الاثنين، 15 يونيو 2015

في استفظاع الإذلال والتشهير اللذين استهدفا عضو الهيئة العليا في "دولة" الميليشيا! الهرمان الاجتماعي والثوري لا يلتقيان في شطحات الحوثيين

        الإساءة التي لحقت بمحمد القيرعي عضو اللجنة الثورية العليا (التي اعلنها أنصار الله) تعيد طرح مسألة التناقض بين "الدولة" و"الجماعة"، بين أدوات الإكراه المادي للدولة، الأمن والمخابرات والشرطة والجيش (مهما تباينت الآراء والمواقف بشأنها) بما هي مخرج فكرة اختكار السلطة للمارسة القهرية طبق الدستور والقانون، وبين الميليشيا التي هي أداة الإخضاع الفئوية ضد فئات المجتمع الأخرى.
       
       الحق انني علمت بواقعة احتجاز الأستاذ محمد القيرعي وإذلاله قبل نحو أسبوع. ولم أجد ما يستدعي الكتابة بالتعليق أو إبداء التضامن بخاصة وأن الرجل يشغل _ نظريا_ موقعا رفيعا في السلطة "الثورية" إذ إنه عضو "اللجنة الثورية العليا" التي انبثقت من الإعلان الدستوري لتمارس السلطة الاجرائية في الدولة مؤقتا ريثما تنتهي من تشكيل المجلس الوطني (البرلمان) والمجلس الرئاسي (السلطة التنفيذية).

        قبل أيام علمت أن قياديين رفيعين في الجماعة التي شكلت اللجنة أبدوا أمام زملاء تذمرا من فكرة استمرار هذه اللجنة (وأقله نوعية اعضائها) في ظل تنامي الضغط الدولي على الأطراف المتصارعة في اليمن من أجل تسوية سياسية ارتكازا على القرار الدولي 2216. (وقد ربطت تلقائيا بين واقعة احتجاز القيرعي وبين تعبيرات الاستياء الحوثية، لكن لم يكن هناك ما يستدعي التعليق على واقعة تتصل بصميم الكرامة الانسانية لمواطن يمني مهما يكن مركزه ومنصبه).

        مساء أمس ارسل لي صديق تسجيلا بالصورة والصوت لجانب من واقعة الاحتجاز. وصباح اليوم الاثنين تصفحت التسجيل وهالني ما رأيت من انتهاك سافر لكرامة انسان يمني من قبل مجهولين يقولون إنهم "انصار الله".

        يصعب الاقتراب من بعض الانتهاكات بالتغطية والتعليق عندما يكون الضحية عاريا من أية حماية حتى من غطائه الثوري. والموجع أن التسجيل يظهر الصدع الكبير (كما هو الأمر غالبا) بين دعاوى الثورة وثقالات الواقع. بين الهرم الثوري المقلوب وبين الهرم الاجتماعي الراسخ رسوخ جبل نقم شرقي عاصمة اليمن الكبير!
       
         في التسجيل يظهر القيرعي المعنف عديم حيلة في مواجهة رجال، غير معينين دستوريا وقانونيا، يعنفونه وينهالون عليه بالأسئلة والإهانات. لقد اضطر إلى استخدام الترس "الثوري" في محاولته لكبح جماحهم وصد ثورتهم، هم. وقد اتضح له أن ترسه من "قش" بينما اسلحتهم من نار وحديد.

        ليس هذا مقام التشفي من أحد.
        ليست هذه الواقعة المناسبة لنقد خيارات القيرعي وتعييب قرار تعيينه من قبل سلطة الأمر الواقع الحوثية التي لا تمت إلى الواقعية بصلة.
         هذا مقام استهجان الفظاعات التي تمارسها الجماعة ضد الفرد، والميليشيا ضد الحق، والايديولوجيا ضد الكرامة الانسانية.

        لم يكن أحد ليولي كبير اهتمام، واقعة تحدث كثيرا في بلد يشيع فيه القتل بقدر ما تشيع فيه هيئات الفضيلة. لكن الحوثيين نشروا، مرة أخرى، "فيديو" يظهر فيه انسان يمني مهانا ومعنفا من قبل مسلحين عديمي الصفة وتعصف بهم النقمة جراء سلوك رجل اعترضوا طريقة في نقطة تفتيش في العاصمة المستباحة، برا وجوا!
 
          يستدعي الفيديو المسرب عن رجل يشغل موقعا ثوريا رفيعا، طرح مسألة "السوية": ما هو العائد المتحصل للجماعة من تسريب فيديوهات مهينة كهذه؟

       يمكن صوغ المسألة مجددا على هيئة أسئلة كهذه:
_ ما مركزية الفضيلة في مشروع جماعة اسلاموية، كأنصار الله، لإحكام السيطرة على المجتمع اليمني؟
_ ثم هل هناك فروق بين حراس الفضيلة السلفيين وحراسها الحوثيين؟
_ هل توجد فروق في التعاطي مع الضحايا بحسب مواقعهم في التراتبية الاجتماعية الراسخة لا بحسب مواقعهم في التراتبية الثورية (المزعومة)؟
_ ماذا سيفعل قائد جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي الذي يتسنم سدة الهرم الاجتماعي حيال رفيق الثورة الذي صعد في سياق سياسي واجتماعي متوتر، من قاع الهرم الاجتماعي إلى صدارة الواجهة الثورية للحوثيين؟
_ ماذا كسب المهمشون اليمنيون (المكتوب عليهم بالولادة واللون، ملازمة قاع الهرم الاجتماعي) من شطحة ثورية دفعت بأحد منهم إلى راس الهرم الثوري ثم من هناك جرى إلقائه أرضا في ما يشبه العقوبات الوحشية التي كانت تمارسها الجماعات القبلية في فجر التاريخ البشري؟
_ كيف سيأمن اليمنيون على كرامتهم في ظل "طهرانية" الجماعة التي لا تكتفي بإذلال المحالفين في المعتقلات السرية بل تتفاخر بإذلالهم عبر توزيع تسجيلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في ما يشبه الإعدام المعنوي؟
****
     وأخيرا:
هل في وسع الميليشيا أن تنتج ثورة حقا بلّك أن تصير دولة؟

الأحد، 14 يونيو 2015

تمثيل "الحراك" في جنيف مؤشر على رداءة المتحاورين وانحطاطهم القيمي!


          من حسن باعوم وعلي سالم البيض وعلي ناصر محمد وحيدر ابوبكر العطاس ومحمد علي أحمد (قيادات الخارج) وهيئات الضباط الجنوبيين المسرحين قسريا (ناصر النوبة وعلي السعدي والبيشي والمعطري وعيدروس حقيس وزملائهم الذين فجروا الاحتجاجات في الجنوب في 2007) جرى اختزال "الحراك الجنوبي" في مؤتمر الحوار الوطني إلى مكون جديد برئاسة أحمد الصريمة ونيابة محمد علي احمد. حظي هذا المكون الطارئ بدعم وتأييد الرئيس هادي وكل "الرجال المحترمين" في صنعاء، وبمباركة جمال بنعمر (المبعوث الأممي السابق) وكل السفراء الرعاة للمبادرة الخليجية والعملية الانتقالية). ظنوا ان اختراع مكون جديد يقبل الانصمام إلى "السيرك الصنعائي" سيوفر حلا للقضية الجنوبية في موفنبيك أو _ على الأقل_ غطاء جنوبيا لأي حل يتم تمريره في الحوار.
            بعد شهر غادر رئيس "مؤتمر شعب الجنوب" أحمد الصريمة الفندق حيث "العروض البهلوانية" لسلطة الغدر باليمنيين ومن بارك انقلابها على الثورة والقضية الجنوبية. انسحب باكرا لأسباب لم يطلع عليها اليمنيون، لكن الذين اغتاظوا من انسحابه روجوا في المجالس والمقايل لشائعة تقول إن السلطان قابوس ضغط على الرجل (الذي يحمل الجنسيو العمانية) لمغادرة اليمن بناء على طلب من الرئيس هادي.
          بعد 4 اشهر من عروض موفنبيك، كان محمد علي أحمد الذي صار بانسحاب الصريمة، رئيسا للمكون الحراكي المشارك في الحوار الوطني، يشتبك علنا مع الرئيس هادي الذي لم يتحقق له الاشباع الرئاسي الكافي ليتعاطى مع الحراك بروحية رئيس دولة. قرر الرئيس هادي إن الملعب الجنوبي تنقصة العروض الشائقة، فغادر وقاره الرئاسي وهرع إلى الجنوب للعب في "دوري المظاليم" الذي بدأ في اعقاب حرب 94. كانت النتيجة أن الرئيس اليمني ارتطم ب"الرئيس الحراكي"، فتبادلا الطعنات السياسية. ولما كانت يد الرئيس اليمني طليقة _ كيد سلفه في الرئاسة وأكثر_ فقد استطاع ان يستميل نحو نصف عدد المكون الحراكي إلى صفه. وهكذا انتقل تمثيل الحراك الجنوبي من حراك 2012 الذي اسسه محمد علي أحمد والصريمة وقيادات حراكية وناشطون معروفون في الجنوب، إلى حراك 2013 برئاسة هادي نفسه (أحد أبطال حرب 94 التي أدت لاحقا إلى ظهور الاحتجاجات في الجنوب ضدا على نتائجها).

          في مطلع 2014 كان اعضاء منشقون من مكون محمد علي أحمد يظهرون في المشهد الختامي لعروض سيرك الحوار الوطني في فندق موفنبيك، باعتبارهم الممثل الشرعي والحصري للجنوب، مباركين المخرجات الرائعة التي ستضع حلا عادلا للقضية الجنوبية.
        كان ذلك الظهور _ بمعزل عن الرأي في اصحابه_ بمثابة الإعلان السافر للعدوان على اليمنيين جميعا والجنوبيين خصوصا، بمشاركة من كل المكونات السياسية والحزبية والشبابية والمدنية والحقوقية الحربية المشاركة في الحوار، جميعها بدءا من هادي والمبعوث الدولي وسفراء الدول الراعية وقادة أحزاب المشترك وقادة المؤتمر الشعبي.
لقد تعرض الشعب اليمني لجريمتين في موفنبيك: جريمة انتحال صفة تمثيله من قبل المشاركين الذين قرروا التمديد لهادي وللحكومة وللبرلمان، وجريمة انتحال صفة تمثيل سكان الجنوب من قبل الرئيس هادي وكل أولئك الطيبين الذين انتقلوا من عدن إلى صنعاء ثم انتقلوا من رئاسة محمد علي أحمد إلى رئاسة هادي بكل سلاسة.
في يناير 2014 كان المشهد الختامي لعروض السيرك اليمني. بعد أشهر قليلة بدأت نذر الحرب الأهلية الشاملة في الظهور. وفي يوليو اقتحم الحوثيون محافظة عمران. وفي سبتمبر اقتحموا العاصمة صنعاء ليفرضوا اتفاق سلم وشراكة كان من ضمن الموقعين عليه "حراك 2013"!
        والأن _ وفي ظل حرب داخلية كارثية_فإن حوارا أو تفاوضا أو تشاورا أو تناوشا، مقررا له أن يبدأ في جنيف غدا يضم كل المتآمرين في صنعاء منقوصا منهم "ارانب السباق" التي لا تُدعى للمشاركة في المنافسات داخل الحلبات المغلقة.
من الغباء توقع الكثير من هؤلاء المنتحلين الذين لم ينتخبهم أحد لتمثيله في أي حوار. لكنها شرعية القوة والبقية الباقية من "شرعية توافقية" أخذت وفدين إلى جنيف بناء على دعوة محترمة أخرى (!) من المجتمع الدولي.
        سيتفاوضون كقتلة، ك"حاربين" و"محروبين" _ باستعارة مفردات البردوني_ على كيفية انهاء الحرب طبق قرار مجلس الأمن 2216، وسيبحثون آليات تنفيذ هذا القرار، ويفترض أن يبحثوا مسودة اتفاق اطاري جديد يحل محل المبادرة الخليجية.
من الواضح ان المنتحلين جميعا لا يستشعروا أي مسؤولية حيال شعبهم وبلدهم. وهم _ بالخطاب والمسلك_ يفتقرون للحس السليم بالزمن وبالواقع. لذلك على المتفائلين أن يخفضوا سفوق توقعاتهم كثيرا. عليهم ان يتذكروا ان هؤلاء القتلة واللصوص والأفاكين كانوا يصلون، كتفا إلى كتق، في قاعات موفنبيك. وعندما كانت التحذيرات تصدر من أصوات مستقلة، من خطورة اخذهم "اليمن" إلى الحرب الأهلية، كانوا يردون بصور جماعية تظهر كم أنهم محبون ومتسامحون ومسالمون ومدنيون.
        من الفطنة أن يخفض اليمني توقعاته حيال ما يمكن أن ينجزه هؤلاء في جنيف، بتيسير المبعوث الأممي الجديد الذي لا يبدو أنه تعلم من جاره المغربي الدرس.
         من الضروري ألا يمر مشهد الوفدين من غير العودة إلى نقطة البداية:
من يمثل الحراك الجنوبي في جنيف؟
 

         كانت لدي، دائما، تحفظات مبدئية تتعلق بوجاهة استقدام اشخاص أو جماعات تمثل (دون أي تفويض) سكان المحافظات الجنوبية والشرقية (الجنوب السياسي سابقا)، ومع ذلك هناك مكونات وقيادات معروفة في الداخل والخارج لها حيثية تمثيلية في الشارع الجنوبي. لكن من المخزي أن تتورط "نخبة الهوان الوطني" مجددا في انتحال تمثيل هزيل للحراك الجنوبي يذكر بأسوأ عروض موفنبيك.
الحوثيون_ مثلهم مثل هادي واحزاب المشترك_ يلعبون اللعبة نفسها في الجنوب. صار لديهم "حراكيون" تحت الطلب!
        هناك دائما مسارات أكثر واقعية وعملية من اصطحاب ممثلين مزعومين لقضية وطنية (جنوبية) لن تحظى _ أبدا_ بتمثيل عادل قبل أن يحظى اليمن برجال دولة محترمين وقادة حزبيين كبار يحترمون شعبهم ويترفعون عن موائد اللئام ويأنفون من المشاركة في عروض تضليلية من شاكلة ما جرى في موفنبيك وما سيجري غدا في جنيف.