزب الحق كما كتبت عقب اعلانهم الدستوري)
   (وأي شعب يتحدث باسمه "السيد"؟ لعله يقصد أنصاره واتباعه المؤمنين الذين ينتظمون في جماعته)
***
     لم ينتخب أحد عبدالملك الحوثي ولجانه وعماله على المحافظات التي اجتاحها. وخطاب الجماعة طافح باليقينيات والقطعيات والحصريات.
     إنه خطاب عصبوي وظلامي بامتياز.
     والقاعدة، مرة أخرى، ان من يخرج على الشرعية هو من يفكر أولا باختطاف أية قطعة أرض لإعلان دولته عليها.
المشكلة أن الحوثي يسيطر الآن على العاصمة.
       سوف يقاتل من أجل انتزاع ما يمكن انتزاعه من الأرض لتوطيد إمارته.
      وهو سيكرس الأمر الواقع في اليمن حتى لو آلت الأمور إلى سلطتين ثم دويلتين.
     الجماعة فوق الأوطان في وجدان المؤمنين المصطفين. وجماعة أنصار الله فوق اليمن. ولذلك لن يضيرها قط أن يتمزق.
***
        يملك الرئيس هادي الشرعية والشعبية والاعتراف الاقليمي والدولي.
       لكنه، كما كان يفعل على الدوام، لا يحسن استثمار الفرص، ولا يقدر ما لديه من قوه ومقدرات التقدير الكفؤ.
      رغم مرور قرابة أسبوع على خروجه من صنعاء في ما يشبه المعجزة (او بلغة الحوثيين، التأييد الالهي!) فإن الرئيس لم    يخاطب شعبه بشكل مباشر، حديث من القلب، حديث عفوي يرمم علاقته بهم التي كانت قد بلغت الجدود الدنيا من الثقة.
الرئيس هادي مطالب بأن يكون الرئيس هادي. رئيس الجمهورية اليمنية لا رئيس جمهعورية موفنبيك.
هذا يتطلب أن يحترم محددات وواجبات رئاسته. من ذلك فأنه ملزم باحترام الدستور النافذ وعدم القفز في الزمان إلى مرحلة مقبلة لم يختره اليمنيون من أجلها.
      هذا يقتضي التوقف فورا عن الترويج لهيئات غير دستورية من شاكلة قيادات الاقاليم. لا توجد اقاليم في اليمن بل محافظات حسب الدستور اليمني. والرئيس الذي يقاتل من أجل الشرعية لا يحرق مراكبها باسم مشروع مستقبلي أو لغرض دغدغة المشاعر الغرائزية في مناطق بعينها.
***
     الرئيس هادي كما يشدد كثيرون بينهم، مطالب بتقريب أهل الكفاءة والنأي عن المعايير القرابية والعصبوية في اختيار مساعديه.
***
      هناك سلطة شرعية في اليمن ستخوض معاركها من أجل حفظ وحدة البلد والسلم الأهلي.
     هناك سلطة أمر واقع، ثورجية وعصبوية وتخوض حروبها بروحية الحروب الاستردادية دونما اكترات لعواقب سلوكها على الوحدة اليمنية والنسيج الوطني. وهذه الجماعة قد تضطر _ بل ربما تتعمد_ تكريس الأمر الواقع في المناطق التي استولت عليها حتى وإن أدى الأمر الى تمزيق اليمن.
       هناك جماعة من اليمنيين قررت خوض مباراة صفرية ضد الجماعة الوطنية اليمنية.
     الجماعة العصبوية لديها "سيد" في صعدة.
     الجماعة الوطنية لديها رئيس في عدن.
       في القرن ال21 الأفضلية محسومة للرئيس إذا استمسك بالشرعية واحترم الدستور وانتصر لكرامة اليمنيين، من صعدة إلى سقطرى، دون تمييز.
      في المبنى والمظهر، قبل المعنى والمخبر، فإن السبق للرئيس الذي جاء بالانتخابات لا السيد المتعالي على اليمنيين بالولاية والاصطفاء والحق الإلهي في احتكار تمثيل اليمنيين.

الأحد، 22 فبراير 2015

سودة الدستور التي ظهر هادي في عدن شاهرا نسختها ستؤدي إلى حرب أهلية _ الفدرالية المستحيلة في اليمن أدت إلى سقوط صنعاء وعدن في قبضة الميليشيات _ سلطة الوفاق والدول الراعية اغلقوا اليمن على خيار الفدرالية في "صناعة إجماع" تكلف اليمنيين هويتهم وسلمهم الأهلي _ يستحيل على اليمنيين أن يعبرون بحرية عن إرادتهم في استفتاء على المسودة _ الاولوية الآن هي لمنع انزلاق هادي والحوثيين نحو مستنقع المباريات الصفرية

مسودة الدستور التي ظهر هادي في عدن شاهرا نسختها ستؤدي إلى حرب أهلية
_ الفدرالية المستحيلة في اليمن أدت إلى سقوط صنعاء وعدن في قبضة الميليشيات
_ سلطة الوفاق والدول الراعية اغلقوا اليمن على خيار الفدرالية في "صناعة إجماع" تكلف اليمنيين هويتهم وسلمهم الأهلي
_ يستحيل على اليمنيين أن يعبرون بحرية عن إرادتهم في استفتاء على المسودة
_ الاولوية الآن هي لمنع انزلاق هادي والحوثيين نحو مستنقع المباريات الصفرية
________________________________________________________
بوسع السياسيين اليمنيين، ومن والاهم من كتاب وصحفيين واكاديميين وقانونيين و"شخصيات وطنية" (!) متابعة المسيرة الحوارية المظفرة والثرثرة باسم مخرجات الحوار ومسودة الدستور والهيئة التنفيذية لمتابعة التنفيذ... الخ.
لكن الأمور الآن تبدو أكثر وضوحا من أي وقت مضى في مرحلة "صناعة الإجماع" التي كان اسمها "المرحلة الانتقالية" قبل أن يقرر الجميع حرفها عن مهامها باتجاه تفكيك الدولة والتشبث بالسلطة عبر سلسلة تمديدات.
لا مناص من إعادة مخرجات الحوار إلى طاولة الحوار مجددا بدلا من الانزلاق الى محاولات لفرض الأمر الواقع من قبل الرئيس هادي وحلفائه من جهة، والحوثيين وحلفائهم (المبرقعين) من جهة أخرى.
سياسة الأمر الواقع التي تورط فيها الجميع خلال السنوات ال3 الماضية، قبل أن يرتكب الحوثيون جماقتهم الكبرى 21 سبتمبر الماضي باجتياح العاصمة، أدت إلى نشوء وضعية حرجة هي بمثابة "موديل" لما ينتظر اليمنيين في حال استمرت هذه الأطراف في ألاعيبها السياسية.
هذه الوضعية تتمثل في سيطرة جماعة مسلحة على عاصمة الدولة ووجود رئيس الدولة في مدينة أخرى. الجماعة تستقوي بالمحيط القبلي لفرض هيمنتها وإنفاذ كلمتها. والرئيس يستقوي بالمكان (عدن ومحيطها) وبمسودة دستور لدولة افتراضية ليس مرجحا أن تعرض على استفتاء شعبي في المدى الفصير. لكن هذا الرئيس يتصرف منذ وقت طويل باعتباره رئيسا لهذه الدولة الافتراضية لا للجمهورية اليمنية، الدولة العضو في الأمم المتحدة!
***
الرئيس التوافقي في عدن بينما عاصمة الجمهورية ( وعاصمة الدولة الافتراضية المنصوص عليها في المسودة) تخضع لسيطرة جماعة سياسية مسلحة تقول إنها المعبرة عن إرادة "الشعب اليمني".
الرئيس التوافقي الذي انتزع قبل عام موافقة من 500 مشارك ومشاركة في مؤتمر الحوار، على "فدرلة" الدولة، وتمديدا لفترة رئاسته، يستعجل إقرار المسودة بأي ثمن دون تحسب لمخاطر هذا الاستعجال على السلم الأهلي ووحدة اليمن واستقراره.
***
لعبت فكرة الفدرالية دورا تخريبيا هائلا في المرحلة الانتقالية لأن الرئيس هادي ومعتنقي "الفدرالية" على تنوع (وتضارب) دوافعهم واهدافهم، جعلوا منها "إله" يعبد من دون الله. وكذلك فعل اللقاء المشترك والحوثيون و ( إلى حد ما) المؤتمريون الذين كانوا قبل 2011 يعتبرون الحكم المحلي كفرا بالوطنية.
لقد سمح الرئيس هادي، بتشجيع من أحزاب المشترك وسفراء دول غربية مؤثرة، بأن يوضع كيان الدولة التي يرأسها على طاولة النقاش في موقنبيك جنبا إلى جنب السلطة والاصلاحات السياسسية والانتخابية والقضايا السياسية الملتهبة جراء سياسات النظام السابق.
كان مؤدى هذا التكديس للقضايا والتطلعات والتصورات المستقبلية (الرومانسية غالبا) في مكان واحد _ حتى إذا كان فندق 5 نجوم_ هو ما يحدث اليوم؛ "عاصمة محتلة"، كما يقول مؤيدو الرئيس نفسه، من ميليشيات، ورئيس "هارب"، كما يقول مؤيدو الجماعة، من العاصمة، ولجان شعبية في مدن عدة، وجيوش قبلية في مأرب وشبوة وغيرهما من المحافظات التي يحتمل ان تكون ضحية لغزوات حوثية جديدة.
إن القول بأن هذه الوضعية كانت حتمية (بدعوى أن في اليمن "مركز مقدس") أو تحميل طرف واحد فقط مسؤوليتها، هو قول مجاف للحقيقة يستهدف تضليل الرأي العام المحلي والخارجي. فالثابت أن هناك من حذر من خطورة المضي قدما في المسار الانتقالي طبقا لتفضيلات الرئيس هادي وقادة المشترك والدول الراعية. ويمكن لأي متشكك في هذه القول العودة إلى نص استقالة عضوي اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني رضية المتوكل وماجد المذحجي، واللذين اضطرا إلى الاستقالة جراء تواطؤ السيد جمال بنعمر مع السلطة الانتقالية ضدا على المصلحة العليا للشعب اليمني.
الدول لا تنهار تلقائيا، والمجتمعات لا تغرق في الحروب الأهلية لمجرد ان هناك تشوهات وأحقاد ورواسب كانت غير ظاهرة على السطح، ثم تفجرت دفعة واحدة في وجه الجميع. ومن غير العلمي عزو ظاهرة سياسية (أو تحولات سياسية واجتماعية) إلى عامل أوحد كما يفعل عديدون في اليمن منذ سنوات عندما جعلوا من مفردتين اثنتين محورا ودليلا لفهم أي ظاهرة او مستجد في اليمن. هكذا تحول "المركز المقدس" من مجرد اجتهاد لأحد السياسيين اللامعين لمقاربة أزمة الدولة اليمنية في القرن الماضي إلى "عقيدة" تزود المؤمنين بها بإجابات ناجزة وسريعة على كل الأسئلة التي تواجه اليمني في حياته الدنيا.
صار "المركز المقدس" مدخلا لتدنيس كل ما له صلة بالوطنية اليمنية.
ومن دون أن يكون في الامر سوء طوية بالضرورة، فإن كل الشرور التي اصابت اليمنيين خلال العقود الأخيرة صار لها "منبع" وحيد، هو "المركز المقدس".
والحاصل أن "عنفا لفظيا" هائلا تم توجيهه نحو فئات من اليمنيين بجريرة أنها "المركز المقدس". جرى هذا بالموازاة مع تجريد الرئيس السابق صالح وحلفائه من القوة، تدريجيا، وتكريس خطاب سياسي واعلامي يجعل من المرحلة الانتقالية فرصة ذهبية لان يتخلص اليمنيون في المناطق الوسطى والغربية والجنوبية والشرقية من اليمنيين "المشيطنيين" في المنطقة الشمالية. تضافر هذا العنف اللفظي وسياسات مرتجلة للسلطة الانتقالية فككت الجيش وأضعفت الروح المعنوية لأفراده وكرست حالة شقاق بين وحداته واشاعت فرزا على الهوية الاجتماعية والسياسية بين قادته.
في هذا السياق الكارثي، شق الحوثيون _ المبرؤون من أوزار الرئيس صالح وحلفائه القبليين والعسكريين ( الأوفياء والمنشقين)_ طريقهم إلى العاصمة في وقت قياسي دون ان تعترضهم أية قوة على الأرض.
***
لقد أهدرت سلطة الوفاق برئاسة هادي فرصة تلو أخرى، لتدارك الأخطاء وتصحيح المسار الانتقالي. وهي أنهت في وقت قياسي كل الايجابيات التي وفرتها الثورة الشبابية في 2011 وبخاصة الروح الوطينة العارمة التي رممت بعضا من التشوهات والصدوع التي خلفتها حقبة الاستبداد والفساد والحروب الداخلية في الشخصية اليمنية.
بدلا من تأجج "الذاتية اليمنية" في 2011 تتجاذب اليمنييين، في الوقت الراهن، دعوات عصبوية، مناطقية وطائفية وسلالية، تذكر بأسوأ ما تختزنه الذاكرة الجمعية من حروب وفتن ومذابح.
***
في سبتمبر الماضي نفذ الحوثيون قفزتهم الكبرى في مسيرتهم القتالية، باقتحام العاصمة صنعاء، وتمكنوا من وضع حد لأية نقاشات بشان تحسين مخرجات الحوار الوطني، إذ جعلوا من مسودة اتفاق جديد بين السلطة وبينهم، اتفاقا ناجزا يوقع عليه ممثلو الأطراف نفسها التي شاركت في موفنبيك. ألزم الاتفاق الجديد الأطراف الموقعة بمراجعة المخرجات المتعلقة ب"شكل الدولة".
بدت هذه الفقرة من الاتفاق هامشية لكثيرين وخصوصا "الفدراليون" اليمنيون وجمال بنعمر وسفراء الدول الراعية. لكنها في الواقع كانت "الفقرة المفتاح" التي تفسر كل ما جرى في اليمن حتى 21 سبتمبر، وكل ما سيجري بعد ذلك اليوم الذي كرس ما يشبه الانقسام بين فئتين من اليمنيين هما "الحوثيون" ومن والاهم، وغير الحوثيين.
لكن الحوثيين ليسوا مجرد فئة من اليمنيين. إنهم "جماعة" صاعدة تستثمر كل الفجوات والصدوع التي خلفها نظام صالح او تسبب بها مسار انتقالي فضفاض وغير آمن. وهذه الجماعة هي خليط من عقيدة (شمولية دينية) ومصالح (سياسية واقتصادية) وعصبية (بالمعنى الاجتماعي). وهي على أية حال جماعة تتركز في (وترتكز على) مناطق زيدية تقليدية اتسع مفهوم "المركز المقدس" في المرحلة الانتقالية ليشملها برعايته الكريمة!
هكذا صار للتقسيم الأولي لليمنيين في خريف 2014، عنصراه الأساسيين: حوثيون وغير حوثيين.
لكن هذا التقسيم لا يخدم الهدف النهائي لدعاة التقسيم، فكان من الضروري التقدم في التقسيم خطوة أخرى اعتمادا على وحدة قياس أكثر عملية: المركز المقدس (آزال) والأقاليم الخمسة الأخرى.
انطلاقا من وحدة القياس الرائجة هذه، صار من الممكن الحديث عن زيود وشوافع، مطلع ومنزل، يمن اعلى ويمن أسفل، شمال وجنوب ومشرق وتهامة،... وهكذا انحطت لغة السجال في اليمن لتبلغ الدرك الأدنى بعد سيطرة الحوثيين على دار الرئاسة ووضعهم الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية.
أعاد الرئيس هادي وكل المشاركين في موفنبيك، وبخاصة الحوثيون انفسهم، تعريف اليمني طبقا لمعايير شديدة البدائية. وأغلقوا الخيارات المستقبلية على ثلاثة: فدرالية من أي نوع؛ انفصال بأي وسيلة؛ دولة الرئيس السابق علي عبدالله صالح (بكل مثالبها وبخاصة التركيز العاصمي والتسلط العصبوي).
حرم اليمنيون من خيارات عديدة أخرى. وقد تكفلت "صناعة الإجماع" بتوجيه ال500 مشاركا في موفنبيك إلى "قبلة" الفدرالية باعتبارها الدين الذي لن يضل اليمنيون من بعد اعتناقه أبدا.
كان من موجبات هذا الاغلاق على الخيارات، الحؤول دون أية فرصة لالتقاء اليمنيين. ووأد أية محاولة لتذكيرهم بخيارات أخرى، ورفض أية مقترحات من اجل الإعداد الجيد للحوار الوطني بما في ذلك رفض التهيئة عبر اجراءات بناء ثقة في الجنوب وصعدة.
كان المطلوب أخذ اليمن في المرحلة الانتقالية الى التقسيم السياسي. وقد فعل جمال بنعمر وخبراؤه الذين يحهلون اليمن، كل ما يتوجب فعله لإقناع اليمنيين بأن الفدرالية ستأخذهم إلى الجنة.
***
في خريف الحوار نشب خلاف بين المبشرين بالدين الجديد حول عدد الأقاليم الذي سيعتمد لتقسم اليمن. كان هناك معسكران غير متكافئيين: معسكر قوي برئاسة هادي ويضم الإصلاح والمؤتمر والناصري واتحاد القوى الشعبية وتكلتلات شبابية ومدنية، وقد عزم أمره على تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم بما يضمن تقسيم الجنوب إلى اقليمين على الأقل؛ ومعسكر آخر يضم الحزب الاشتراكي و"مؤتمر شعب الجنوب" (مكون محمد علي أحمد) وجماعات صغيرة أخرى لا تتمتع بقوة تصويتية في مؤتمر الحوار.
بين هذين المعسكرين وقف الحوثيون معتمدين أسلوب "الشيطان الأكبر" في "الغموض البناء". لم يقولوا كلمة فصل بخصوص مشروعهم التقسيمي الخاص، لكنهم ابدوا تحفظهم لاحقا، طريقة ومعايير تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم. وأرسلوا إلى اطراف جنوبية وحزبية ما مفاده انهم يمكن أن يقبلوا تقسيما سياسيا من اقليمين؛ شمال وجنوب. وقد بدا هذا وجيها بالقياس الى ما كان يردده بعض الحوثيين قبل 2014، من أن الجماعة تؤيد حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم! فضلا على هذه التصريحات، كان ناشطون جنوبيون، خصوصا الموالين لنائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض المدعوم من إيران، يظنون أن تقدم الحوثيين في الشمال يقرب "اليوم الموعود" الذي تتنزل فيه الفدرالية على الجنوب، ثم يكون من بعد ذلك قرار بشان الوحدة.
***
يمكن اعتبار "الفدرالية" الكلمة المفتاح التي تفسر سلوك جميع الأطراف في المرحلة الانتقالية.
والشاهد أن "الفدرالية" بما هي موضوع مدرسي، شديدة الأغواء. أنها للوهلة الأولى الحل السحري لكل مشاكل اليمنيين مع دولتهم الراهنة.
كما أي حل سحري يتكثف في مفردة واحدة، صارت الفدرالية دين الشموليين بمختلف تياراتهم. لا يمكن تفسير هذا الانجراف العميق من قادة الأحزاب اليسارية والاسلامية والقومية في "الدين الجديد" من دون الإمساك ب"شموليتهم" المنجرحة او الآفلة. لقد قاربوا مسألة "كيان الدولة" كما كانوا يقاربون مسألة العدالة الاجتماعية او مسألة "الوحدة العربية" أو "الوحدة الأسلامية". كذلك حل شعار "الفدرالية هي الحل" محل "الإسلام هو الحل" ومحل "حتمية الحل الاشتراكي" ومحل "الوحدة العربية آتية لا ريب"!
في عام الحوار الوطني (2013) عاد الشموليون في اليمن إلى صباهم! لقد وفرت "الفدرالية" علاجا سحريا لحالة الضياع التي دخلوها جراء أفول، او انكشاف عيوب وثغرات، "ايديولوجياتهم" الشمولية.
صار للشمولي، الآن، ما يعيد إليه اعتباره.
هكذا، انغمس شموليو الماضي في تخليق شمولية جديدة من مسألة تجريبية محضة، هي "شكل الدولة".
ومن يعيد تتبع مسار الحوار الوطني، وتصريحات أبرز شخصياته، سيضيع وسط أكوام من المقولات التبشيرية التي انتشرت في عام الحوار. لكنه لن يجد أية دراسة علمية جادة تناقش الفدرالية في العمق.
شخصيا، اعرف ان الأطراف التي شاركت في مؤتمر الحوار، لم تكن مزودة بأية دراسات أو استطلاعات تتعلق بالدين الذي يبشرون به. لم يكن أي حزب قد ناقش بشكل مفصل كيف سيفدرل اليمن، وهل بالوسع حقا تحويل جنس دولة من "دولة بسيطة" إلى "دولة مركبة". وفي حال أمكن هذا، ما هي الكلف المتوقعة؟ وما هي المخاطر المحتملة؟ وهل سيؤثر تقسيم شعب واحد سياسيا على عدة اقاليم على هويته الوطنية؟ وما هي الآثار المتوقعة على حقوق المواطنة لليمنيين جميعا؟ وكيف يمكن تفكيك دولة باسم الفدرالية من دون ان يؤدي ذلك إلى تفتيت الهوية الجامعة لليمنيين؟
***
لم يحضر أي فدرالي جيدا للاختبار. كان المطلوب انتزاع قرار بأي ثمن وبأسرع وقت، يسمح بتحويل اليمن من دولة بسيطة إلى دولة مركبة.
لم يظهر أي خلاف ذي معنى بين الفدراليين الذين ظلوا حتى نهاية صيف 2013 على قلب "فدرالي واحد". لكنهم سرعان ما تضاغنوا بدءا من سبتمبر 2013. كانوا في الخفاء، وبعيدا عن "أرانب السباق" في موفنبيك، يتفاوضون على عدد الأقاليم! وفي رمضان من ذلك العام كانوا قد توصلوا إلى اتفاق أولي بتقسيم اليمن إلى 5 أو 6 أقاليم. لكن الحزب الاشتراكي اليمني أظهر لاحقا انه متمسك بخيار الاقليمين (شمال وجنوب). بينما التزم الحوثيون "الغموض البناء"، مبقين على هامش مناورة يساعدهم على تأجيل أي صدام بأي طرف، وانتظار مستجدات العلاقة بين اطراف المبادرة الخليجية.
***
في ذلك الخريف، كان من الواضح ان الحوثيين يواصلون تقدمهم في الشمال. وأن جماعات وازنة في حضرموت تتطلع الى اقليم خاص بالمحافظة، وليكن أقليم يضم محافظات أخرى إن لزم الأمر.
كان الرئيس هادي من أوائل معتنقي الدين الجديد. لكن حليفه الحزبي الرئيسي، وهو التجمع اليمني للإصلاح الذي لعب إلى حد بعيد، دور الحزب الغالب (أو المسيطر)، كان من المؤمنين التابعين (!). والحاصل أن الرئيس والإصلاح التقوا في منطقة "الاقاليم ال6". كانا ضد فكرة الانفصال. وبالتالي وقفا بشدة ضد فكرة الاقليمين. كانا يعرفان ان فكرة الاقليمين لها جاذبية أقوى لدى حلفائهم في الجنوب والشمال. وكلاهما أدرك أن ضرب هذه الجاذبية يتطلب فكرة اكثر جاذبية أو فكرة معطلة!
في منتصف 2013 بدأ الرئيس هادي والإصلاح (وغريمهما الأول حزب المؤتمر الشعبي) الدفع باتجاه اقليم شرقي محوره حضرموت. كان هذا التكتيك يثير جنون الحزب الاشتراكي والحراكيين. فقد ظهر أن في حضرموت وشبوة نزوع قوي للابتعاد عن محافظات الجنوب الاخرى. وقد جرى استدعاء مشروع بريطاني يقسم الجنوب إلى محميتين، غربية وشرقية انطلاقا من عدن.
هكذا استقطب مشروع الاقاليم ال6 كل خصوم الحراك والاشتراكي اولا.
كان تقسيم الجنوب (السياسي السابق) إلى اقليمين يجهز تلقائيا على أي امل في استعادة "الجنوب السياسي" باسم الفدرالية أو بهدف الانفصال (أو فك الارتباط بحسب علي سالم البيض).
[يحضرني هنا لقاء بسياسي بارز من المشترك في خريف 2013، وقد سمعت منه مباشرة ما يمكن اعتباره تعهدا بمواجهة مشروع الاقليمين بأي ثمن حتى لو اضطر حزبه إلى لعب الورقة الحضرمية!]
كسب مشروع الاقاليم ال6 تأييد القوى الرئيسية في موفنبيك باستثناء الحزب الاشتراكي. وقد وجد التجمع اليمني للإصلاح في هذا المشروع ما يبدد هواجسه من التنامي المتسارع لقوة الحوثيين في الشمال. هكذا صار اقليم "آزال" حلا مثاليا للمسألة الحوثية. كان مطلوب تحجيم الحوثيين في الشمال الزيدي خصوصا وقد ظهر للجميع ان هذا "الشمال" سيكون للحوثيين فيه الكلمة الفصل. وقد تحمس الإصلاح لفكرة اقليم شمالي خاص بمناطق نفوذ محتملة للحوثيين. وقد أدى هذا التقسيم الطائفي إلى ضم محافظة ذمار، بما هي محافظة سكانها في اغلبهم من اليمنيين الزيود، إلى اقليم "آزال" بعدما كان التقسيم الأولي يضعها في اقليم "سبأ". [توجد تفاصيل موجعة بشان هذا التقسيم البدائي لليمنيين]
في ديسمبر 2013 خرج الدكتور ياسين سعيد نعمان (بما هو نبي الفدرالية في اليمن أو ما يمكن أن يكون "فرانكشتاين الأول" في اليمن) مغاضبا بعدما تيقن من أن الرئيس هادي حسم موقفه لصالح الاقاليم ال6 متحالفا مع الإصلاح وقطاع مؤثر من حزب المؤتمر الشعبي وكل اؤلئك الذين يتطيرون من انفصال يمهد إليه تقسيم فدرالي من اقليمين.
وقد تشكلت لجنة لتحديد عدد الأقاليم بتفويض شبه مطلق للرئيس هادي من مؤتمر الحوار الوطني. وفي اللقاء الأول للجنة بدا الرئيس هادي حاسما ومستعجلا قرار التقسيم الجاهز. وهو طلب من اللجنة انهاء مهمتها (الاستراتيجية والمعقدة) في ظرف يومين، لكن اعضاء في اللجنة اقنعوه بأن انجاز المهمة بهذه السرعة يثير شبهات في أن اللجنة لم تفعل شيئا سوى الإذعان لمشيئة الرئيس الذي شكلها. تحلى الرئيس بالصبر مراعيا الشكليات. وانهت اللجنة مهمتها بنجاح لكن ممثل جماعة الحوثيين رفض التوقيع على "تقسيم اليمن" لأن لديه تحفظات. وكذلك قال عبدالملك الحوثي مرارا في العام الماضي.
***
انعكس مشروع التقسيم موادا في مسودة الدستور. وفي الأثناء كان الحوثيون يتابعون تقدمهم جنوبا بدءا من صعدة. وقد استولوا على عمران ثم على العاصمة في سبتمبر الماضي.
كان هذا التطور يثير قلق الفدراليين (السداسيين، إن جاز الوصف). وكم كان لافتا أن هؤلاء، وهم مسؤولون رفيعون في الحكومة والبرلمان والأحزاب والسلطة المحلية، سارعوا إلى إجراء اتصالات ومشاورات ولقاءات لبحث هذا التطور الخطير الذي يهدد مشروعهم الافتراضي. كان التقسيم لا "العاصمة المحتلة" هو ما يثير قلقهم. وقد اجتمع ممثلون افتراضيون من اقليم "الجند" واقليم "حضرموت" لغرض تدارس ما يمكن فعله لمنع الحوثيين من تغيير صيغة التقسم، خصوصا وان الحوثيين كانوا قد تمكنوا من ادراج مطلبهم بإعادة النظر في موضوع شكل الدولة، في اتفاق السلم والشراكة.
***
يمكن ببساطة تفسير سلوك الفاعلين السياسيين اليمنيين انطلاقا من "الفدرالية"، بإقليمين أو بستة أقاليم.
في هذا السياق يمكن فهم ما ورد في موقف الحزب الاشتراكي من الإعلان الدستوري. فقد تضمن الموقف تجديدا على تمسك الحزب بخيار الاقليمين!
بالنسبة لأي قارئ عابر، فإن الإشارة إلى مشروع الاقليمين في معرض بيان بشان اعلان دستوري للحوثيين ينهي السلطة التوافقية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، هو أمر مثير للاندهاش والعجب. لكن أي متابع لسلوك قيادة الحزب الاشتراكي يجد الامر اعتياديا على غرائبيته. ذلك ما اعنيه ب"رهين المحبسين".
يمكن في المقابل قراءة سلوك التجمع اليمني للإصلاح في ضوء هذا المشروع. فقد أراد الإصلاح (المتحفظ اساسا على مشروع الفدرالية) تعويض خسائرة المروعة في الشمال بتحفيز مشاعر دينية سنية في المشرق وتهامة وإب وتعز والجنوب. صارت فدرالية ال6 بمثابة طوق النجاة الإصلاحي من الوحش الفدرالي الزاحف من الشمال، والذي تخلق في عامي الحوار بفعل مثابرة الدكتور فرانكشتاين.
***
يمكن تلخيص المشهد الآن على النحو الآتي:
_ كانت الفدرالية مجرد فكرة يتم التلويح بها ضدا على مركزية طاغية لا تحتمل.
_ صارت الفدرالية دين النخبة اليمنية بدءا من عام 2012.
_ صارت افيون الشعب اليمني أيضا. فاليمنيون مطالبون بإرجاء اهدافهم من الثورة الشعبية حتى تنزل الفدرالية في صيغة 6 فراديس.
_ تمكنت السلطة الانتقالية من إرباك الحراك الجنوبي، وتحجيم الحزب الاشتراكي.
_ في ما يشبه الاستجابة الغريزية للتحدي الفدرالي، تقدم الحوثيون بقوة في الشمال لمنع أي مخطط يعزلهم داخل اقليم آزال. وقد استفاد الحوثيون من الثغرات الظاهرة على التقسيم الاعتباطي الذي قام على اسس مناطقية وطائفية، ولأجل اعتبارات سياسية لبعض الاطراف في السلطة.
_ يتضمن تقسيم ال6 اقاليم اكراهات لا حدود لها في ما يخص السكان داخلها.
_ التقسيم يغذي_ حتى من قبل ان يتنزل خطوطا وحدودا على الأرض_ النزعات الطائفية والمناطقية في اليمن.
_ التقسيم الفدرالي من أي عدد، يعيد تعريف اليمنيين كأقليات وأكثريات داخل كل اقليم.
_ الفدرالية طبق التصورات الراهنة بما فيها مسودة الدستور، مستحيلة التحقق.
_ يوجد مسودة دستور يلوح بها الرئيس هادي وكل خصوم الحوثيين. لكن الأكيد أن هذه المسودة لن تخضع لاستفتاء شعبي. فالانقسام الحاصل بشأنها يحول دون ان تصير "العقد الاجتماعي" لليمنيين. فهناك بالتأكيد نسبة مقدرة من اليمنيين لا يقبلون بها، في الشمال وفي الجنوب.
_ حتى في حال أصر الرئيس هادي، بدواعي الثأر من الحوثيين او استمرارا لمشروعه الأصلي، على تحويل مسودة الدستور الى محور استقطاب لليمنيين ضدا على الحوثيين وعلى الحراكيين، فإنه لن يتمكن من نيل موافقة الشعب اليمني عليها.
_ الفدرالية_ كما هو رأيي منذ البداية_ مستحيلة التحقق في اليمن راهنا. إن التبشير المستمر بفراديسها على الأرض، هو ما يثير المزيد من المخاوف حول مستقبل الكيان السياسي لليمنيين. وبالنسبة لي فإن ما يثير قلقي هو استحالة ان تتحقق بشارات الفدراليين وليس تحققها.
_ بوسع أي كاتب أو صحفي او أكاديمي، ان ينخرط كعامل مخلص في صناعة الإجماع. لكن عليه ان يتساءل أولا عما كان يفعله الرئيس هادي والحوثيون والمشترك والمؤتمر وممثلو الشباب والمكونات المدنية والنسوية في موفنبيك خلال عام 2013.
كانوا يصنعون الإجماع!
الإجماع الذي مكن الحوثيون من الاستحواذ على عاصمة اليمنيين، ودفع الرئيس إلى اللجوء، سرا، إلى عدن التي صارت معقله بعد سيطرة اللجان الشعبية (ميليشياته) على المدينة.
***
كما تفعل "صناعة الإجماع" في العادة. يخضع اليمنيون بمختلف شرائحهم ومناطقهم، لإكراهات غير مسبوقة. وسيكون من الجنون أن يتابع صناع الإجماع الإنتاج في بلد صار في "عين العاصفة"، ويستحيل على أبنائه، في الوقت الراهن، أن يعبرون بحرية عن إرادتهم في استفتاء شعبي.
عقب اختتام مؤتمر الحوار الوطني في يناير 2014، اقترحت عقد حوار بين اليمنيين بعد تبديد فرصة حوار 2013.
اجدد هذا المقترح الأن. بل وأشدد على ضرورته قبل أن يأخذ الرئيس هادي والحوثيون اليمن إلى حرب وجود، إلى مباراة صفرية، إلى قتال حتى النهاية قد يخرج طرف منه منتصرا لكن على "اليمن الخراب"!