السبت، 24 أكتوبر 2015

دروس في "الحرب الأهلية اليمنية _الاقليمية"

_ تفخيخ الهوية الوطنية بمشاريع مقامرة يعني تهيئة "اليمن" لفوضى الميليشيات"
_ مخرجات الحوار الوطني تخدم تيارات العنف و"الجماعات العصبوية"المسلحة لا "الأحزاب السياسية"
 _ القفز على البديهيات هو أسرع طريق إلى الهاوية، والرئيس لا يمكن أن يحكم ضدا على "حزب الرئيس"
    _ المضاربة بين الأحزاب والجماعات محتملة في السياسة لكنها مدمرة في المراحل الانتقالية للأوطان
__________________________________________________ 
 
      يدفع اليمنيون منذ 3 سنوات ضريبة "القفز على البديهيات" في إدارة المرحلة الانتقالية من قبل سلطة الوفاق التي قامت بناء على تسوية اقترحتها "المبادرة الخليجية"، تسمح بخروج الرئيس صالح من الرئاسة ومجيئ نائبه هادي على راس سلطة يتقاسمها حزب الرئيس المثور عليه في 2011 وأحزاب اللقاء المشترك التي التحقت بشباب الثورة الشعبية بعد تلكؤ، ثم سيطرت على الساحات وفاوضت باسمها.
شملت التسوية منح الرئيس السابق ورجاله حصانة من الملاحقة القانونية، ومنح الرئيس الجديد صلاحيات فوق رئاسية تجعل منه حاكما بصلاحيات بلا ضفاف، وحكما لا راد لأحكامه من قبل أية سلطة في الدولة.
أبقت التسوية على "المنصب التنفيذي الأول" في الدولة في حوزة "المؤتمر الشعبي العام"، ومنحت هذا الحزب (أي حزب الرئيسين المغادر والوافد) نصف أعضاء الحكومة الجديدة، في مدة انتقالية من عامين اثنين تبدأ من انتخاب الرئيس الجديد (الاستفتاء عليه شعبيا) في 21 فبراير 2012.
***يدفع اليمنيون منذ 3 سنوات ضريبة "القفز على البديهيات" في إدارة المرحلة الانتقالية من قبل سلطة الوفاق التي قامت بناء على تسوية اقتر
كانت البديهيات تقتضي مغادرة الرئيس صالح السياسة بعد الرئاسة. فالحصانة تعني ضمنيا اعتزال السياسة، والخروج مؤقتا_ على الأقل_ إلى حين الانتهاء من المرحلة الانتقالية. والتقاسم في السلطة بما في ذلك حلول رئيس جديد في الرئاسة محل الرئيس السابق، يفترض انتقالا مماثلا في "الحزب الحاكم" أو "حزب الحاكم" يجعل من الرئيس هادي رئيسا للمؤتمر الشعبي العام إلى حين اجراء انتخابات رئاسية جديدة.
لم يعتزل صالح السياسة مع انتخاب هادي، بل بدا مصرا على العودة من بوابة "الحزب" الذي يرأسه. فتسبب هذا الإصرار في تبلور صيغة غير مسبوقة في العالم العربي، وبخاصة في دول الربيع العربي، لأن الرئيس لم يعد الرئيس؛ رئيس الجمهورية ليس هو رئيس "الحزب الحاكم" الذي صار_ نظريا_ حزبا نصف حاكم. أي أن "حزب الرئيس" لم يعد في رئاسة هادي "حزب الرئيس" بل "حزب الرئيس السابق".
يتعاظم الأثر السلبي (التحريفي) لهذه الصيغة إذا تذكرنا أن "رئيس حزب الرئيس الجديد" هو "الرئيس المؤسس" الذي خلع عليه المنافقون والمتملقون بعد خروجه من دار الرئاسة، وصف "الزعيم" بما يوحي بأدوار "زعامية" تنتظره بينها التمتع بسلطة الإشراف على الرئيس الجديد الذي يشغل موقع النائب في "حزب الرئيس".
لقد مكنت الحصانة صالح من الاستمرار في "السياسة" من موقعه الحزبي (ودعك الآن من أدوات القوة الأخرى التي يتمتع بها) جاثما بثقله على "المرحلة الانتقالية"، ومؤرقا بحضوره وديناميكيته "أوديب اليمني"، أي الرئيس الجديد الذي عاش في كنف "الأب" و"القائد"، قبل "الزعيم"، آخر 20 سنة من حياته!
تعلم هادي (النائب الذي صار رئيسا بفضل ثورة ربيعية ومبادرة خليجية) من رفقته الطويلة لصالح (الرئيس الذي صار "زعيما") اللعب بالأوراق الحساسة، والمضاربة بين القوى السياسية والاجتماعية المتنافسة، لكنه افتقر وهو يمارس "الاعيب" صالح و"مضارباته" إلى قدراته ومهاراته وديناميكيته. وفي هذه الفجوة بين السياسات والقدرات يمكن تفسير الكثير من الكوارث التي حلت على اليمن منذ 2012.
لقد لعب الجميع ضد الجميع. ولعب "الرئيس" ضد "الزعيم"، و"النائب" ضد "رئيس الحزب"، وها إن الرئيس و"الزعيم" و"حزب الرئيس" جميعهم قبالة "البديهية" التي تم القفز عليها في 2012.
***
خلال العام الأول من رئاسته الانتقالية، لاح الرئيس الجديد محروما من "أداة سياسية" تمكنه من "اللعب" و"المضاربة" و"الرقص على رؤوس الثعابين".
لكنه لعب وضارب ورقص، ثم سقط "رهينة" في قبضة جماعة مسلحة بدأت منذ صيف 2012 سلسلة من "الحروب الاستردادية"، بما هي صاحبة الحق في احتكار تمثيل المحافظات الشمالية (من ذمار، جنوب العاصة، وحتى صعدة).
ضارب الرئيس الجديد، اولا، بالحوثيين ضدا على صالح و"حزب الرئيس". وهو أدار اتصالات سرية، بعيدا عن أنظار حزبه وحلفائه الاصلاحيين، مع الحوثيين لغرض ايجاد هوامش اضافية تمكنه من الحركة متحررا من ضغط "الزعيم".
ضارب الرئيس الجديد، ثانيا، بالحوثيين ضدا على حلفائه الأقوياء وبخاصة علي محسن الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح. وفي عمران كان جليا أن الحوثيين يتحركون تحت مظلة الرئيس لا بوازع من تحدي سلطته.
ضارب الرئيس الجديد بالقضية الجنوبية ضدا على حلفائه الأقوياء في صنعاء. وهو جعل من "القضية" أداة ضغط وابتزاز واستقطاب. كذلك التهب الشارع في الجنوب غضبا من انقلاب الرئاسة والنخبة الحاكمة في صنعاء على التعهدات والالتزامات والبديهيات (وفي صدارة البديهيات الشروع فورا في سياسات جنوبية مغايرة لسياسات سلطة ما بعد حرب 1994).
ضارب الرئيس الجديد بين الجهات، وهو قارب "الشعب" من منظور عصبوي. ومن الواضح أن هادي لم يكن يرى_ من معزله الرئاسي_ يمنيين بل قبائل وعشائر ومناطق وجهات.
لم يكن هادي وحده في ما يخص "المضاربة" الأخيرة. فالحق والإنصاف يقتضيان الإقرار بأن كل أولئك الذين كانوا حوله في العاصمة _ مستشارين وقادة أحزاب وممثلي مجتمع مدني_ كانوا يقاسمونه النظرة ذاتها، ويتشاركون معه في صناعة إجماع بخصوص "أولويات" مخترعة ل"المرحلة الانتقالية" لا تنص عليها المبادرة الخليجية.
كذلك جرى ترحيل أية معالجات للقضية الجنوبية وآثار الحروب في صعدة. ذلك ان هادي والمشترك فضلوا المقامرة عبر إبقاء الأوضاع في الجنوب وصعدة ساخنة في خدمة "الهدف الاستراتيجي" المضمر، وهو تفكيك الجمهورية اليمنية إلى أي عدد من الأقاليم (الدويلات) باسم فدرالية متوهمة وغير مدروسة ومبشر بها من نخبة السلطة والأحزاب وجمهرة من ممثلي الثورة والحراك والمجتمعين المدني والحقوقي.
***
ازدهرت "ًصناعة الإجماع" إلى الحد الذي جعل من طرح أي سؤال تشككي بشأن جدول الاعمال (الانتقالي ثم الحواري) كفرا بواحا ب"الثورة" و"الحوار"، وموالاة صريحة للنظام السابق المثور عليه.
لاحقا، سادت الغوغائية والشعبوية في "مؤتمر الحوار الوطني"، وتعالت أصوات الإجماع في قاعات فندق 5 نجوم شرق العاصمة، وسط مباركة من "سفراء الدولة الراعية" للعملية السياسية في اليمن، وتنميق المعوث الدولي السابق لجدول الأعمال والوثائق النظرية التي يشارك هو في صوغها من موقعه ك"ميسر".
وبينما كان السلاح يتدفق إلى كل مكان في اليمن، من صعدة إلى المكلا، كانت المهرجانات الاحتفالية منتظمة في موفنبيك وفي مربعات أخرى في العاصمة ومدن يمنية أخرى.
ومع السلاح والمهرجانات كان الاحباط يزحف في اليمن محتلا كل يوم مربعات من وعود الثورة الشبابية وتطلعات الحراك الجنوبي الذي انخرط قسم منه في الثورة خلال اشهرها الأولى.
وفي موفنبيك كانت النخبة الحزبية اليمنية المعمرة (ومن التحق بها من شباب الثورة) يضعون، بأيديهم هم، مخطط أولى لانتشار الجماعات المسلحة في اليمن. كانوا باسم "اليمن الجديد" يرسمون خارطة يمنية جديدة تلائم الجماعات المسلحة والعصبويات الجهوية والايديولوجية التي كان ممثلوها يلتقطون الصور التذكارية في موفنبيك بينما مسلحوهم يتخندقون على امتداد الخارطة اليمنية الراهنة تمهيدا لفرض خارطة عصبوية جديدة بالسلاح.
كان "الفاقد" من قفز هادي والمشترك على البديهيات، يذهب إلى جراب الحوثيين بدرجة رئيسية، ولكن أيضا إلى جماعات مسلحة أخري أبرزها "القاعدة".
بكلمة موجزة، فإن نخبة السياسة في اليمن صممت خارطة مستقبلية تصب في صالح "جماعات" عصبوية غير حزبية، فاندلعت الحرب!
***
خلال الأشهر الماضية اختبر اليمنيون مشاريع هادي والمشترك، وتذوقوا منتجات "صناعة الإجماع": حرب مدمرة، واستقطابات راسية، جهوية وطائفية، وتفشي ثقافة الكراهية، وانتشار فاحش للمسلحين، وانحسار الدولة وتجريف اجهزتها وضعف الاندماج الوطني لصالح هويات جهوية ومذهبية متوترة.
منذ صيف 2013 _ وليس 21 سبتمبر 2014 أو يناير 2015_ والحروب الداخلية تعصف باليمنيين وبأحلامهم وبقيمهم الوطنية. لكن التبشير المتواصل لنخبة "الخراب الوطني"، والتنميق المستمر للمبعوث الدولي والسفراء الغربيين، والنفاق الدولي عموما، أخذ اليمن في فبراير الماضي إلى الهاوية: إلى الحرب الأهلية اليمنية_ الاقليمية.
***
هذه الحرب لم تكن حتمية أبدا كما يصور أصحاب الضمائر المعطوبة الذين انتقلوا من مرحلة التمجيد لحوار كيفما اتفق، إلى مرحلة التمجيد للحرب مهما دمرت وجرفت. انتقلوا من منصات قاعات فندق 5 نجوم في العاصمة إلى منصات فنادق في الدول المجاورة أو إلى فضائيات الأطراف التي صنعت الإجماع في موفنبك وصنعت الحرب في ما بعد موفنبيك.
***
لم تكن حربا حتمية أبدا.
وهي تعلمنا كل يوم معنى المحافظة على المكتسبات الوطنية، وعلى "علوية" الزطنية اليمنية على أية مشاريع عصبوية. وهي تزود اليمنيين بأدلة _ محسوسة، من نار ورصاص_ عن عواقب الانسياق وراء "صناع الإجماع" و"تجار الوطنية" و"محترفي السياسة" الذين لا يتورعون عن اللعب بالمحرمات من أجل البقاء في الصدارة.
هذه الحرب ليست حتمية.
والمأمول الآن هو ان لا تكون مستدامة.
لكن الواجب من الآن استخلاص العبر والدروس منها، والدرس الثاني الذي يتوجب استحضاره واستذكاره واستظهاره كل صباح هو أن تفخيخ الهوية الوطنية اليمنية يعني أخذ اليمن إلى "الفوضى". أما الدرس الأول الذي يتوجب البدء من الآن _ حتى والحرب مستمرة_ اعتمادة كقاعدة سلوك في إدارة الدولة، فهو ان القفز على البديهيات هو، بالحتم، قفز الى الهاوية، وأن "قِدمَ الأخطاء لا يجعل منها حقائق".

قرار تأسيسي في عدن: حظر حمل السلاح

قرار حظر حمل السلاح في عدن الذي اتخذه محافظ عدن الجديد مؤخرا، هو قرار تأسيسي شديد الأهمية في هذه اللحظة الحرجة من النزاع في اليمن. وهو قرار شجاع_ وإنْ جاء متأخرا_ يستحق الإشادة والتأييد والتفاعل الشعبي معه، بدءا من عدن.
وظيفة الدولة الأولى المقدسة هي تأمين مواطنيها، توفير الأمن للشعب، وهذه الوظيفة لا تكون إلا بممارسة السلطة الشرعية لحقها الحصري في استخدام القوة. وهذا الحق الحصري لا يكون إلا باحتكار القوة في المجال العام وحظر أية مظاهر تنافس "الشرعية" في أي من حقوقها الحصرية. وهذا هو الدرس المستفاد من "صعدة" التي لم تذهب إليها "الدولة" فانتشر "الحوثيون" في البلاد!
**

الدولة في اليمن لن يتم استعادتها إلا انطلاقا من عدن.
لن تُستعاد إلا في حال غطّت هذه الاجراءات التي بدأت في عدن، محافظات الجمهورية اليمنية جميعا، بلوغا إلى صعدة. إذ لا سيادة قانون في ظل سيادة مجزئة على أراضي ومياه الجمهورية اليمنية بين "سلطات" او "جماعات".

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

"ميثاق الشرف القبلي" أو زفرة "الحوثي" الأخيرة!



       وثيقة الشرف القبلية آخر الشطحات "الثورجية" للحوثيين. يمرون بوثيقتهم على الحارات لحشد التأييد إليها من خلال سجلات يوقع عليها سكان العاصمة صنعاء.
   
      هذه الجماعة تبرهن كل يوم إنها من طبيعة مغايرة لطبيعة الدولة، حتى وقد انفردت بإعلان دستوري تقول إنه "خطوة ثورية"!
            ***
       مواثيق الشرف تصلح لترتيب التزامات اخلاقية على متنافسين او أطراف متمايزين أو متنافسين أو حتى متعاركين.
     لكن خاطفي الدولة اليمنية يواصلون مسيرتهم التفتيتية للمجتمع باسم "ميثاق شرف" يفرز "جمهور" الجماعة عن اليمنيين الآخرين. بكلمة أخرى فإن ميثاقهم هو فرز عن سبق إصرار بين مواطنين بهدف تكريس واقع ينقسم فيه اليمنيون إلى جماعتين في اليمن:
         _ جماعة الحوثيين وجماعة اليمنيين.
           _ بتعبير آخر، جماعة الحوثيين و"الجماعة الوطنية اليمنية"، أي الشعب اليمني.
     ***
  "ميثاق الشرف" الحوثي، هو أداة فاشستية أخرى لإثارة الشقاق بين اليمنيين وإشاعة النفاق في صفوف غير المؤيدين لهم الذين يخشون أذيتهم.
    هو من زاوية "الشرعية"، الشرعية الشعبية الحقة لا شرعية مدعاة من أي طرف، تعبير عن انكشاف لا عن امتلاء. وهو بالتالي إشارة على "قلق مصير" يستبد بجماعة تقول إنها أنجزت "ُثورة" شعبية في 21 سبتمبر 2014، وأعلنت سلطتها الثورية في 6 فبراير 2015 (الاعلان المنفرد للجماعة) لكنها في ساعة الشؤم التي تعيشها لم تعد تفكر بانتخابات عامة بل ب"التزامات" فردية من جزء من السكان بأن يقاتلوا تحت رايتها وأن يتصدوا لكل من يناهض سلطتها أو يمالئ العدوان ويناصر "الشرعية".
       هو "ميثاق" لا يحوز على أية "قوة شرائية" في أية مشاورات حول تنفيذ بنود القرار الدولي 2216 الذي يقول ولد الشيخ إن الحوثيين وافقوا عليه. ولن يكون "سندا" في يد المفاوض الحوثي في مواجهة "الشرعية" بل "دليل" آخر على أن آخر ما يكترث إليه الحوثيون هو "السلم الأهلي" في اليمن. وأن هذا "الميثاق" هو "زفرة الحوثي" الأخيرة!

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

مشروعان أديا إلى الحرب فاسقطتهما: ماضوية الحوثيين وتبشيرية هادي والاصلاحيين!

في هذه الحرب سقط مشروعان:
_ مشروع تحالف الحرب الداخلية، وهو مشروع تسلطي استحواذي احتلالي احلالي، يستهدف تقويض "الشرعية التوافقية" والعودة باليمن إلى ما قبل 2011 مبدئيا، وان تمايزت دوافع الحليفين صالح والحوثي بعد ذلك؛

_ مشروع الرئيس هادي والتجمع اليمني للإصلاح واحزاب المشترك، وهو مشروع تفكيك الجمهورية وتفتيت الجماعة الوطنية اليمنية باسم "فدرالية" براقة ليس لها قوائم على الأرض كما تُظهر مجريات الأحداث منذ الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني في يناير 2014. هذا المشروع الاحتيالي الخرافي المترع بالرومنسية والمغمس بالتبشير هو مشروع مطرز بالإرجاء بما أن "فدرالية" هادي والمشترك هي فدرالية آخروية تستلزم مراحل انتقالية، واحدة تلو أخرى.
المشروعان سقطا: مشروع الانقضاض على الدولة ومشروع الانسلال منها إلى "جنات" تجري من تحتها "دماء" اليمنيين.
ماذا بعد؟
الهدف الأسمى، راهنا، هو استعادة التوافق واستنقاذ الدولة واستنهاض المجتمع حول مشروع وطني جامع. والمشروع الوطني الجامع هو بالضرورة نقيض المشروعين التسلطي الاستحواذي والتفكيكي التفتيتي. وهو بالتأكيد السبيل إلى تجنيب اليمنيين جميعا بطش الميليشيات بمختلف اصنافها.

المشروعان التسلطي والتفكيكي هما بالطبيعة انعزاليان. فالتسلط باسم "وطنية يمنية" مدعاة تقوم على تعريفات حصرية من شاكلة تلك التي يضخها خطابا الرئيس السابق صالح وعبدالملك الحوثي، هو انعزالي بالتأكيد ف"اليمن" ليس صنعاء أو مجموعة قبائل في بقعة من بقاع اليمن، ووطنية من شاكلة "وطنية" الحوثي وصالح هي في واقع الأمر عصبوية جهوية كانت على مر التاريخ اليمني الحديث "عامل التحريف" الأول الذي يحول دون اندماج وطني قوي ومتعاف في اليمن. كما أن توهم الإفلات من الجغرافيا والتاريخ باسم "حوار وطني" هو في واقع الأمر "مهرجان" شعبوي لإنتاج حلول انعزالية جاهزة (حلول قبلوية يصير مؤتمر الحوار مجرد منصة لإطلاقها) توافَقَ عليها جزئيا أطراف السلطة الانتقالية لا اطراف الحوار الوطني المزعوم. وهي حلول انبنت على تفخيخ الهوية الوطنية اليمنية عبر تفكيك الدولة وتعزيز هويات ما قبل وطنية او جهوية، بوهم أن ذلك يسرع من عملية التحول نحو فدرالية مُبشر بها.
من صعدة إلى عدن تتجلى اليوم مظاهر هذين المشرعين المدمرين: فالسلاح غير الخاضع ل"الشرعية" هو صاحب القول الفصل، هو السيد والآمر والمتحكم على الأرض. ولأن للسلاح المنفلت من "الشرعية"، الشرعية بما هي سيادة قانون، أبطاله فقد تقدم الحوثيون، أولا، من صعدة باتجاه العاصمة حيث نخبة "السبات الهني" برئاسة هادي، ثم نزولا إلى تهامة وتعز والبيضاء ومأرب ولحج وعدن. وفي المقابل تقدم "أنصار الشريعة" [القاعدة] في المكلا، وظهر تنظيم الدولة الاسلامية [داعش] في عدن. وتفشت الميليشياوية في مختلف المحافظات اليمنية.
هذان مشروعان يفتكان باليمن: الإنسان والهوية والكيان. هما مشروع الحوثي_ صالح، ومشروع هادي _المشترك.
الحرب هي حصاد المشروعين، وهي مقتلهما.
لكن الخطر الراهن هو في المشروع الثالث؛ مشروع "اللادولة" أو دويلات وإمارات الجماعات المسلحة.

هذا، إذاً، وقت اعادة الاعتبار إلى "المشروع الوطني"، مشروع دولة المواطنة وسيادة القانون الذي خرج ثوار 2011 في طلبه قبل أن ينقلب عليهم اطراف السلطة الانتقالية والممثلون الافتراضيون للثورة والحراك الذين تم جلبهم إلى فندق 5 نجوم شرق العاصمة صنعاء.

عن التنكيل بمبدع أنتصر بشحنة مياه للحياة في اليمن

الزميل العزيز محمود يس قام بمبادرة نبيلة من أجل كسر حصار وحشي على مدينة تسكن قلوب اليمنيين من صعدة إلى المهرة.
ابقاؤه في معتقل الأمن السياسي في إب من قبل جماعة الحوثيين هو وصمة عار في جباه قادتها. وأي تنكيل يتعرض له في فترة اعتقاله (بالأحرى فترة اختطافه من جماعة لا تقيم وزنا للقانون وأجهزة العدالة) سيسجل كسابقة في اليمن منذ اعلان الجمهورية اليمنية في 1990، بنظامها التعددي وهامش حرية الصحافة المتأرجح مذّاك.
محمود ياسين صحفي وروائي معروف، لم يحمل سلاحا يوما ولم يغرس شحنة متفجرات في منزل أحد، وإنما أراد أن يعبر عن انسانيته بطريقته الخاصة عبر انزال "شحنة مياه" إلى مدينة يمنية عطشى.
***
الحوثيون يفحشون في عدائهم للصحفيين كأن الصحفيين هم من أذاقوهم الويلات في الحروب الست على صعدة (وفي صعدة).
محمود يس صحفي ومبدع يمني استثنائي، ومن الخزي أن يتم اعتقاله واساءة معاملته من قبل جماعة مسلحة اجتاحت محافظات يمنية وتجرف كل ما له صلة بالدولة والمواطنة وسيادة القانون.