السبت، 25 أبريل 2015

في الحرب الأهلية اليمنية، وفي العرائض والبكائيات المنددة التي لا يرى اصحابها إلا ضحاياهم!

    بدلا من الغضب والعنف اللفظي الذي يسبق ويواكب العنف المادي، الحربي، يستحسن ان نمعن النظر، ونمده ونديمه، في هذه الاصطفافات الغرائزية، السلالية والجهوية والطائفية.
    الناس ليسوا اشرارا ولا متعصبين بالولادة. هناك سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية تجعل من المرء كل شيء آخر إلا أن يكون يمنيا.
     لاحظوا هذه العرائض المنددة ب"العدوان" الخارجي التي لا يلتفت اصحابها إلى العدوان الداخلي الأشد فتكا باليمنيين. ولاحظوا تلك البكائيات، الصادقة في أغلبها، على مدن يمنية تكتوي بنيران ذوي القربى بينما لا تكاد تكترث لضحايا العاصفة في صعدة وصنعاء.
     اليمنيون بلا وجهة مستقبلية ، بلا قادة وطنيين، وبدون مشروع وطني.
أمراء حرب معتوهون وجنرالات فاسدون وشيوخ متعصبون ومشايخ محترفو حروب ومثقفون انتهازيون واخرون مراوغون، وسياسيون معمرون، يتصدرون المشهد اليمني، يوالون هذه العاصمة أو تلك، ولا يترددون في استثارة الغرائز البدائية، ما قبل اليمنية، بخطاب شعبوي مبتذل.
     اليمنيون بلا واجهة وطنية، ومن غير وجهة مستقبلية.
    ماضويون من كل شاكلة يعبثون بحاضرهم، ويرتدون بهم قرونا إلى الوراء.
هم يفرون من بعضهم، وينفرون من كل ما يذكرهم بمشتركاتهم وجوامعهم وثوابتهم وأمانيهم الوطنية، فهذا أوان الحرب، وهذه ساعة الطعان، وفي عتمة الظلاميين، طائفيين وجهويين، كل يلوذ بخندقه السلالي والمناطقي والجهوي إلى أن تشرق الشمس!

          ***
 
     الحرب الداخلية، حرب صالح والحوثي، تباعد بين اليمنيين طبقا لمعايير مناطقية وطائفية قدر ما تجعلهم متشابهين؛ يحملون السلاح ويمجدون القوة ويقاتلون تحت عناوين وطنية وأخرى مموهة... يقاتلون حتى الآن باسم الشرعية ضدا على تحالف حربي محلي، ذي جوهر عصبوي وطابع ثورجي، يقاتلهم باسم "الوحدة" و"السيادة"!
     يقاتلون حتى الآن بعناوين يمنية في الغالب. لكنها الحرب الداخلية! تبدأ بعناوين سياسية ووطنية وما هي إلا أسابيع حتى تنحدر إلى حرب أهلية. وهذه الحرب الداخلية مهيأة للتحول سريعا إلى حرب طائفية بالنظر إلى هوية الحاربين والمحروبين، باستعارة الفاظ البردوني.
       هذه حرب كارثية لا مثيل لها منذ حروب المطهر في القرن ال16. تحصد رقاب شباب اليمن وتسفك دماء الأبرياء وتلهب المشاعر الطائفية وتحفز ما رسب في الوجدان اليمني من نعرات عنصرية وجهوية ومذهبية. إنها الحرب الأشد بدائية وغرائزية ووحشية منذ قرون. وهي التجلي المنطقي لوثيقة جمال بنعمر في خريف 2013 التي وقع عليها العصبويون الذين يتوزعون الآن على ضفتي الحرب الداخلية.
       هذه حرب بلا شرف وبلا هدف وبلا أبطال. حرب تقتل " اليمن" قبل ان تقتل اليمنيين. إنها حرب الطغاة والبغاة باسم الوحدة والسيادة والوطنية الزائفة، التي ستمزق النسيج الوطني كل ممزق.
      هذه حرب داخلية قبل أية عاصفة وبعد أية زوابع. إنها حرب القادة الخرافيين والجنرالات الخرفين ضدا على اليمنيين الذين لا يصدقون خرافاتهم ولا يتوقفون عند تخريفاتهم، وضدا على المحافظات اليمنية، وضدا على الحواضر اليمنية في أقدس مواضعها، في عدن "عين اليمن" استراتيجيا، وفي تعز "قلب الثورات الوطنية" النابض.
        هذه حرب يجب أن تتوقف قبل أي عاصفة وأي وعد وأي أمل. لأنها حرب بلا اهداف وطنية قدر ما هي حرب الخرافات والتخريفات، حرب الاجتياحات اللحظية التي لن تلبث أن ترتد على فرسانها جائحات جهوية وطائفية من الشاكلة نفسها.
       هذه حرب يمنية_ يمنية قبل أن تكون حرب الشقيقة الكبرى وشقيقاتها التسع على تحالف الحرب المحلي. ومن يحمل في قلبه ذرة حب لليمن ولليمنيين، لا يباركها، ولا يمجد أبطالها الخرافيين والخرفين.
        هذه حرب داخلية حتى الآن. لكنها مرفودة بالسلاح قادما من البر والبحر، وهابطا من السماء، قد تجعل اليمنيين الذين يقاتلون، حتى الآن، برايات الشرعية والثورة والوحدة والاستقلال والتحرير، يمنيين يقتلون على الهوية الجهوية والطائفية.
       هذه الحرب الداخلية هي ما يجب أن يتوقف أولا، ثم يكون رفض لأي عدوان ولأي مدد!