الأحد، 22 مارس 2015

بين رجلين وبلدين وحربين مقدستين: بوش الإبن وعبدالملك الحوثي!

     من صنعاء صدرت التوجيهات بشن الحرب ضد جماعة الحوثيين في صعدة، 6 مرات خلال العقد الماضي.
     من صعدة أصدر قائد الجماعة توجيهاته بشن الحرب على المحافظات التي ما تزال غير خاضعة لسيطرته.
تراجيديا يمنية.
   بعد اجتياح ميليشوي للشمال انطلاقا من صعدة، والتوسع غربا باتجاه تهامة وجنوبا باتجاه ذمار وإب، "الضحية" يشن الحرب على مناطق اليمن الوسطى والحنوبية والشرقية بالتحالف مع "الجلاد".
الحرب على الإرهاب مسؤولية سلطة شرعية لا جماعة من اليمنيين تتحرك خارج أي غطاء وطني ضدا على مناطق تزعم انها تحتضن القاعدة.
هذه حرب ملعونة لن يكون اليمن بعدها "يمن". بل طوائف وامارات إسلامية، وطوابير خامسة تشتغل لعواصم الاقليم والغرب.
في خطاب عبدالملك الحوثي اليوم تذكرت الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش الإبن.
في 2001 اعتبر بوش الإبن الحرب على الإرهاب _ طبقا لمفهومه الضيق _ مهمة مقدسة. وهو أشار لاحقا إلى أنها حرب دينية (صليبية) ضد تنظيم القاعدة وحلفائه. كان المعنى ينصرف إلى المسلمين وإلى افغانستان حيث تسيطر حركة "طالبان" وإلى "العراق" البلد العربي الذي صار متهما بالتعامل مع قياديين من القاعدة. لاحقا ظهر زيف الادعاء الاميركي، ولكن بعد تدمير العراق وتسريح الجيش والبيروقراطية وتفكيك البنى العصرية للدولة والمجتمع لصالح ميليشيات شيعية وسنية.
بوش الإبن تحدث في خطابه بعد احداث 11 سبتمبر 2001 عن محور الشر. وهو اعتبر العراق وكوريا الشمالية وإيران اضلاع هذا المحور_ المثلث.
بوش الإبن توعد الدول التي ترعى الإرهاب أو تأوي ارهابيين بالحرب، معيدا الحياة إلى مبدأ واشنطن في عقدي الخمسينات والستينات في التعامل مع دول عدم الانحياز، ف"من ليس معنا فهو ضدنا"!
بوش الإبن شن حربين على افغانستان والعراق، ونفذ عمليات سرية واسعة، ودشن حروب الطائرات بدون طيار خارج الشرعية الدولية، واعتمد قانون الأدلة السرية في التعامل مع المشتبه بهم في اميركا، وساق أسرى حروبه إلى معتقل خارج الحدود (جوانتانامو) لتجريدهم من أية حماية قانونية، ومعاملتهم ككائنات غير ادمية، توضع في أقفاص لدراستها تصديقا للصورة المجازية التي قدمها ادوارد سعيد لتبيان البعد العنصري لدى مؤسسات استشراقية غربية خلال القرنين ال19 وال20.
بوش الإبن تفرد ببساطته في مقاربة القضايا المعقدة في العالم انطلاقا من "خيرية" مفعمة بالإيمان عن الأشرار الذين "يكرهوننا". لم يجهد كثيرا في التحليل، ولم يتحسب قط للعواقب. احتل دولتين واعلن انتهاء الحرب على الإرهاب، ممهدا الطرقات لجماعات مسلحة أكثر جذرية ومحلية من القاعدة.
بوش الإبن كان غاضبا وناقما وجامحا حتى أنه لم يستطع صبرا مع حلفاء مترددين او متشككين، وهو شن حربه على العراق خارج الشرعية الدولية.
***
عبدالملك الحوثي اعتبر الحرب التي يشنها على الإرهاب حربا دينية، فهو لم يستند مطلقا خلال ساعة تقريبا من التعبئة على أي نص دستوري أو قانوني يمني.
تحدث عن "قوى الشر" التي تستهدف "اليمن"!
انتقد "الحلفاء". وعبر عن ضيقه من التسويف في "موفنبيك". واعلم الجميع أنه ذاهب إلى "المهمة المقدسة" بدونهم.
حرص على عدم ترك مجال للشك في ما يعنيه بحربه. فهو أكد ان المناطق التي لا تتصدى للإرهاب سيتم اجتياحها. [الحرب على الإرهاب مهمة سلطة شرعية ومؤسسات خاضعة لأوامرها وليست مهمة أهلية على أية حال].
لم يظهر أي اكتراث للشرعية. حتى اتفاق السلم والشراكة الذي جرى التوقيع عليه في 21 سبتمبر الماضي، لم يعد يعنيه. صار للرجل قانونه الخاص الذي يتحرك تحت مظلته، وهو "الإعلان الدستوري".
ماذا أيضا؟
عبدالملك الحوثي قال صراحة اليوم إن من ليس معه (في الاعلان الدستوري واجتياح المناطق) فهو ضده. حتى أولئك الذين تملقوا جماعته طيلة الشهرين الماضيين (منذ 21 يناير) لم يعرهم أي اهتمام. بل إنهم مدانون بالتسويف والمراوحة. [شخصيا لا أجد ما يزعجني في قوله، فحوار موفنبيك كان اساسا مهزلة حزبية يرعاها بنعمر]
لا شيء عدا أن بوش الابن دمر دولتين عدوتين بحسب زعمه. بينما المقامرة الحوثية لن تدمر أية دولة سوى "الجمهورية اليمنية".
***
اليمن في خطر عظيم. وإذا تابع أبطال "الحوار الموفنبيكي" الهرولة فإن حربا غير مسبوقة في تاريخ اليمن، القريب والحديث والوسيط، ستغرس "الشرور" في كل بقعة من أرض اليمن.
***
جماعة "أنصار الله" في حرب!
هناك قائد مستعلٍ، كلي القدرة.
وهناك جنود يطيعونه.
لذلك لن يظهر أي صوت مختلف أو متمايز داخل الجماعة وفي المجلس السياسي الذي لا يعدو كونه واجهة علنية تنفذ التعليمات، تماما كما اللجنة الثورية واللجنة الأمنية.
لا يوجد صوت مختلف أو حتى متمايز او ذو نبرة مختلفة.
هذا مؤشر خطير، ومثير للقلق.
ويحتاج قراءة أعمق لجماعة تقارب قضايا مجتمعها باسم "الله" و"الشعب"، وتشن الحروب في كل اتجاه.

الحوثيون في حرب دينية جهوية على "الجنوب"!

حماقة كبرى ما اعلنته اللجنة الثورية (الواجهة الثورية لجماعة "أنصار الله"، الحوثيين) مساء امس بخصوص دعوة الجيش والأمن إلى التعبئة العامة ضد "التكفيريين"!
هناك الكثير مما يقال عن هذه الحماقة، هاكم بعضه:
_ الحوثيون مطالبون أولا بتغيير "العنوان"، فالألفاظ خدم المعاني كما يقول علماء العربية. ومن يضطفي نفسه باسم "أنصار الله" يكون تكفيريا بامتياز حتى ولو لم يمارس التكفير اللفظي كما يفعل "أنصار الشريعة"_ القاعدة. لست مع المقارنة بين الجماعتين لكن "أنصار الشريعة" أخف وطأة من "انصار الله"، فالشريعة شرائع وتحتمل الاختلاف والتمايز، بينما الله واحد؛
_ الحوثيون يدعون المؤسسة العسكرية والأمنية إلى اعلان النفير وخوض الحرب ضد التكفيريين. خوض الحرب تعني الذهاب بالمسلحين النظاميين والميليشياويين إلى تعز ومأرب والمحافظات الجنوبية والشرقية بلوغا إلى عدن باسم محاربة التكفير. بالتأكيد فإن الحوثيين لا يملكون إعلان الحرب على "الانفصاليين" كما فعل حليفهم الرئيس السابق قبل عقدين. فالشرعية التوافقية هي في عدن والتمرد هو في صنعاء. كما ان الرئيس هادي _ بكل التحفظات على سلوكه وخطابه_ لم يعلن أية خطوة تشي باالانفصال. والمغزى هنا أن الحوثيين_ في حال ذهبوا إلى الحرب الشاملة_ سيرتكبون ما هو أقظع مما جرى في 1994؛
_ في 1994 كان الانقسام سياسيا وإن تجسم بالحرب جهويا، وتكرست جهوية الحرب بعد انتهائها من خلال ممارسات المنتصر في عدن. لكن الانقسام الآن يأخذ منذ البداية جوهره الجهوي. صحيح ان للحوثيين وحليفهم الحربي علي عبدالله صالح، "مناصرين" في عدن وتعز ومحافظات جنوبية وشرقية، لكن هذا لا يغطي على تضاريس جغرافيا التحالفات. الحرب المزمع خوضها تتموضع منذ اللحظة الاولى كجرب طائفية. وفي اليمن فإن طائفية تحيل على جغرافية مباشرة. فالتطابق بين المذهب والمكان، كلي تقريبا. فالزيدي هو الشمالي إلى حد بعيد والشافعي هو الجنوبي إلى حد ما. الزيود هم مطلع والشوافع هم منزل. لذلك يصير رفع لواء التكفير شديد الخطورة ان صدر من جماعة عقائدية زيدية؛
_ رفع لواء التكفير ضد الرئيس هادي وحلفائه يعني التورط في تدمير النسيج الوطني بأكثر مما سببته حرب 1994. قبل عقدين شن الرئيس صالح والتكفيريون حربا ضد الاشتراكي، باسم اسقاط المشروع الانفصالي ودحر التمرد على الشرعية ومكافحة الشيوعية والإلجاد، آلت إلى حرب ضد الجنوب. واليوم يقوم الحوثيون بالمثل؛ شن حرب على من يسمونهم التكفيريين ستؤول إلى حرب على الجنوب؛
_ من يكفر من؟ الحوثيون في حوهرهم جماعة عقائدية. لا يمكن الإغفال عن تلك الروحية اليقينية لعبدالملك الحوثي في أمور السياسة والحرب. وخوض الجماعة الحرب باسم محاربة التكفيريين لن يكون من موقع وطني او علماني أو مدني بل من موقع اسلاموي مضاد. إننا إزاء مقدمات المشهد العراقي حيث ميليشيات شيعية تقاتل ميليشيات سنية باسم محاربة الإرهاب؛
_ يوجه الحوثيون الجيش بإعلان النفير! لكن ما هو هذا الجيش؟ نعلم أن القائد الأعلى للقوات المسلحة هو الرئيس عبدربه منصور هادي. أغلب الأحزاب وأغلب اليمنيين والمجتمع الاقليمي والدولي _ باستثناء إيران_ يعترفون بشرعية هذا الرئيس ويرفضون انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. هناك وزير الدفاع محمود الصبيحي أيضا. الذي ما يزال وزيرا للدفاع، ويتمتع بسمعة طيبة. بل إن الحوثيين أنفسهم حرصوا على وضعه كرئيس للجنة الأمنية العليا التي شكلوها عقب اعلانهم الدستوري. والحال أن اعلان النفير من قبل الحوثيين لا يعني سوى تدمير المؤسسة العسكرية وتكريس الانشقاق فيها ضدا على مصلحة اليمنيين جميعا.
***
الحوثيون جامحون.
لديهم حليف صريح محلي هو الرئيس السابق صالح الذي لن يوفر فرصة العودة _ أو التخريب على الأقل_ عبر دفع الجماعة الفتية إلى خوض حرب طائفية جهوية باسم محاربة التكفيريين والانفصاليين.
***
حرب الآن بأي ذريعة وتحت أي لواء، ستعني تدشين حرب طائفية وتهيئة المسرح للبطل الجهادي المقبل الذي سيرث عرش الحوثيين في اليمن!