السبت، 14 مارس 2015

عن "احتكارات التمثيل" ومشاريع التفتيت و"داعش" اليمني!

   المدخل إلى انقاذ اليمن من الحرب الأهلية يكون في تقويض احتكارات تمثيل اليمنيين، الاحتكارات التي ازدهرت خلال العقد الأخير وبلغت أوجها في السنوات ال3 الماضية.
لا أحد يحق له الحديث باسم جماعة من اليمنيين على اساس طائفي او جهوي.
الديمقراطية اجرائيا هي انتخابات دورية تحقق تداولا سلميا للسلطة. والانتخابات تجري بين احزاب سياسية وليس بين طوائف وجهات واعراق.
لذلك فإن الخطر الأعظن على اليمنيين الآن يكمن في جموح جماعات وعصابات وقيادات تاريخية وزعامات، بالزعم، باتجاه احتكار تمثيل اليمنيين كفئات ومناطق وطوائف، في المجال السياسي.
_ الرئيس عبدربه منصور هادي هو رئيس انتقالي. رئيس مؤقت لليمنيين في مرحلة انتقالية ينبغي ان تهيئهم إلى مرحلة جديدة تبدأ بانتخاب ممثليهم للسلطتين التنفيذية والتشريعية. ومن هذا الزاوية فإن الواجب بعد كل هذه الانهيارات في المرحلة الانتقالية هو تطوير صيغة انتقالية قصيرة الأمد تكفل إنهاء اجتياح العاصمة صنعاء من قبل ميليشيات الحوثيين، وتنص على مهام مزمنة تعالج اخطاء المرحلة الانتقالية التي ادت إلى المزيد من التعقيدات في اليمن. ومن ذلك تعديل طفيف في حكومة بحاح يضمن تمثيلا وطنيا اوسع لها، وغعادة النظر في بعض مخرجات الحوار الوطني التي ينص عليها اتفاق السلم والشراكة.
_ الأستاذ عبدالملك الحوثي هو قائد جماعة سياسية يمنية. هو قائد جماعة الحوثيين التي صار اسمها "أنصار الله". وهذه الجماعة ليست "الزيود" في اليمن. وهي ليست "الهاشميين". وليست بالتأكيد اليمنيين الذين تم حشرهم في اقليم افتراضي أسمه "آزال" بالتوازي مع عنف لفظي من قبل بعض الموتورين من الحزبيين والسياسيين الذين يمثلون بالليبرالية واليسار والقومية العربية بخطابهم العصبوي المخزي.
_ مهما انفقت دول الخليج من اموال فإن من المستحيل ان تتبلور صيغة اختمارية لتمثيل الجنوبيين. يستحيل ان يتحقق اجماع حول أي قائد او هيئة تزعم انها تمثل الجنوب الافتراضي. هناك وحدة قامت في 1990 نجم عنها زوال الدولتين السابقتين. وهناك حرب قامت في 1994 نجم عنها تغول طرف سياسي على اليمنيين جميعا، ومارس هذا الطرف ما يمكن وصفه ب "الاستعمار الداخلي" فصار "المستعمر الوطني". لكن الشمال والجنوب صارا تراثا سياسيا في اليمن. وأية محاولة لاستحياء الدولتين بدعاوى عنصرية في الشمال وتحررية في الجنوب ستكون مدمرة، وستؤسس في الواقع لدولة ثالثة هي دولة "داعش" اليمني!
_ هناك دائما مجالا للعودة عن خيارات ثبت استحالة تحققها. خيار الفدرالية الذي طرح في موفنبيك لمعالجة القضية الجنوبية ثبت فساده، خصوصا بعد ان صارت الفدرالية مدخلا لتمزيق اليمن وتقويض "الوطنية اليمنية" عبر تفخيخها بتحويل الهويات الفرعية إلى هويات بديلة. إن التساكن بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية اليمنية لا يكون إلا بالمواطنة المتساوية وليس بإعادة توزيع اليمنيين سياسيا طبقا لمعايير طائفية ومناطقية وحشرهم في معازل يتولى إدارتها محتكرو التمثيل. في هذه الحالة لا يوجد أي فارق بين المعزلين الاثنين والمعازل ال6. ففي الحالين سيعاني اغلبية اليمنيين من إكراهات بسبب تغول جماعات نفوذ او سلاح عليهم.
_ هناك مدينة كبرى ثانية في اليمن بعد عدن. وهذه المدينة صارت تجمع أكبر عدد من اليمنيين في مكان واحد. وهي المدينة التي باتت التكثيف الأمثل للشعب اليمني. اتحدث هنا عن العاصمة صنعاء. هذه المدينة تضرب راهنا من طرفين: الحوثيون الذين يوغلون في العنف ضد أية مظاهر تعبير سلمية في المدينة، ويكرسون الاعتقاد بانهم اجتاحوا المدينة لغرض استردادها من "اليمنيين" لا بغرض تحريرها من خصومهم العسكريين (علي محسن الاحمر). يتصرف الحوثيون بغباء وسفه وانعدام حساسية حيال عاصمة "اليمنيين"، العاصمة التي تضاعف سكانها عشر مرات خلال ال40 سنة الماضية. العاصمة هي "اليمن" مصغرا. لكن الحوثيين الجامحين وبليدي المشاعر، يظنون انهم استردوها اخيرا من "الأعداء". هذا ما أسميه بحروب الاسترداد التي يشنوها منذ عامين بدءا من "دماج"؛ والطرف الثاني هو الرئيس هادي وحلفاؤه، الذين حولوا موضوع العاصمة من فرصة إلى الضغط على الحوثيين وتضييق الخناق عليهم وطنيا لما يمثلونه من خطر على النسيج الوطني اليمن، إلى فرصة لتعزيز مقولاتهم العصبوية الغبية بشان صنعاء ومحيطها الاجتماعي. هكذا فإن وجود هادي في المدينة العريقة عدن ينبغي ان يكون وجودا اضطرارايا يمارس من خلاله السلطة الاجرائية، لا وجودا دئما حسبما يحلق بعض المتطرفين في الضفة المقابلة للحوثيين. صنعاء هي ضحية صدام الجهالات الذي يخوضه الرئيس هادي وعبدالملك الحوثي.
_ يواصل الحوثيون طنطنتهم بشأن مكافحة الإرهاب في محاولة غبية لتملق اميركا وحلفائها في العالم العربي، وانتزاع قبولا بالمكاسب التي حققوها حتى الأن، ثم تحويلها إلى حقائق سياسية. هذا ابالضبط ما يجري في موفنبيك برعاية من جمال بنعمر. الحوثيون طموحون ولديهم رغبة عارمة في كسب اعجاب الاميركان الذين يلعنونهم ليل نهار. هذه الرغبة العارمة هي من تتلاعب بهم الآن. فهم مستعدون ان يذهبون بعيدا في القرار الوطني حد المساس بالكيان الوطني اليمني. الجماعات الاسلاموية لا تتمتع بحساسية عالية حيال الكيانات الوطنية. انها جماعات فوق وطنية نظريا، وهي جماعات تحت وطنية واقعيا. وطن الطائفي هو طائفته التي قد تتعدى الكيان الوطني، لكنها لا يمكن ان تتطابق مع حدوده. من هذا المنظور فإن من المحتمل جدا أن يسارع الحوثيون الذين يهيمنون على العاصمة غلى قبول أية صيغة تمزيقية لليمن تكفل استمرار هيمنتهم على الرقعة الجغرافية التي يبسطون سيطرتهم عليها. أظن ان زاوية النظر هذه تساعد على فهم سلوك جمال بنعمر المبعوث الدولي (الاميركي البريطاني) إلى اليمن. الحوثيون يظنون انهم أذكياء، وهذا هو الحال دائما مع قيادات وجماعات من هذا النمط السائد في العالم العربي.
_ بعد عامين كاملين من ملهاة موفنبيك لم يطلع أي فاعل سياسي على الجمهور معتذرا عن سوء تقديره. لقد كان الجميع هناك يبيعون الأوهام ويوزعون الابتسامات ويلتقطون الصور التذكارية ويصنعون الإجماع. كان هادي واللقاء المشترك والحوثيون والسلفيون والحراكيون الجدد (حراك 2013) يصنعون الإجماع في تناغم مذهل. لم يثر أي خلاف حقيقي بينهم إلا في نهاية العام، وكان خلاف "الأوغاد" حول تقسيم اليمن وليس حول مصالح اليمنيين وحقوقهم. انقسم صناع الاجماع إلى جناحين: جناح يريد تقسيم اليمن إلى اقليمين وجناح يريده 6 اقاليم. وقد تبادل الجناحان الاتهامات الوضيعة بالتآمر حد التخوين. لكنهما واصلا السير في درب الاجماع إلى ان امتنع ممثل الحوثيين في لجنة صياغة الدستور عن التوقيع على المسودة النهائية. كانوا يمثلون على اليمن حتى اللحظة الأخيرة. والآن فإن جمال بنعمر يواصل عروضه في موفنبيك، بينما الدوائر الاستخباراتية الاقليمية والدولية تراجع السيناريوهات البديلة.
***
الحرب الاهلية هي صناعة محتكري التمثيل. والشاهد أن هناك جماعة تريد احتكار تمثيل "الزيود" و"الهاشميين" في اليمن (رغم استحالة ذلك)، وهناك سعي محموم، اقليمي ودولي لتخليق "ممثل شرعي ووحيد" للجنوبيين. وهناك طامحون لاحتكار تمثيل الاقاليم الافتراضية التي جعل منها هادي واعوانه فراديس يبشرون اليمنيين بقرب تنزلها على "الأرض المحرمة".
هناك كل هؤلاء المتحاذقين.
وهناك الغائب الحاضر الذي يستعد لاجتياحهم جميعا. الغائب الذي يلح عبدالملك الحوثي على طلبه: "داعش" اليمني.
***
استنقاذ اليمن يبدا من رفض الاحتكارات.
اليمنيون هم يمنيون قبل أن يكونوا جماعات أو طوائف أو تيارات أو ميليشيات.
من صعدة إلى سقطرى، هناك يمنيون يرفضون التعريفات الحصرية السائدة راهنا، والتي يلوكها خبراء موفنبيك لاستعجال الحروب الأهلية.

الجمعة، 13 مارس 2015

الحراكيون بين رئيسين شرعيين ... "الآباء المؤسسون" يلتقون في أبوظبي في مبارزة "أرذل العمر" من أجل "جنوب"هم!

     الحراكيون (الجنوبيون) الذين أخذوا قضيتهم إلى دهاليز فك الأرتباط والتحرير والاستقلال، هم في مأزق كبير أيضا.
فك الارتباط، كما الفدرالية، أيديولوجيا في اليمن.
     وزعماء الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، هم "الآباء الموسسون" كليو القدرة. لا يشيخون أبدا، تماما كما صالح وعلي محسن والإرياني وهادي... وحتى نهاية القائمة الذهبية اليمنية (التي تضم أولئك الذين احتفلوا قبل عامين باليوبيل الذهبي لاحترافهم النضال والسياسة).
     هم كما الرئيس السابق صالح الذي لا يتصور "يمن" بدونه، لا يتخيلون "جنوب" بدونهم. صاغوا الجنوب على صورهم. وهم الآن يخوضون معارك دونكيشوتية عليه.
لا يستحون.
      منذ 50 عاما وأكثر وهم في المنصات. يتشبثون بالميكروفونات. ويدفعون بالشباب الطيبين إلى الساحات من اجل تجديد أمجادهم.
تأملوا في وجوههم المتضغنة.
       استخوذوا على السلطة ولم يخرجوا منها إلا في حروب أهلية أو انقلابات دموية. ومن لم يحكم حمل في جوانحه حلم السلطة حتى على شبر من الأرض (هل تتذكرون السلطة التي اعلنها البيض في مايو 1994؟)
أنانيون، واستحواذيون، وهم النسخة الجنوبية من صالح وعلي محسن. لذلك يظهرون جميعا على المنصات في الجبهات اليمنية المتعددة.
يناضلون من أجل "جنوب"هم. لا جنوب اليمنيين او حتى "اليمن الجنوبي".
لذلك هم يناضلون ضد بعضهم البعض.
يتنازعون على "الجنوب" الذي كان قبل 1990. وعلى "الجنوب" الذي كان قبل 1967.
لا يتصورونه من غيرهم.
هم الجنوب والجنوب هم.
وسيحلقون بعيدا من أجل استرداده، حتى لو لم يعد الجنوب جنوبا والشمال شمالا.
الانعزالية ليست نزعة بل بشر من شاكلة "القادة التاريخيين" الذين يهرولون من مطار إلى آخر طمعا في رضا ملك أو مرشد يعيد لهم عرش "الجنوب" الذي تهاوى بفعل حماقاتهم.
***
في القضية الجنوبية، هناك حرب مستعرة على احتكار التمثيل. وهذه الحرب تشمل أساسا أبطال الاستقلال الأول من مناضلي الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني. ويظهر في هامش الصراع منافسون مهمشون.
هناك اجماعات تستلفت الأنتباه في اصطفافات الحراكيين. فرجال الجبهة القومية ما زالوا على عهدهم. لا يرون في الجنوب جنوبيين غيرهم. ومن هذه الزاوية يمكن ببساطة ان يتكتلوا ضدا على المهمشين الأبديين.
الجنوب هو "الجبهة القومية" التي آلت إلى حزب اشتراكي ورئيس شرعي وفخامة الرئيس وزعيم وقائد! هؤلاء عندما يتحدثون عن جنوب فإنهم يقصدون السلطة التي اطاحت بكل ما عداهم. وهم على الرغم من حروبهم الداخلية، موحدون ضد خضومهم الخارجيين (الرابطة وجبهة التحرير والتنظيم الشعبي... الخ). ومن الظريف أن التصالح والتسامح عند هؤلاء ينحصر_ أو أقله يتجه_ إلى احداث 13 يناير. والتصالج والتسامح هنا يعني أن ترفع صور زعماء هذه الاحداث متجاورة في الساحات، والاعتذارات اللفظية المغمسة بالنفاق والتعالي على الضحايا. لم يعتذر أحد عن جريمة. ولم يضغط أحد من اجل الكشف عن مصائر المختفين قسريا، ولم يقل أحد منهم أين هي المقابر الجماعية لضحايا الأحداث.
عدا احداث يناير التي تعني "الآباء المؤسسين" والتابعين الذين يتوزعون على الحزب الاشتراكي والجماعات الحراكية الهلامية، لا يحضر ضحايا آخرون إلا في باب "الشفاهة" محدودة التداول، في الصالونات والمجالس الخاصة.
***
ماذا لد هؤلاء الذين سيلتقون في الإمارات العربية المتحدة من خيارات؟
إلى أن تتنزل معجزة سماوية أو مكرمة ملكية او أميرية أو مشيخية خليجية، فإن الخيارات محصورة في اثنين.
أمامهم خياران:
إما الانتظام في جبهة "الرئيس الشرعي" الذي كان نائبا للرئيس صالح، وإما الانتظام في جبهة "الرئيس الشرعي" الذي كان نائبا للرئيس صالح!
إما الرئيس الشرعي الذي يقيم، راهنا، في عدن، ويعاديه الحوثيون، حلفاء صالح.
وإما الرئيس الشرعي الذي كان يقيم في الضاحية الجنوبية، ويحالفه الحوثيون، حلفاء صالح!
***
بكلمة أخرى: إما الرياض التي دعمت الرئيس الشرعي في حرب 1994، وتدعم الرئيس الشرعي منذ 2012. وأما طهران التي دعمت الرئيس الشرعي الذي كان يقيم في الضاحية، وتعادي الرئيس الشرعي الذي يقيم في عدن.
***
ليس لي أن أنصح الحراكيين المشرذمين الذين أخذوا قضيتهم إلى خارج "المواطنة" في 2009، ويصرون على نهجهم الانعزالي المدمر، على المضي قدما في خط "الاحتمال" غير الممكن في "يمن" محكوم بالبقاء موحدا او بالتشظي، بدولة مواطنين أو بدويلات داعش والغبراء!
اليمن تغير كثيرا لكن المعمرين من قادته السابقين لا يتغيرون أبدا. لكانهم أولئك الفتية الذين طلبوا الاستقلال في غمار الستينات مدعومين من مصر الناصرية ومن حركات التحرر الوطني والمعكسر الاشتراكي.
لم تتغير الا قسماتهم وملامخهم التي تكاد تختفي وراء التضغنات والشحوم المتهدلة.
يقاتلون التاريخ والزمن والتجاعيد في مشتشفيات الجراحة التجميلية.
يقاتلون بالبسطاء والطيبين من اليمنيين المحبطين والمهمشين والمظلومين من قبل السلطات المتعاقبة في الداخل.
يقاتلون بالفقراء، هؤلاء الأثرياء الذين يؤجلون، مرة تلو أخرى، كتابة أو نشر مذكراتهم، لأنهم لا يشيخون أبدا كما تفيد صبغات الشعر، ولأنهم يوفرون لأبناء شعبهم مفاجاة جديدة!
ليس لأحد أن يدعي الحكمة في "يمن" محكوم بالمجانين، لكن هناك قولا مأثورا جديرا باستدعائه في هذا المقام، وهو "التكرار أم التعليم".