السبت، 1 أغسطس 2015

في ضرورة إعادة "صعدة" إلى السياسة وإعادة الاعتبار إلى البديهيات!

    إنهاء الحرب بمشروع وطني يقدِم الحقوق ويرحِل "الفراديس"
_______________________________________

   
       مساء يوم الاثنين 20 فبراير 2007 مانعت أحزاب اللقاء المشترك مسعى الرئيس السابق صالح وحلفائه، إلى خلق "إجماع وطني" بشأن حربه الثالثة في صعدة ضد الحوثيين.
الرئيس صالح وحلفاؤه أوقفوا الحرب لاحقا من دون مشروع وطني يحول دون تحويل "الحروب" إلى "أداة" عسكرية واجتماعية (وثقافية) تخدم مصالح سياسية لبعض الأطراف قدر ما تقوض المصلحة الوطنية. ولذلك اندلعت 3 حروب أخرى في صعدة، اتسع نطاق الأخيرة منها إلى عمران ومشارف صنعاء.
التاريخ لا يكرر نفسه. لكن استخلاص العبر منه يمكن أن يزود صنّاع القرار ب"وصفات وقائية" تمنع اندلاع الحروب داخل الأوطان أو بين الدول. القارة العجوز أوروبا، التي كانت مسرحا لأعظم حربين في النصف الأول من القرن العشرين، لم تحترق بالنار مجددا باستثناء الحرب ثناء الحرب في البلقان جراء انهيار المعسكر الاشتراكي، وتفكك الكيان الاتحادي ليوغوسلافيا.
بعد 4 سنوات، بالتمام، من بيان اللقاء المشترك بشأن الحرب ال3 في صعدة، اندلعت "ثورة شعبية" ضد الرئيس المحارب صالح. كانت الثورة شعبية وسلمية. وفي أسابيعها الأولى بدا وكأن الاحتكام للسلاح صار فصلا في "كتاب التاريخ" اليمني لا مكان له في مستقبل اليمنيين الذين خرجوا بصدورهم العارية يواجهون أدوات القوة العارية للنظام. لكن انشقاقا جدث في "رأس" النظام فرض مفاعيله، لاحقا، على مسار الثورة التي صار لديها "انصار ثورة" مسلحون يتحركون بمنطق حروب النظام الذي كانوا أبرز رموزه العسكرية والاجتماعية.
بعد "ربيع" يختال بوعود الديمقراطية والسلام والعدل والمواطنة، عاش اليمنيون صيفا من نار شبّت في "دار الرئاسة" أولا، ثم امتدت ألسنتها إلى أرحب وأبين والجوف ومأرب ومناطق يمنية اخرى. لكن الكلمة العليا بقيت ل"روح الثورة" السلمية بقيمها التقدمية التي كبحت "النزعات" الحربية لرجال السلطة الأوفياء وأولئك المنشقين. وقد اضطر الرئيس صالح إلى التوقيع على مبادرة خليجية تلبي جزئيا مطلب الثوار بخروجه من الرئاسة لقاء تقاسمه السلطة مع "اللقاء المشترك" و"أنصاره"، يكون على راسها رئيس جديد هو نائبه الصموت الذي تقبل به المعارضة التي كانت قد احتكرت تمثيل الثورة ونصبت نفسها ناطقا أوحد باسمها.
بدأت مرحلة انتقالية مطلع 2012. وبدأ "المحتربون" الاستعداد لحرب سابعة!
في الخريف التالي (خريف 20  مساء يوم الاثنين 20 فبراير 2007 مانعت أحزاب اللقاء المشترك مسعى الرئيس السابق صالح وحلفائه، إلى خلق "إجماع وطني" بشأن حربه الثالثة في صعدة ضد الحوثيين.
  الرئيس صالح وحلفاؤه أوقفوا الحرب لاحقا من دون مشروع وطني يحول دون تحويل "الحروب" إلى "أداة" عسكرية واجتماعية (وثقافية) تخدم مصالح سياسية لبعض الأطراف قدر ما تقوض المصلحة الوطنية. ولذلك اندلعت 3 حروب أخرى في صعدة، اتسع نطاق الأخيرة منها إلى عمران ومشارف صنعاء.
التاريخ لا يكرر نفسه. لكن استخلاص العبر منه يمكن أن يزود صنّاع القرار ب"وصفات وقائية" تمنع اندلاع الحروب داخل الأوطان أو بين الدول. القارة العجوز أوروبا، التي كانت مسرحا لأعظم حربين في النصف الأول من القرن العشرين، لم تحترق بالنار مجددا باست12) كانت فرصة الإقلاع نحو المستقبل ما تزال ماثلة. لكن الرئيس هادي وحكومة الشراكة (والحوثيين الذين انفتحت لهم جزئيا أبواب العاصمة) اختاروا متابعة الاستعداد للحرب بدلا من الاعتداد ب"روحية الثورة" السلمية. ولكم كان الأمر مثيرا إذ توافقوا جميعا على ترحيل "أولويات" الثوار وتقديم استحقاقات "السياسة" وإغراءات السلطة، السلطة التي صارت ضربا من "تسلط" جديد باسم التقاسم والشراكة والحوار. وكذلك صارت الدولة "غنيمة" يتجاذبها المتسلطون بالمبادرة والطالعون من غمار حروب صعدة ال6 الذين بدؤوا ترتيب موقفهم وتنظيم تحالفاتهم انطلاقا من مآل ثورة قبراير 2011 الذي لاح وكأنه يدر كل عوائده السياسية والعسكرية على الطرف المنشق عن الرئيس صالخ الذي صار ينتظم تحت "لواء" اتخذ له عنوانا ثوريا (أنصار الثورة).
ضدا على "انصار الثورة" صدّر الحوثيون عنوانا جديدا يتحركون سياسيا باسمه هو "أنصار الله". وبدؤوا بسج خيوط تحالف مع الرئيس السابق صالح الذي صار له "انصار شرعية" هم "رجاله الأوفياء" الذي وقفوا حتى اللحظة الأخيرة في صفه ضدا على "رجاله المنشقين".
كانت هناك فئة "أنصار" رابعة هي "أنصار الشريعة"، الفرع المحلي من تنظيم القاعدة.
بينما كانت عُرى التحالف بين "أنصار الله" و"أنصار الشرعية" تتوطد وتزداد متانة بستحث طرفيها القلق من انفراد "أنصار الثورة" بالسطة وتغلغل "أنصار الشريعة" داخل "الأرض المحرمة"، كان الرئيس هادي ومؤيدوه الحزبيون وزمرة من التكنوقراط والبيروقراطيين وممثلون منتقون لشباب الثورة والمجتمعين المدني والحقوقي، يشيدون، بالرومنسيات والتلفيقات والتهويمات والأناشيد السمجة، "دولة" يمنية جديدة يبشرون اليمنيين الطيبين بها، باسمها وبوعد تنزلها الوشيك يرجؤون كل حق، من صعدة إلى عدن، وكل استحقاق، من انتخابات هئيات الدولة (رئاسة وبرلمان ومجالس محلية) إلى مؤتمر أكبر حزب وأصغر "جمعية" وأعرق "اتحاد" وأهم "نقابة".
***
بدلا من الذهاب الى الجنوب استجابة لاستحقاقات "القضية الجنوبية" الحقوقية والسياسية والأمنية و"الهوياتية"، وبدلا من الذهاب إلى صعدة بالدولة من أجل احلال السلام الدائم والإعمار وإزالة مظاهر الانقسام في السيادة، قرر الرئيس هادي والنخبة السياسية (وبخاصة اللقاء المشترك) تحويل قضايا الناس إلى "كروت"، وقرر "انصار الله" و"أنصار الشرعية" تدشين تحالفهما على "الأرض المحرمة" أولا. ثم، تاليا، اجتاحوا عمران ثم العاصمة. وبينما كانت "دولة فندق موفنبيك" تتبعثر في الهواء ختى من قبل ان تتنزل على الأرض، كانت "دولة الغلبة" تعيد تثبيت ركائزها التقليدية وأولها المؤسستان العسكرية والأمنية اللتين صاغهما صالح على "صورته"، وغير التقليدية متمثلة في جماعة اسلامية جهادية تتدثر ب"التاريخ" وتتلفع ب"الثورة" وتتسلح ب"المظلومية" وتتذرع بها لصد أي هجوم او نقد.
والنتيجة؟
انقلاب شامل في العاصمة وحرب تسلطية إحلالية استحلالية، داخلية، بدعاوى "الثورة" و"الوحدة" و"الشرعية الثورية" و"مخرجات الحوار الوطني"، ما لبثت أن جلبت حربا من الخارج باسم "حماية الأمنين الاقليمي والوطني" وباسم "دعم الشرعية" متمثلة بالرئيس هادي وحكومة خالد بحاح.
***
هذه حرب مركبة، متعددة الاغراض. وهي حرب غير منكافئة بالتأكيد. هي الحرب الأكثر وحشية منذ قرون، ولعلها الحرب الأكثر وحشية على الاطلاق.لكنها أيضا حرب غير مقدر لها أن تنتهي برابح وحيد بالنظر إلى مسارها وطبيعة اطرافها، محليين وعرب. وهي حرب "المقامرين" الذين اختاروا "مباراة صفرية" رغم استحالة ان ينفرد طرف واحد بالسلطة ويستحوذ على الدولة مهما تكن دعاواه ومهما بلغ حبروته. وهي حرب الأنصار الذين احتربوا في العقد الأول من القرن الأول من الألفية الثالثة باسم مشاريع ترتد باليمنيين قرنا إلى الوراء على الأقل ضد "الأنصار" الذين أرادوا التسلط على اليمنيين باسم "تهويمات" أخذت اليمنيين إلى هذا "الجحيم".
***
هذه حرب مزدوجة شديدة التعقيد. ليست حربا بالسلاح فحسب. وإنما هي حرب ب"المخرجات" و"الشراكة"، وحرب باسم "شرعيات" لا يمانع بعضها من إقامة "إمارات" اسلامية او جهوية. وهي حرب تتغذى من "خرافات" الايديولجيات الدينية و"ثأرات" التاريخ، القديم والحديث، و"ثورات" الحاضر المختطفة والمزعومة.
***
للحروب منظروها ومهندسوها وتجارها وأبطالها (هل للحروب الأهلية_ الوطنية الاقليمية_ أبطال؟) وضحاياها.
وهذه الحرب ما كانت لتندلع لو ان السلطة الانتقالية التزمت بتعهداتها فاولت الحقوق والاستحقاقات العناية الواجبة.
ما كانت لتندلع لو أن الرئيس هادي وحكومة الوفاق احترموا إرادة الشعب وقدروا تضحيات الشهداء، شهداء حروب الماضي وصراعاته وشهداء الحراك الجنوبي وشهداء الثورة الشعبية).
ما كانت لتندلع لو أن "اللقاء المشترك" الذي عطّل "الإجماع الوطني" في 2007 (كما ينوه المقال الاقتتاحي الذي نشرته في "النداء") ولم يتورط في "صناعة إجماع" في موفنبيك ضدا على "أولوية النظر في المظالم" ومع "اولويات تقاسم السلطة وتقسيم كيان الدولة".
أسباب اتدلاع الحروب تتعدد وتتناسل. والأكيد أن هذه الحرب الكريهة تناسلت من أطماع المتسلطين ومن "أوهام" المؤدلجين، ومن حروب الماضي القريب، حرب 1994 وحروب صعدة.
الأكيد ان هذه الحرب ما كانت لتندلع إذا لم تتعالَ سلطة الوفاق (والنفاق والشقاق) على جراحات اليمنيين في الجنوب وصعدة.
ما كانت لتندلع لو انها احترمت البديهيات وهي تحضر ل"حوار وطني" قال كثيرون، وأبرزهم أعضاء اللجنة التحضيرية لانعقاده إنه لن ينجح في إخراج البلد إلى النور إن لم يسبقه تنفيذ 20 نقطة تتعلق بالجنوب وصعدة.
لنأمل أن تنتهي هذه الحرب بقاعدة "غير صفرية". لنأمل ان يتحلى تحالف حرب الداخل (طرفا حروب صعدة ال6) بشيء من الحكمة فيستجيب لمطالب الأطراف الداعية لإنهاء الحرب، ويمتثل لقرارات الشرعية الدولية وبالتالي الشرعية التوافقية. وان يتعلم التحالف السعودي_ الخليجي العربي من الدرسين العراقي والسوري، ف"الشرعية" التي يحتشد من أجلها، ويقصف ويسلح ويمول، لا تعني شيئا إذا ذهب "الكيان الوطني" لليمنيين إلى التقسيم وإذا سقط المجتمع اليمني في "مستنقع" الحرب الأهلية المستدامة، وإذا تشظت "الجماعة الوطنية" اليمنية إلى جماعات حوثية وغير حوثية.
طال امد هذه الحرب أم قصر فإن "الجهاد الأعظم" هو في صوغ مشروع انقاذ وطني يحقن دماء اليمنيين، ويعطل قواعد "المباراة الصفرية"، ويبني سلطة توافقية ويستنقذ الدولة من الانهيار والمجتمع من التمزق، فيقدِم الحقوق ويحترم البديهيات ويرحل "التصورات" و"الأحلام" و"الفراديس" ويجعل من هذه الحرب "نهاية التاريخ" الاحتلالي والتسلطي في "اليمن" المحزون الكان قبل قرون سعيدا!
*** ***
*** ***

هنا افتتاحية ل"النداء" أثناء الحرب الثالثة في صعدة:
في ضرورة إعادة صعدة إلى السياسة - سامي غالب
_____________________________________
______________________________________
الأربعاء , 21 فبراير 2007 م
___________________
أفسد اللقاء المشترك في بيانه الصادر الإثنين بشأن أحداث صعدة «صناعة الإجماع الوطني» التي بدا وكأنها قد دخلت دور الازدهار.

أعاد البيان، بصرف النظر عن اللغة التي اعتمدها، الاعتبار إلى السياسة، فالثابت أنه لا إجماع يمكن أن يتحقق في حرب داخلية حتى وأن كان أحد طرفيها فئة صغيرة ترفع السلاح في مواجهة الدولة.
والمؤمل في بيان المعارضة أن يعيد طرح أحداث صعدة في سياق السياسة بما هي ممكنات وتسويات ومقاربات تراعي الحساسيات والتعقيدات وتستند إلى منطق الدولة، وتقارب الأزمات بروح العصر، بدلاً من الانحدار إلى خطاب عصبوي تكفيري يشيطن «الخصم»، توطئة لاقصائه، فتجريده من انسانيته.
عوض التهوين أو التهويل من شأن أحداث صعدة وتداعياتها على النسيج الوطني، فإن أطراف المنظومة السياسية مدعوون إلى التوافق على صيغة معالجة تحفظ للدولة هيبتها بضمان حقها في احتكار وسائل القوة والإكراه المادي، وتصون دماء اليمنيين جنداً و«متمردين»، وتصد أية محاولات لتدخلات اقليمية ودولية لإستثمار أزمة تولدت عن اعتمالات محلية صرفة، وإن حفزتها متغيرات اقليمية ايديولوجية ومذهبية.
لاح بيان المعارضة في بعض فقراته وكأنه يرد على اتهامات السلطة، لكأنه يبادلها توظيف «المأساة الصَعدية» في سجالات عقيمة. ومع ذلك فإن من العدل أن يحسب للمعارضة انها سجلت موقفاً صريحاً مما يجري في بقعة غالية من الوطن. وعليها الآن أن تمتص ردود الفعل المتوقعة من أطراف داخل الحكم، وتبذل في الوقت نفسه الجهد المستطاع، وفي طاقتها الكثير مما تستطيع بذله، من أجل الإسهام في كبح جماح القوة، تمهيداً لجرها من أذنيها وإدخالها إلى حظيرة السياسة، وصولاً إلى صيغة وطنية لتحديد إقامة الأزمة الخطرة، وتحجيم آثارها، تؤسس لمعالجة حاسمة لا توقف الحرب في صعدة فحسب، بل تسد أي منفذ لاستعارها مجدداً في نسخة رابعة.

الثلاثاء، 28 يوليو 2015

اليمن يدخل الشهر ال5 من حرب داخلية_ اقليمية بدأت تتخذ نمط "الحرب الأهلية"

 اختار الحوثيون خوض "مباراة صفرية" فانهارت الدولة و"تملشن" اليمن!
  _اليمن يدخل الشهر ال5 من حرب داخلية_ اقليمية بدأت تتخذ نمط "الحرب الأهلية"

      ______________________________________________________
       
          اختار الحوثيون خوض المباراة الصفرية في يناير الماضي عندما أرادوا فرض "شراكة"_ بالإخضاع لا بالانتخاب ولا بالاستحقاق القانوني_ على الرئيس الانتقالي هادي وحكومة بحاح. ولما لم يستجب هادي (وهي المرة الأولى التي لم يستجب فيها هادي ل"مشئيتهم" بخاصة وأنهم أرادوا فرض نائبا منهم عليه ليرثه بالحياء أو بالموت!)، حبسوه في بيته وأطبقوا بميليشياتهم على البقية الباقية من "المربعات الأمنية" التي تركوها للرئيس بعد اجتياح العاصمة في 21 سبتمبر.
      بعد اسبوعين من احتلال دار الرئاسة والقصر الجمهوري و"مسكن" الرئيس التوافقي، أصدر الحوثيون إعلانا دستوريا يضع السلطات جميعا في قبضة "لجنة ثورية عليا"، ثم جلبوا الأحزاب الى فندق موفنبيك لاستئناف "حوار" جديد بمباركة المبعوث الدولي جمال بنعمر (الذي غادر منصبه لاحقا بالإفالة).
      لاحقا تمكن الرئيس هادي من مغادرة بيته في عملية استخبارية رفيعة، ووصل إلى مدينة عدن التي صارت "عاصمة مؤقتة" إلى حين تحرير "العاصمة المحتلة" من الاحتلال الحوثي!
      أخفق هادي في تأمين مدينة عدن. وقد أظهرت التطورات المتسارعة أن فخامة الأخ "رئيس الجمهورية" كان طيلة الفترة الانتقالية (تنتهي في فبراير 2014) مضافا عليها فترة سنة ممنوحة من فندق ال5 نجوم  وال560 "كوكب" و"نيزك" في العاصمة (موفنبيك)، نائما في "العسل"؛ نعيم الرئاسة وسلطتها غير المقيدة. إذ أن الفوضى في العاصمة المؤقتة لم تلبث ان سادت جراء تمرد الوحدات الأمنية والعسكرية على السلطة التوافقية وانحيازها السافر إلى "سلطة" التحالف الصالحي الحوثي في صنعاء. وقد اضطر "الرئيس" إلى مغادرة "عاصمته" الثانية عبر عُمان، ليستقر في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية.
      في نهاية مارس بدأت عمليات "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية لدعم الشرعية (هادي) وإعادتها إلى العاصمة الأولى (صنعاء) ومنع الميليشات التابعة لصالح والحوثي من اجتياح المزيد من المحافظات. وبعد أيام استطاعت الديبلوماسية الخليجية من استصدار قرار من مجلس الامن يؤكد على شرعية الرئيس التوافقي ويلزم الحوثيين وحلفاءهم باحترام مرجعيات العملية السياسية الانتقالية في اليمن، ويدرج اسم قائد جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي في قائمة معرقلي العملية السياسية.
       القرار الدولي منح السعودية ودول الخليج (والتحالف العربي) الحق في الرد على سلوك ميليشيات الحوثي التي تهدد أمنها.
     هكذا دخلت السعودية، بقرار دولي، فاعلا عسكريا في اليمن كنتيجة مترتبة على شن الحوثيين وصالح الحرب على "الشرعية" في اليمن.
       بعد 4 أشهر من الحرب في (وعلى) اليمن، لم يتمكن أي طرف من تحقيق اهدافه.
      الحوثيون أصدروا إعلانا دستوريا منفردا، سقط فور صدوره ذلك أن السطة الثورية التي شكلوها (سلطة الأمر الواقع) لم تحظ بأي اعتراف من أي دولة في العالم (باشتثناء ايران التي تعاملت معها بحكم العلاقة الخاصة).
      والتحالف العربي بقيادة الرياض فشل في تحقيق اهدافه المعلنة باستثناء عودة خجولة للسطة الشرعية إلى "العاصمة المؤقتة".
      وفي الأثناء قُتل الآلاف من اليمنيين (وعشرات السعوديين وآحاد الاماراتيين) ونزح مئات الآلاف من بيوتهم ومدنهم وقراهم (من صعدة المنسية لاعتبارات دعائية تتعلق بالتحالف والحوثيين إلى المكلا التي استولى عليها الفرع المحلي لتنظيم القاعدة).
       لا يظهر المتحاربون أي قدر من التشكك في أهداف مبارأتهم الصفرية. وقد تابع الحوثيون "الحفر" ملوحين بخيارات استراتيجية يقولون إنها عسكرية ووطنية من شاكلة إيذاء السعودية داخل حدودها وتشكيل هيئات حكومية دائمة (في استكمال مهام الاعلان الدستوري الساقط).  وعلى الضفة الأخرى لا يخفي مسؤولون يمنيون (شرعيون) عزمهم على تحرير اليمن كاملا من قبضة "العصابات الميليشيوية).
       وبالأمس أرسل الحوثيون ما يؤكد أنهم "خارج الواقع" بقرار "تعويم" اسعار المشتقات النفطية وإخضاعها للعرض والطلب في بلد يسقط في "حضيضهم" الثوري، يدنو نحو 90% من سكانه من حافة الجوع.
       قبل نحو عام اعلن الرئيس هادي جرعة سعرية جديدة كانت ذريعة الحوثيين لاقتحام العاصمة في 21 سبتمبر، اليوم الذي صار "يوم النصر المؤزر" و"نهاية التاريخ" [هل تتذكرون يوم 7 يوليو 1994؟].
       يقدم الحوثيون أنفسهم كجماعة انقلابية لا صلة لها بالثورات. وهم يسلكون سلوكا انتهازيا في كل ما يخص "السلطة" إلى حد تعريض اليمنيين جميعا لخطر الموت بالقصف والاقتتال أو بالجوع. وخلال الأشهر ال4 الماضية، وبسبب اصرارها على اجتياح المناطق اليمنية انطلاقا من العاصمة، وضعت الجماعة نفسها في مواجهة "الجماعة اليمنية" غير مكترثة لعواقب ما تفعله على النسيج الوطتي اليمني.
      وفي المقابل تخوض دول التحالف العربي (بقيادة السعودية) حربها النظيفة على اليمن والتي يمقتضاها يٌقتل الآلاف من اليمنيين في عدن ولحج ومأرب وتعز وشبوة وأبين وصعدة مع تقليل الخسائر البشرية من جيوش هذه الدول (الداعمة للشرعية!) إلى ما دون الحد الأدنى. هذه الاستراتيجية أدت إلى تدمير البنية التحتية اليمنية والحاق ضررا بالغا بمنشئات تاريخية وثقافية في ذمار (التي تم دك متحفها) ومأرب حيث أقدم المعابد السبئية، وصنعاء القديمة التي تعرضت بعض مبانيها للانهيار فضلا على آثار القصف العنيف على جبل نقم على المباني المعمرة في هذه المدينة الآسرة التي تربض عند قدميه! وفي عدن (الجريحة) احرقت نيران الحوثيين وصالح العديد من العمارات العتيقة في كريتر والتواهي والمعلا، حيث لكل عمارة من هذه العمارات تاريخ لصيق بالمدينة الجزيرية الألصق بالعصر وقيمه. وأما في تعز حيث القتال المستعر جراء تشبث الحوثيين وصالح بالمدينة باعتبارها "قدس الأقداس"، فقد رأى سلاح الجو السعودي في تمركز الحوثيين على الحواف المطلة على المدينة من قلعة "القاهرة" ذريعة مثلى لضرب القلعة من الجو. وقد أدى القصف الى تحويل الجزء العتيق من القلعة إلى أنقاض.
     اليمنيون لا يحصون خسائرهم من هذه الحرب. فالحوثيون على سبيل المثال لا يريدون الظهور في مظهر الطرف الذي تعرض للإذلال. وبينما تتردد اصوات نشيدهم الحربي (ما نبالي) من السيارات المتنمرة على السكان في العاصمة والمدن التي يسيطرون عليها، يتكتمون على حجم الخسائر البشرية في صفوفهم، ويتجنبون كليا الظهور في هيئة "الضحية" حتى لو كان الثمن إخفاء حجم الدمار في مدينة "صعدة" العريقة. ومن اللافت ان سياسيين يمنيين ينقلون عن قيادات الجماعة عبارات متبجحة يفاخرون فيها بأن تدمير صعدة لم يترتب عليه أية خسائر بشرية في اوساط مجاهديهم.
                    ***
     الشهر الخامس من حرب "الجماعات الجاهلية" في اليمن والعالم العربي في اليمن، بدأ للتو.
     الحوثيون لديهم خيارات استراتيجية الآن، بينها أنهم عازمون على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة في العاصمة. ما يعني انهم غير مبالين حقا بالعواقب كما تقول زواملهم الحربية، وأن مغامرتهم تسير، راهنا، بالدفع الذاتي، وبقوانين الحرب وطفراتها.
     السعوديون أيضا عالقون في اليمن، فالمهابة السعودية لم تتنزل من الاسبوع الأول كما افترضوا. وحلفاؤهم المحليون يستنقعون في أزماتهم المزمنة وفي عصبويات جهوية، ولم يظهروا أية إشارات على أن لديهم حيثية على "الأرض المحرمة" (الأرض التي تقع في الشمال اليمني وكانت محرمة إلى منتصف القرن ال20 على الأجانب، رحالة ومستشرقين ومغامرين. وهم بعد اجتماعهم في الرياض بمباركة خليجية وعربية و"دولية"، فشلوا في كسب تأييد شعبي حقيقي او استنهاض اليمنيين الذين يستفظعون العيش في كنف "ثورة" الحوثيين.
        خيارات طرفي الحرب اليمنية_ الاقليمية تنفتح على الزمن مع دخول شهرها الخامس. لكن الزمن ليس محايدا في هذه الحرب!
        بوسع أي متابع التقاط ما طرأ من متغيرات نوعية خلال نصف العام الماضي.
       _ في يناير كانت هناك ميليشيا واحدة تتحكم بعدة مدن يمنية بينها العاصمة صنعاء. والآن فإن ميليشيات جهوية وعقائدية أخرى تتقدم في مدن آخرى، باسم "المقاومة" وباسم رد عدوان "الرافضة"!
      _ في يناير كانت الواجهة مكتظة بالحزبيين والسياسيين، وهي الآن محشوة بالمحاربين.
      _ في يناير كان هناك "بطل" ميليشيوي واحد يخطب في جمهوره. والآن صار لدى اليمنيين في مناطق يمنية أخرى أبطالها المقاومون.
      _ في يناير كان هناك عاصمة واحدة لليمنيين، والآن صار لديهم 3 عواصم.
       _ في يناير كان لدى اليمنيين القدرة على الوصول إلى وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، والآن صار هناك مصدران فقط هما الاعلام السعودي والاعلام الإيراني، علما بأن اغلب اليمنيين محرومون من مصادر الطاقة والكهربا، ما يعني في الغالب الأعم، افتقارهم لوسائل الاتصال المختلفة.
       _ في يناير كان بوسع اليمني ان يتنقل من مدينة إلى أخرى. والآن فإن ملايين اليمنيين محبوسون في "معازل" داخل المدن وعلى امتداد الخارطة اليمنية.
      _ في يناير لم يكن متصورا أن يقتل يمني يمنيا آخر "على الهوية" لكن الأشهر ال4 الدامية، أظهرت أن المجتمع اليمني (المتجانس والمتماسك قيميا) ليس محصنا من الجائحات الطائفية والعقائدية التي تعصف بالمشرق العربي. وقد ظهرت مؤشرات أولية على وقوع جرائم كراهية في العديد من الحواضر اليمنية، وهناك خشية من ان تتنامى هذه الظاهرة وتمتد إلى مناطق جديدة كالعاصمة صنعاء.
              ***
     الحروب لا تندلع فجأة.
     هناك دائما مقدمات ومحفزات ومخططات ومؤامرات.
     والحق أن نذر هذه الحرب ظهرت باكرا.
     ففي خريف 2012 اطلق ناشطون وكتاب تحذيرات من أن مسار العملية السياسية الذي اختارته السلطة التوافقية، وباركته الدول الراعية، سيؤول حتما إلى حرب.
    وقد اندلعت الحرب في صعدة أولا.
     ثم في عمران، التي بارك الرئيس هادي سقوطها في قبضة الحوثيين لأنه توهم انه يتخلص بذلك من بعض حلفائه الثقلاء.
    ثم في العاصمة.
     ثم في رداع والبيضاء ومأرب.
     وعندما انفتحت شهية الحوثيين على الآخر، وأرادوا فرض نائب رئيس من جماعتهم، قرر الرئيس هادي الاستقالة.
     وها هي الحرب تجرف السياسة والبيروقراطية والنسيج الاجتماعي في اليمن.
     وتتكامل حماقات الحوثيين في العاصمة والمحافظات مع التكتيكات الخرقاء ل"الشرعية" و"داعمي الشرعية"، راسمة احداثيات لمرحلة أخطر من الحرب الداخلية، هي الحرب الأهلية (الدينية_ الجهوية) في بلد عربي آخر في المشرق العربي.
           ***
   الحرب في اليمن مستمرة.
     الحوثيون في "مغامرة" قد تودي بوجودهم.
     وخصومهم يتخبطون في عدن والرياض.
       الحوثيون استحلوا انتزاع المكاسب السياسية بالقوة.
        استحوذوا بالقوة العارية على "عاصمة" اليمنيين، وبدعاوى "الثورة" على "دولة" اليمنيين التي صارت "ميليشيا" تقرر "تعويم" كل شيء في اليمن.
      "ملشنوا" الدولة، ف"تملشن" المجتمع كله.
       صار للحوثيون نظائر في محتلف مناطق اليمن.
       وبالنظر إلى مسار الحرب الدائرة، فإن ما من مانع من ان تبتلع ميليشيا صاعدة باسم المقاومة أو باسم صد "الروافض" ميليشيات الأمر الواقع في اليمن.
        المجتمع اليمني المتعافي من داء "الحروب الطائفية" هو استثناء.
          لكن حروب الإخضاع إذ تندلع تحت رايات "الله" والتي يكون وقودها "رجال الله" من الشباب المجيشين من قبل الحوثيين، فإن لا شيء يحول دون سقوط "اليمن" "حرب أهلية_ طائفية" مستدامة.
                 ***
        
        هناك صوت خجول سُمع الأسبوع الماضي في العاصمة صنعاء، يقول ما مفاده أن حروب الإخضاع والاحتلال الداخلية ولى زمنها. وأن العودة إلى الحوار هو المدخل الأوحد إلى استعادة "الدولة" واستنقاذ المجتمع اليمني من خطر "الميليشيات" في العاصمة والمحافظات.
      أطلق الحزب الاشتراكي اليمني مبادرة جديدة معززة بخطوات مقترحة. وهي مبادرة يمكن البناء عليها لبلورة رؤية مشتركة لكل القوى السياسية المناوئة للحرب، تكون مرتكزا للضغط من أجل إحلال السلام، ومن أجل استنهاض اليمنيين ضدا على "الميليشيات" بدءا من صنعاء. وفي هذا فليتنافس المتنافسون!