السبت، 13 يونيو 2015

في كون الحوثي ليس "صنيعة" صالح، و"العكفي" لما يعد، بعد، إلى حظيرة "السيد"!


       الأحكام القيمية بشأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه وزعيم جماعة "انصار الله" عبدالملك الحوثي وجماعته، تتفاوت بحسب الموقف السياسي والايديولوجي والاجتماعي لكل شخص. هناك مؤيدون ومعارضون، محبون ومبغضون، مستفيدون ومتضررون، ... الخ.
      لكن الأكيد أن الرجلين متمايزان سياسيا وايديولجيا واجتماعيا وعمريا. ليسا تؤامين سياميين ولا تجمع بينهما قرابة أسرية. وهما خاضا _ الأول في مواجهة الأخر_ 6 حروب ضارية أودت بحياة الآلاف من اليمنيين بينهم اقارب من الدرجة الأولى للحوثي.

صالح يقود حزبا سياسيا (التنظيم الشعبي في مرحلة حظر العمل الحزبي ومحاربة الأنشطة السرية للأحزاب لكن، أيضا، مرحلة التحالف بين الرئيس السابق والاخوان المسلمين بوصفهم "حزب الشدة" في مواجه اليسار والقوميين العرب في اليمن الشمالي).
عبدالملك الحوثي ورث أخاه الأكبر حسين بدرالدين الحوثي في قيادة الجماعة بعد الحرب الأولى (2004) التي انتهت بمقتل حسين بعد أسره مباشرة حسبما تؤكد رواية مؤيدي الحوثي. وقد اشتد عود الجماعة الفتية في الحروب الخمس التالية إلى أن اندلعت ثورة فبراير 2011 ضد نظام صالح، فالتحق الحوثيون بساحاتها وسقط من انصارهم شهداء وجرحى.
      هناك خطايا ارتكبتها السلطة الانتقالية برئاسة هادي في 2012 و2013 و2014، أدت تدريحيا إلى انتقال العلاقة بين صالح والحوثي من النمط الصراعي (المسلح) إلى النمط التكاملي (السياسي والمسلح خصوصا في العامين الأخيرين).
لا جدال في هذا.
        لكن أن يواصل معلقو اللقاء المشترك (وبخاصة الإصلاح) في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، اعتبار أحد الرجلين مطية للآخر أو أداة والعوبة في يده، فذلك تحاذق مكشوف لغرض التملص من مسؤولية النتائج الكارثية للمسار السياسي الانتقالي، أو غباء مطلق يغرق صاحبه في سبات مديد إلى ان يصحو على انفجار كبير آخر من شاكلة ما جرى في 21 سبتمبر 2014.

       صالح والحوثي يخوضان، في حلف منذ نحو عام، حربهما "الداخلية الإخضاعية" ضد الآخرين. ويتمظهر هذا الحلف لدى اليمنيين المعارضين لهما، باعتباره حلفا سياسيا جهويا (وربما طائفيا من أسف) خصوصا وأن عصب كل طرف من طرفي التحالف يقع في شمال الشمال، عسكريا واجتماعيا.
         هناك دائما محاذير اخلاقية وحقوقية ووطنية، يتوجب أخذها في الاعتبار قبل الخوض في مسائل دقيقة قد تغري من يقاربها بالتعميم أو التبسيط اللذين يرتبان تعميمات خاطئة وغير علمية من شاكلة "جوهرة" الشماليين _ التعاطي مع المواطنين في الشمال وبخاصة في عمران وصعدة وصنعاء وذمار باعتبارهم جوهر لا يتغير، وبالتالي "شيطنتهم" والانغماس في "عنف لفظي" بلا حدود ولا سقوف ضدا على "عنف مادي" تمارسه (أنطلاقا من هذه المناطق والمحافظات واعتمادا على ابنائها واتكاء على موروثها الحرب) مراكز نفوذ وبنى "دولتية" _ في الدولة المشخصنة (المزرعة)_ وجماعات سياسية عقائدية مسلحة من شاكلة الحوثيين.
       الحاصل أن الحوثي وصالح في تحالف حرب صريح ضد خصومهما السياسيين والايديولوجيين ومن اجل الاستحواذ على السلطة، تحالف له مفاعليه الكارثيه على النسيج الوطني والسلم الاجتماعي، لأن يستحيي في قلوب اليمنيين تاريخا من الغزوات العسكرية والفتوحات الامامية والاجتياحات الشمالية لمناطق المشرق وتهامة والجنوب.
الظاهر أن تحالفهما السياسي أقرب ما يكون إلى تحالف "اضطراري" في مواجهة الخصوم السياسيين للأول والخصوم الأيديولوجيين للثاني.
         الثابت أن تحالف الرجلين أخذ طابعا اجتماعيا (ديموغرافيا) نتيجة تقاطع جمهورهما في المحافظات الشمالية أساسا، حيث منجم مقاتلي الحوثي والينبوع البشري الأول للجيش اليمني منذ قيام الدولة في اليمن الشمالي مطلع القرن الماضي ثم بعد حرب 1994 التي قوضت الوحدات العسكرية الموالية للحزب الاشتراكي اليمني (جيش "اليمن الجنوبي" قبل الوحدة اليمنية).

       الأكيد أن هناك مستويات عديدة لتحليل هذا الحلف العسكري (والسياسي كما يبدو)، تفسيره وفهمه وتفكيكه إلى عناصره الأولية ورده إلى عوامله المتنوعة والمعقدة، الذاتية والموضوعية، السياسية والاجتماعية والهوياتية، بما يغني عن أية تعميمات غبية أو استخلاصات تبسيطية أو تأويلات محض طائفية او مقاربات خرافية من شاكلة أن الحوثي "صنيعة" صالح أو أن "العكفي" عاد إلى كنف "السيد"!

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

الطريق الالتفافي إلى الحرب الأهلية اليمنية بوساطة "الحوار الوطني"!

_ كيف تقاطعت المشاريع العصبوية ضدا على "دولة المواطنين" أولا؟
_ الطريق الالتفافي إلى الحرب الأهلية اليمنية بوساطة "الحوار الوطني"!


 
      الباطنية هي القاسم المشترك بين الجماعات الدينية في اليمن والعالم العربي، سنية وشيعية، راديكالية ومعتدلة.
     التبحر في علم التأويل هو الشرط اللازم لأي دارس أو معلق على سلوك الجماعات الاسلامية.
      والثابت أن جماعتي الاخوان والحوثيين قادتا _ بالتوالي_ اليمن إلى حرب أهلية بالتشارك مع هادي وقادة المشترك والمؤتمر.

      في الوثيقة الفكرية لجماعة الحوثيين مطلع 2012 اضمرت الجماعة اهدافها السياسية في مواجهة "الربيع الاخواني" في اليمن المنبلج من "الربيع العربي".
لمواجهة تحالف الاخوان مع الجناح المنتصر من الصراع داخل "الزيدية الجغرافية" (علي محسن وال الاحمر)عمل الحوثيون حثيثا على احتكار تمثيل الزيدية.
      تطلب احتكار التمثيل تكريس قراءة منغلقة للزيدية تنزع منها تأثير "المعتزلة" وتضرب الزيدية في "قدس اقداسها" وهو الاجتهاد.
       والى الاجتهاد المقيد، اعادت الوثيقة الفكرية التوكيد على مركزية آل البيت واصطفائيتهم بما ان "السيد" هو المجتهد الحصري.
      لم تكن الوثيقة الفكرية مخرج حلقة نقاش "علمائية" زيدية. لكنها كان ضربا من الاستجابة الحركية للجماعة ومناصريها الذين استفززهم جموح اخوان اليمن.
       لم تتخلق بيئة انفتاح ثقافي جراء ثورة فبراير 2011 إذ سرعان ما تحولت ثورة الشباب إلى محض انقلاب أزاح صالح من السلطة وأبقى على رموز نظامه.
    حفزت السلطة الانتقالية التي تأسست في نهاية 2011 ومطلع 2012 عناصر الفرز الطائفي والجهوي في اليمن. كان ذلك بمثابة الانقلاب الشامل على الثورة.
     أراد الحوثيون احتكار تمثيل الزيدية في اليمن، وهذا يعني مأسسة "الزيدية" طائفيا، وهو هدف يتصادم مع تاريخ الحركة الوطنية في اليمن منذ قرن.
      أراد الاخوان المسلمون (الفرع اليمني للحركة الأممية ممثلا بالتجمع اليمني للإصلاح) حصر الحوثيين في مناطق شمال صنعاء خصوصا مع تزايد شعبيتهم جراء الاحباط من السلطة الانتقالية وفسادها. ويمكن فهم موافقة الاصلاح المتأخرة على الفدرالية ثم حماستهم للتقسيم السداسي (ستة اقاليم) كتجل طائفي يتوسل بالفدرالية تحجيم خصم ايديولوجي.

         وفي سياق الصراع على السلطة في اليمن عمد هادي إلى ادارة تحالف سري مع الحوثيين بالموازاة مع تحالفه مع الاخوان المسلمين (تجمع الإصلاح).
        كان الهدف المركزي لهادي هو تقويض قوة رئيسه السابق (صالح). ومن أجل ذلك ترك الحبل على الغارب للجماعتين اللتين تضفيان على صارعهما طابعا وجوديا.
     
        لقد تقاطع هادي والاصلاح ضدا على صالح.
       وتقاطع هادي والحوثيون ضدا على علي محسن الاحمر.
        وتقاطع الاشتراكي والحوثيون ضدا على "دولة" صالح.


        أثمر تقاطع هادي و"الإصلاح" مشروع تقسيم اليمن سياسيا إلى 6 اقاليم، أحدها يضم الزيود جميعا، تقريبا، في كيان يمكن وصفة ب"المعزل الطائفي". كان هذا التقاطع بمثابة البرنامج التنفيذي لوثيقة الحوثيين؛ أراد الحوثيون احتكار تمثيل "الزيدية" وقد منحهم الاصلاحيون أرضية لتحقيق إرادتهم عبر وضع "اليمنيين الزيود" في اقليم واحد في مشروع تقسيم طائفي ومناطقي شديد البدائية.
        أثمر تقاطع هادي والحوثيين توسع الجماعة انطلاقا من صعدة باتجاه عمران ثم صنعاء، بعد تصفية الجيب السلفي في "دماج" بتهجيرهم بقرار رئاسي.
أثمر تقاطع الحوثيين والاشتراكي اتفاق على تحييد "برلمان" صالح ومؤسسات الدولة الموروثة من عهد صالح، والذهاب إلى تأسيس جديد للدولة ينهي "الجمهورية اليمنية" انطلاقا من مشروع الاقليمين الفدراليين (جنوب وشمال).
       أثمر تقاطع الأطراف جميعا على تجاوز اللحظة الثورية العارمة في مطلع 2011 وما عززته من قيم ايجابية كنبذ العنف والالتقاء على قاعدة المواطنة، "انقلابا توافقيا" على الثورة والدولة، وأخذ "اليمن" من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة اللا شرعية، بلوغا إلى الحرب الاهلية.
       كان الحوثيون الرابح الأول من هذه التقاطعات. وفي ما يشبه "الغموض البناء" _أو باطنية سياسية_ استطاعوا تنويم "هادي" و"الاشتراكي" وانقضوا على السلطة بالتنسيق مع الرئيس السابق صالح.
********
       في عام 2011 بدا وكان القوى الخاسرة في حرب 1994 هي المستفيد الأول من ثورتي الشباب والحراك السلمي في الجنوب. لكن هذه القوى لم تدرك حقيقة ما يجري في اليمن، ولم يرفع قادتها رؤوسهم ليلتقطوا الفرص، واحدة تلو الأخرى، تمرق امام اعينهم. كانت سنوات القمع والاستخذاء قد اوهنت عزائمهم. ولذلك غادروا الساحات في مطلع 2012 (بالموازاة مع الوثيقة الفكرية للحوثيين) وهرولوا إلى فندق ال5 نجوم شرقي العاصمة صنعاء منساقين وراء سراب من "فدرالية" و"سلطة مستدامة" و"حلول فردوسية" لن تتنزل أبدا على "الأرض المحرمة".

         كانت النخبة الحزبية، اسلامية وعلمانية، يمنية ويسارية، تحلق مرة أخرى في "كوكب موفنبيك" بعيدا عن جنوب الجزيرة العربية من "كوكب الأرض". كانت تحلق بمنطاد من تهويمات وحماسيات، وبوقود من مواعظ ووعود أطلقها "التبشيريون" من بقايا اليسار والقومية العربية، ممن جعلوا من أحد أشكال الدول (الفدرالية) أيديولوجيا تلهم مناصريهم قبل أن يفروا إلى "الرياض" تاركين اليمن رهينة للتحالف الأكثر واقعية وتجريبية، تحالف الرئيس السابق صالح وقائد جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، اللذين تقاطعا على رفض مشروع "تقاطع هادي والإصلاح" في ما يشبه الانتصار ل"دولة صالح" بانصراف الحوثيين _بدءا من سبتمبر 2014 عن "الغنائيات الفدرالية".
في المرحلة الانتقالية انقلبت النخبة الحزبية والسياسية (الرسمية وغير الرسمية) على أحلام اليمنيين اولا. ثم في مرحلة لاحقة ارتطمت مشاريعها العصبوية بالسياسة ثم بالسلاح، فكانت هذه الحرب الأهلية اليمنية _ الاقليمية.
والآن؟
       هناك تجربة حوار كارثية في فشلها ومخرجاتها.
        هناك حوار جديد سينتظم قريبا في جنيف وما "بعد جنيف".

          هناك فرصة لاستنقاذ اليمن عبر تفادي خطايا المسار الانتقالي السابق، وبخاصة خطيئة جلب "السلطة" و"الجمهوية" إلى طاولة "حوار وطني"في مرحلة انتقالية!